أغلقت باب غرفتها المؤقتة خلفها، وكأنها تحتمي بحجاب جدرانها الواهي،حتى لا تضطر لمزيد من الحديث مع المرأة التي أنجبتها، أسندت ظهرها على باب الغرفة مغمضة عينيها محاولة التفكير في مخرج من ذلك المأزق، ستموت قبل أن توافق على رفع قضية خلع ضده، لن تكون هي أبدًا من تكسر هيبة رشوان البنا، وكيف سيبرر للشرطة أو أهل البلدة كونها على قيد الحياة!
لا..لن تكون هي أبدًا السبب في جلب تلك المشاكل حتى باب منزله، فتحت عينيها فواجهتها الملابس الجديدة التي وضعتها خادمة والدتها على فراشها، لطالما أحبت رحلات التسوق مع رشوان حينما يصطحبها معه أثناء سفره، وأحبت حتى اختياراته حينما يجلب لها الهدايا التي لم تعرف أبدًا متى أبتاعها وهو لم يغادر المنزل،لطالما ابتهجت بالملابس الجديدة وغمرتها سعادة من نوع خاص وهي تملأ بها خزانتها، لكنها الآن تنظر نحو الثياب بهلع، كأنها وسيلة لتزيينها وبيعها في سوق الجواري، لم تباع أبدًا من قبل فهي من وافقت على رشوان بمحض ارادتها، إلا أن والدتها الآن تريد سلب ارادتها وبيعها لمن يدفع أكثر، عادت لتغمض عينيها وتتذكر للمرة الأولى والدها الذي ورغم كل شيء عارض زواجها من رشوان لأنه في مثل عمره تقريبًا، لكنه رضخ أمام اصرارها، اعتادت الدهاء والكيد منذ صغرها رغم العواقب الوخيمة التي جلبها لها مكرها في الصغر فلِمَ لا تستعين به الآن؟
ارتسمت إبتسامة مريرة على شفتيها وهي تتذكر خزانتها الخاوية من الملابس في سنوات طفولتها إلا من جلبابين وثوب مخصص للخروج النادر من الدار، وكم شعرت بالحقد حينها على زوجة والدها حينما عادت ذات يوم بعد قضاء يوم كامل خارج الدار حاملة حقيبتين من البلاستيك يحتويان على العديد من الملابس، كطفلة اعتقدت أن لها نصيب من تلك المشتريات لذا انتابها احباط شديد حينما اكتشفت أن محتوى الحقائب بالكامل لزوجة والدها، فاستغلت باليوم التالي انشغال المرأة في الحديث مع احد النسوة أمام باب الدار، واتجهت نحو خزانة زوجة والدها، حاملة معها شفرة حلاقة من شفرات والدها، وتسللت نحو الغرفة، وبحذر شديد أحدثت في كل ثوب، وجلباب شق صغير في أماكن متفرقة، ثم غادرت بهدوء عائدة إلى غرفتها، وفي المساء حينما استمعت لنواح زوجة والدها وندبها لحظها العاثر، وأنها ستعاود الذهاب إلى المتجر لتتشاجر معهم؛ ابتسمت بتشفي وانتظرت والدها بجوار الباب حتى تذكره أنها لازالت على قيد الحياه وبحاجة للملابس مثل زوجته،عادت لتبتسم بمرارة فحتى تلك الذكريات الأليمة لطفولتها باتت عزيزة وتشعر بالحنين الجارف نحوها في خضم المعاناة التي تحياها الآن.
عادت غالية إلى واقعها محاولة اغتيال تلك المرارة والحزن، حتى تستطيع التفكير في خطوتها القادمة، فلقاء الموت لهو أكثر ترحيبًا على نفسها من أن تصبح نسخة أخرى من والدتها، تنكس رأس زوجها، وتدنسه بالعار، هي إبنة الصعيد، وتعلم ما سيقال وما سيشاع من ثرثرة، حتى لو خنقوها داخل الجدران خشية من رشوان البنا، إلا أن رائحة الفضيحة مشينة ستتسلل عبر الجدران وتفوح، سيتهموه بتلفيق أمر الجنازة، والموت حتى يداري هروبها مع عاشق، سيثرثرون على الرجل الذي هجرته زوجته لتهرب مع رجل آخر، أبدًا لن تكون نسخة من والدتها، ولن تجعلهم يمصمصون شفاههم بحسرة على سيد رجال الصعيد الذي فرت منه الفاجرة.
أنت تقرأ
توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)
Romanceمِن ضِلْعَك خُلِقت..لا شيء مني يخلو مِنْك..فلا تدّعي أنك بإغوائي من الجنة خرجت.. فكيف للكل أن يتبع الجزء؟! أولست أقوم؟! أولست أقوى؟! أولست أذكى؟! وأنا ناقصة عقلٍ ودين؟!فكيف للكل أن يتبع الجزء ويكن له تابع آمين!! صه واستمع للحقيقة لعل عقلك من غروره...