استيقظت منتفضة من نومها،حقًا باتت لا تعرف إن كانت نائمة أم مستيقظة لكن ما تراه وتشعر به حقيقي إلى حد يقينها أنه واقع، انتهاكات يده التي تزحف كأفعى على جسدها وفحيح صوته الذي يقشعر له بدنها، الآن بعد أن جلست في الفراش تدرك أنها محض أضغاث كوابيس أو هلاوس سمعية وحسية كما تخبرها الدكتورة زينة، وكأن هذا المنزل تستوطن بين جدرانه أشباح صرخاتها وبقايا روح صبا القديمة،تستوطن بين أرجائه دموع امرأة كانت يومًا زوجته وأم أولاده،ربما آلامها منعتها في ذاك الحين أن تتعاطف مع سيل الحكايات والقصص التي ثرثرت بها سعدية عن مالكة وسيدة المنزل التي منحت زوجها مالها ومنزل والدها وأرضها ورغم ذلك تزوج عليها مرارًا بلا شفقة ولا رحمة، انتقل من فتاة لأخرى من القرى والنجوع المجاورة..
دارت عينيها في الجدران من حولها وانتفضت فجأة مغادرة الفراش، ارتدت ملابسها على عجل وهبطت الدرج هاتفة :"خالتي...خالتي"
أجابتها فضيلة من داخل المطبخ حيث اعتادت أن تجلس :"تعالي يا صبا"
"دعينا نذهب للدار ننظفها ونتناول الإفطار هناك"
عقدت فضيلة حاجبيها متأملة صبا التي جالت عينيها في كل موضع بالمطبخ إلا ملاقاة عيني أمها التي لم تنجبها، فخاطبتها فضيلة :"اقتربي يا صبا ساعديني لأقف واستدعي شقيقتك حتى تحزم طعام الإفطار الذي أعدتته، إنها في الحظيرة تطعم الدواجن"
اتجهت صبا نحو نافذة المطبخ وهتفت على رابحة ثم إلتفتت وبدأت في حزم الطعام على عجل وكأنها تفر من تلك الجدران وتشتاق للسكينة والهدوء التي لم تنعم بهما في حياتها سوى بين جدران تلك الدار الصغيرة، صاحبهن هاشم متجهين نحو الدار ليشاركهن طعام الإفطار،دلفت صبا إلى داخل الدار وعلى الفور جالت عينيها بين آرجائه، بهو صغير وفي أحد أركانه درج من الطين يقود إلى سقيفة الدار حيث الغرفة التي شيدها أحمد بيديه،اتجهت عينيها إلى أقصى أركان البهو حيث الفرن الطيني يجاوره خزانة خشبية للآواني وموقد صغير ذي شعلتين يعمل بالغاز، وبحوارهما باب خشبي خلفه دورة مياه صغيرة، وعلى الجانب المقابل للبهو غرفتين إحداهما غرفة رابحة وهاشم والأخرى غرفة فضيلة وأحمد،ارتسمت الإبتسامة على شفتي المرأة الصغيرة وهتفت في شقيقتها:"هيا نضع الطعام لتناول الفطور حتى يذهب زوجك لعمله وبعدها نبدأ التنظيف"
رمقتها رابحة بدهشة قليلًا إلا أنها صمتت عن أي تساؤل حتى لا تفسد تلك البهجة البادية على محيا وجه شقيقتها، افترشوا جميعًا الأرض يتسامرون حول ذكريات الطفولة التي تدفقت كسيل من السعادة رسم البسمة على وجه هاشم ورابحة كما زين وجه صبا، تسلل حسين بعيدًا عن الطعام الذي لازالت والدته تدسه في فمه وانطلق نحو الحارة الضيقة بحثًا عن أصدقائه ليشاركهم اللعب،ومن بعده تسللت صبا نحو غرفة فضيلة ورقدت فوق الفراش الصغير على اعتقاد أنها بضعة دقائق ستغفو فيهم قليلًا بيد أنها استغرقت في نومٍ عميق،لم تنعم به منذ سنوات، ساعات طالت حتى توسطت الشمس السماء وارتفع آذان الظهر من المسجد القريب، بينما في بهو الدار افترشت فضيلة الأرض أمام فرنها الأثير تخبز الفطائر و والمعجنات والخبز الشمسي، وكأنها تستمد طاقتها من ذاك الفرن فتردد صدى صوتها هاتفة على رابحة حتى ترفع الفطائر التي أنهت خبيزها،جلست رابحة بجوار زوجة عمها :"صبا خلدت للنوم منذ أكثر من أربعة ساعات، وكأنها لم تحظى بالنوم الليلة الماضية!"
أنت تقرأ
توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)
Romanceمِن ضِلْعَك خُلِقت..لا شيء مني يخلو مِنْك..فلا تدّعي أنك بإغوائي من الجنة خرجت.. فكيف للكل أن يتبع الجزء؟! أولست أقوم؟! أولست أقوى؟! أولست أذكى؟! وأنا ناقصة عقلٍ ودين؟!فكيف للكل أن يتبع الجزء ويكن له تابع آمين!! صه واستمع للحقيقة لعل عقلك من غروره...