توقف قدح القهوة في منتصف الطريق إلى شفتيه، لكن لم يكن وحده قدح قهوته هو ما توقف بل وكأن الشمس كفت نورها عن العالم فعم الظلام الكون وما عاد يرى سوى تلك الواقفة أمامه، وخيم الصمت على عالمه فما عاد يسمع سوى دَويّ خفقات قلبه الضارية، للحظات انتابه التشوش وما عاد يعلم إن كان بين خضم أحد خيالاته أم هي هنا حقًا أمام عينيه، للحظات شعر وكأنه خيال سيتبخر ما أن يطرف عينيه، فطال تحديقه بها خشية تبدد صورتها أو اختفائها، ازدرد ريقه محاولًا ترطيب حلقه وهو يعيد قدح قهوته إلى موضعه على يمينه، حثه عقله على اغماض عينيه للحظة عله يتأكد أنها واقع تجسد أمامه، وتدافعت الأسئلة إلى عقله، يتساءل لما عادت إليه؟ تعهد لها بالأمان ومنحها المال، لما عادت إليه؟
تنازعت الرغبة ما بين قلبه وعقله وما بين طبيعته وتقاليده، قلبه أراد أن يغلق عليها ألف باب، ينهل من عشقها حتى يرتوي هذا إن ارتوى يومًا، وعقله أراد أن يحرر كلمة الطلاق من عقدة لسانه، وغريزته أرادت دفنها حيث تقف، وما بين كل الصراعات بداخله غرق في خضم بحر هائج من الحيرة.
هاجت نبضات قلبه، وانقبض بقوة، فرفع يده في تلقائية يمرر يده على موضع الألم، وكأن قلبه يعاقبه، يخبره أنه يُحمله ما لا طاقة له، ورغم ذلك تشكلت أسئلته وحيرته في كلمات باردة لم يعرف كيف ساقها عقله بهذا البرود مُتغلبًا على جنون خفقات قلبه :"لما عدتِ؟"
منذ خطت إلى داخل الغرفة وأغلق محروس خلفها الباب وهي تقف محدقة به، وكأنها تحفر أصغر تفاصيل ملامحه في عقلها علها تستعين بها على الفراق إذا ما قرر إقصائها بعيدًا عنه دون أن يريق دمائها ويدفن خطيئتها معها، طال تحديقها في قسمات وجهه الأسمر القوية، عينيه الثاقبتين التي تحدق بها وليتها قادرة على النفاذ إلى مكنون قلبها ليدرك كم هي عاشقة، هيبة وقوة أحاطا به، وكأن ما من شيء يمكنه أن يهدم تلك الهالة، أمان حط على كتفيها فلم تعد تخشى أي شيء في العالم سواه.. تخشى تخليه عنها ولا تخشى ازهاقه لروحها لو أراد.
انهمرت دموعها مدرارًا وكأن فيض من ألم ويأس تدفق من مقلتيها :"آتيت تائبة،آتيت لتقبلني ولو خادمة يا سيد الناس، آتيت لأنني ليس لي من سند ولا ظل أستظل بظله سواك.. آتيتك عاشقة"
سماع كلمات عشقها عبر تسجيل صوتي كان مريرًا موجعًا يجلد قلبه بسوط من سعير، أما وجع سماعه اعترافها بالعشق أمام عينيه، فلا يقارن مطلقًا وكأن أحد انتزع قلبه من موضعه ويعتصره بقوة جامحة أمام عينيه بينما هو يصارع الموت.
" العاشق لا يخون، والخائن لا دية له، عفوت عنكِ لأن الله أراد لكِ الحياة، وما أنا لمخالف إرادة الله، لا تطلبي أكثر من هذا"
اقتربت خطوة بساقين ترتجف، وخطوة أخرى بجسد ينتفض... دفعه قلبه ليقف ويندفع نحوها معانقًا، يروي ظمأ شوقه، إنها لازالت زوجته، حلالًا له، ماذا لو أطفئ لهيب ظمأه! وعانده عقله ونهره موبخًا، هو رشوان البنا، ولا مكان لخائن في حياته، سيطوق عنقه طوق من جحيم الشك ويظل يتغذى على روحه.
أنت تقرأ
توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)
Romanceمِن ضِلْعَك خُلِقت..لا شيء مني يخلو مِنْك..فلا تدّعي أنك بإغوائي من الجنة خرجت.. فكيف للكل أن يتبع الجزء؟! أولست أقوم؟! أولست أقوى؟! أولست أذكى؟! وأنا ناقصة عقلٍ ودين؟!فكيف للكل أن يتبع الجزء ويكن له تابع آمين!! صه واستمع للحقيقة لعل عقلك من غروره...