جلست شاردة تحتضن ساقيها أمام صدرها بمنتصف الفراش فبدت وكأنها بعيدة تمامًا عن تلك الغرفة بجدرانها البيضاء ونافذتها التي تطل على حديقة صغيرة،عيناها بدتا وكأنهما رحلتا لعالم آخر،حزن عميق يحتلهما ممتزجًا بإنكسار برغم من شبح بصيص من القوة قد سكنهما بيوم ما،جميلة كعادتها دائمًا لكن المهرة الجامحة قد نَحِلَ جسدها وبهتت خصلات شعرها وتقصفت،خفت بريق عينيها وأحاطتها الهالات السوداء.
خفضت رأسها لتسند جبهتها على ساعديها وانسابت دمعة فقط.. دمعة واحدة وكأنها فرت من سجن أفكارها،فهي دائمًا ما حملت كل النواقض بداخل ذلك العقل فهي العصية الطيعة،هي الظالمة المظلومة،القوية العاجزة،هي الحية الميتة،هي كل شيء وضده،حياتها أيضًا لم تخلو من كل التناقضات فهي التعسة التي امتلكت أسباب السعادة وهي الخطيئة والتوبة.
رنين هاتف المشفى الداخلي اخترق أفكارها فدفعها لرفع رأسها والنظر نحوه دافعة بظهر يدها أي أثر للدمعة الخائنة فهي هنا لا تعرف إن كانت حقًا بأمان أم ما هو إلا سجن راقي يسكنه الموت،تخر ساجدة لبارئها تعترف بضعفها وخطيئتها فهو القادر على تطبيب جراحها ورحمتها،مدعية القوة والصلابة لتبهر حتى الطبيب،كادت تبتسم وهي ترى اندهاشه من اجتيازها لصدمتها،وتخطيها هواجسها وتغلبها على مخاوفها.
"نعم!!"
أجابها صوت مهني بيد أن بعض الفضول قد غشاه:"هناك اتصال من أجلك سيتم تحويله"
"اتصال!!"
"نعم،هل تريدين استقباله؟"
أجابت ببعض الصدمة المختلطة بالخوف:"حسنًا"
بضعة ثوان وجائها صوته:"استعدي للسفر خلال أيام،بقاءك بالمصحة لم يعد آمنًا وعلى أية حال الطبيب أعلن لي أنك على ما يرام الآن،سأرسل من يصطحبك إلى المطار وستجدين كل شيء معد لك هناك من مكان الإقامة للمال"
أغلق الهاتف بدون انتظار إجابتها،بالطبع لم ينتظر منها إجابة فحياتها تساق بلا إرادة منها،لا حيلة لها سوى الرضوخ لتدابير مخططة مسبقًا لحياتها،والآن عليها الاغتراب بعيدًا بلا أمل بالعودة،وحيدة كما كانت وكما ستظل،لا فارق فالغربة تحتل روحها لذا لا داعي لمزيد من الآسى فالأمر سيان.
بالخارج وضعت موظفة الاستقبال الهاتف حينما انتهت من التصنت ففاجأتها صديقتها:"لو علم دكتور وصفي أو شك فقط سيلقى بكِ للشارع"
لم تبالي بما رددته صديقتها ونقرت بالقلم فوق مكتبها:"أشعر أن تلك المرأة خلفها سر كبير،غير مسموح لأيًا كان بالإقتراب من غرفتها فقط الدكتور وصفي من يتعامل مع حالتها وتلك العقربة ممرضته وكاتمة أسراره،حتى فواتير المصحة دكتور وصفي من يسددها بنفسه للحسابات"
"الفضول قتل القطة،توقفي عن دس أنفك فيما لا يعنيك،الراتب الذي تتقاضينه يجعلك تَصُمي أذنيك و تغضي عينيك وتلجمي لسانك،لديك أطفال بحاجة لهذا المال"
أنت تقرأ
توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)
Romanceمِن ضِلْعَك خُلِقت..لا شيء مني يخلو مِنْك..فلا تدّعي أنك بإغوائي من الجنة خرجت.. فكيف للكل أن يتبع الجزء؟! أولست أقوم؟! أولست أقوى؟! أولست أذكى؟! وأنا ناقصة عقلٍ ودين؟!فكيف للكل أن يتبع الجزء ويكن له تابع آمين!! صه واستمع للحقيقة لعل عقلك من غروره...