دارت عينيها من حولها تتأمل الجدران الرطبة التي تساقط طلائها وباتت بحاجة ماسة إلي الترميم، إلتفت ذراعيها حول ساقيها وكأنها تحتضن ذاك الشعور بالضعف الذي يعتريها ليعود بها إلى طفولتها فهي نفضت عنها ذاك الضعف منذ استعادت صحتها بعد ختانها،تعلمت أن تكون قوية ماكرة لتصل لمآربها لكنها الآن عاودها ذاك الشعور بالضعف،لم تكن ناقمة على تلك الجدران التي تتسلل منها البرودة والرطوبة بقدر ما هي ناقمة من برودة الضعف التي تسللت إلى روحها،هي وحدها التي ترى تلك الطفلة الواهنة التي بحاجة إلى ذراعين قوية تحتضنها وتربت على آلامها..حدقت في مرآة الخزانة بجوارها ترمق انعكاس صورتها بينما تتذكر نظرات درة لها،نظرات متفاجئة في البداية ثم تحولت إلى شك وريبة بينما هي شعرت بالارتباك منذ أن وقعت عينيها عليها فقد تذكرت لقاءها معها في المطار ونسج الأكاذيب حتى تساعدها،لن تلومها ولم تلومها فعادة ينظر إليها الجميع بإرتياب ودرة لديها على الأقل أسبابها،إمرأة خائنة كاذبة أليس هذا بدافع قوي للريبة؟!
تأملت الهالات السوداء حول عينيها الغائرة على أثر نحافة وجهها،لقد فقدت الكثير من وزنها فالطعام بات كالعلقم وكأن احشائها تعلن حدادًا لا ينتهي على من فقدته،كيف لها أن تحب مخلوق لم تراه إلى هذا الحد؟ خواء يسكن روحها..خواء مميت قاسي وكأن ذلك الجنين كان يسكن روحها لا احشائها،كانت فيما مضى ترقص كلما فرحت.. ترقص كلما حزنت وترقص كلما انتصرت مكائدها واشعلت الفتنة بين والدها وزوجته،الآن بات الرقص ثقيلًا مرهقًا وفقط الدموع هي سلواها بينما تتساءل كل يوم ألن تنضب؟ تتمنى الموت وتخشاه فهي تدرك أن الموت نجاتها من الألم لكنها تخشى عذابًا في الآخرة بعد عذاب دنياها.
عاودتها ذكرى له وتجسدت صورته أمام عينيها بهالته وهيبته وتلك القوة التي تشع من نظرات عينيه وذاك العنفوان الذي يتدفق من كل خطوة يخطوها،كل يوم مر عليها في كنفه أدركت منه أن ذلك الرجل مختلف،هابته واحترمته و... احبته.. نعم احبته!
"احببتيه يا غالية... غالية الإسم والوصف كما كان يحلو له أن يدللك،احببتيه وشعرتِ بخفق قلبه لكِ لكنك تمردت، غرك شيطانك واعتقدت انكِ اذكى منه يا حمقاء.. افترضت انه لن يكشف خداعك وخيانتك"
انهمرت دموعها فشددت معانقة جسدها بكلتا ذراعيها :
"كنت أرغب في حياة جديدة حينما علمت أنني سيكون لي طفل منه..لكنه لم يمهلني.. ولم يمهل طفله فرصة الحياة"
أغمضت عينيها تدفع ذكرى تحديق عينيه في وجهها ويديه التي احطت بوجنتيها وهو يهمهم لها :" إذا أردت المال وهبته لك بلا حساب وإذا اردت الجاه فأنت سيدة هذه البلدة، كلمتك أمر مطاع ولن اطلب مقابل لهذا سوى الصدق والولاء التام"
أخفضت وجهها بين كفيها تجفف دمعها وكلماته تتردد اصدائها بعقلها:"يليق بك الدلال يا غالية الإسم والوصف.. تدللي كما تشائين فأنت زوجة رشوان البنا"
أنت تقرأ
توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)
Romanceمِن ضِلْعَك خُلِقت..لا شيء مني يخلو مِنْك..فلا تدّعي أنك بإغوائي من الجنة خرجت.. فكيف للكل أن يتبع الجزء؟! أولست أقوم؟! أولست أقوى؟! أولست أذكى؟! وأنا ناقصة عقلٍ ودين؟!فكيف للكل أن يتبع الجزء ويكن له تابع آمين!! صه واستمع للحقيقة لعل عقلك من غروره...