الفصل السابع عشر

49 4 0
                                    

بين أحضان غرفة مكتبه المظلمة جلس يواجه التسجيلات الصوتية التي أمامه وكأنها وحوش ضارية يخشاها إلا إنه يشتاق لمواجهتها بطبيعته القتالية المحاربة وروحه التي اعتادت ألا تهاب سوى الله..تفحص ملاحظات المعالج النفسي على دفتره وكأنه يؤجل مواجهة صوتها إلا أنه لم يستطع التركيز على أية كلمة فقلبه العاصي يشتاق لصوتها ويسيطر على عقله فيفقده تركيزه ويشتته حتى بدا له وكأن تقرير المعالج و ملاحظاته كطلاسم وهو الذي قرأ من كتب ومؤلفات علم النفس البشرية الكثير..استسلم لقلبه الذي يترنح ثملًا في سعادة لإدراكه أنه سيستمع إلى صوتها وضغط التشغيل لينساب صوتها...

"لا أتذكر كيف برر لي والدي غياب والدتي لكنني فجأة وجدت امرأة سواها في منزلنا احتلت مكانتها ولم أعد أنام بجوار والدي بل انتقلت للنوم بمفردي في الغرفة الأخرى،إلا إنني أتذكر جيدًا اللحظة التي علمت بها أن والدتي هجرتنا وهجرت البلدة كلها ولحقت برجل ثري خليجي لتتزوجه..لا أتذكر حتى كم كان عمري لكن ما أتذكره أنني لم أبلغ الثمانية لأن والدي طلق زوجته تلك حينما بلغت الثمانية.."

"حسنًا،إنني أستمع لكِ غالية كيف علمتي بهجر والدتك؟"

"كُنتُ دائمًا أرى خالتي تسافر بالصباح الباكر جدًا وتردد أنها ستستقل القطار وهذا كل ما كنت أعرفه عن السفر نستيقظ باكرًا ونستقل القطار لذا استيقظت يومًا باكرًا بعد صلاة الفجر وجمعت بعضًا من ملابسي في حقيبة بلاستيكية ثم غادرت المنزل أريد الوصول للقطار..حلمت حينها أو ربما تمنيت،حقيقةً لا أدري كيف كنت أفكر لكنني كُنتُ أعتقد أنني سأجد والدتي هناك في نهاية رحلة القطار وكُنتُ أشتاق لها للغاية،كل يوم منذ زواج والدي وهو يبتعد عني أكثر حتى صارت الأيام تمر وأنا بالكاد ألمحه..بعد طلاقه من زوجته الأولى بعد والدتي كان دائمًا كلما نظر في وجهي يخبرني أنني أشبه أمي،إنني قطعة منها في ملامح الوجه والجسد وحتى في نظرة عينيها وردات فعلها"

"لم تخبريني ماذا حدث حينما جمعت ملابسك في حقيبة بلاستيكية؟"

"غادرت المنزل وسرت في طرقات البلدة أحاول الوصول لساحة السيارات التي ذهبت إليها كثيرًا إما لإستقبال خالتي أو توديعها، كنت أعلم إنني يجب أن أستقل عربة أجرة حتى أصل للقطار..سرت وأنا أرتجف فالطرقات خالية حتى من المزارعين المبكرين نحو أراضيهم فضوء النهار بالكاد بدأ يشق ظلمة الليل على استحياء إلا أن الأمل في لقاء والدتي كان أكبر من الخوف..وصلت بالفعل إلى ساحة السيارات إلا أن أحد السائقين أعادني إلى منزل والدي..بكيت له وطلبت منه أن يصطحبني إلى محطة القطار لأنني أرغب في الذهاب إلى والدتي إلا أنه لم يستمع لي..حينما عُدتُ سمعت زوجة والدي تصرخ (بنت الفاجرة قادرة)ووالدي يصفع وجنتيه ويضرب فوق رأسه كالحريم..ما أن رأتني زوجته حتى انهالت عليّ بالضرب والصفع وهي تصرخ بي (ستجلبين لنا العار يا إبنة الفاجرة،تريدين الهروب مثلها؟)وجذبتني من ذراعي ووضعت طرف ملعقة على نار الموقد وأنا أصرخ من توقع ما سيحدث وأبكي...أستنجد بوالدي وأستجديه لكنه ظل يقف مترددًا خانعًا..حينما أصبح طرف الملعقة كجمرة متقدة وضعتها على قدمي اليمنى وهي تصرخ بي (كلما شعرت بالألم في قدمك ستتذكرين أن إياك والهرب كوالدتك يكفي والدك العار الذي ألحقته به)..صرخت من الألم وانهمرت مزيد من الدموع من عيناي حتى سقطت على الأرض لا أقوى على الوقوف..رائحة أي شواء تعيد لي تلك الذكرى بوضوح وتصيبني بالغثيان،كنت أشم رائحة شواء جلدي الذي إلتصق بعض منه في طرف الملعقة..لم تكتفي بل أعادت الملعقة إلى النار وأنا أصرخ فزعًا ورائحة الجلد الملتصق بالملعقة تتصاعد وهي تعيد تسخينها والدخان المتصاعد منها يحمل رائحة شواء بعض من جلدي.. وضعت طرف الملعقة على قدمي اليسرى وأنا أصرخ بجنون هيستيري وأبكي كما لم أبكي في حياتي.."

توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن