الفصل الثالث عشر

53 2 0
                                    

تململت من نومها ما بين اليقظة والنعاس يدفعها رنين جرس الباب إلى الإستيقاظ وفجأة تلاشى الرنين وصمت فإستسلمت مرة أخرى للنعاس  بينما بالخارج اتجهت توبة نحو باب الشقة ونظرت عبر العدسة المثبتة بالباب قبل أن تفتحه فدلفت نادين وبنبرة مضطربة:

"كيف حالك توبة؟هل درة موجودة؟"

أومأت توبة بإبتسامة مضطربة فهي تدرك أن تلك المرأة التي تقف أمامها سبب في بكاء درة بطريقة ما بَيد أنها يخالجها شعور أن مجيئها ليس سوى لتنقية النفوس بين الصديقتين لذا أشارت لها نحو غرفة درة قائلة بنبرة متلعثمة:

"بالداخل،لم تتذوق الطعام ولم تكف عن البكاء"

جففت نادين دمعة انهمرت من عينها وهمست تشارك توبة أفكارها:"كنت غبية أنا آسفة،ليتها تصفح عني"

ربتت توبة على كتف المرأة تعاطفًا مع دموعها التي بدت صادقة للغاية، وتأملتها للحظة فبدا جليًا أنها فقدت القليل من وزنها وهالات سوداء أحاطت بعينيها،ولم تحاول حتى إخفائهم بمستحضرات التجميل،فبعد معيشتها مع درة أيقنت أن بإمكان مستحضرات التجميل إخفاء كل شيء.

 أشارت لنادين نحو الغرفة:"أخبريها بذلك،أعرف ما تعنيه الصديقة بوقت الشدائد"

اتجهت نادين لغرفة درة بينما أغلقت توبة باب الشقة وترقرقت عينيها بالدموع،إنها تشتاق لصديقتها وإبنة عمها كم تتمنى الآن لو بمقدورها فقط أن تراها وتنثر دموعها على كتف حنة،تخبرها كم تشتاق لها ولجلساتهم وثرثرتهم،تخبرها أن تحمل لوالدتها اشتياقها لأحضانها وللسكينة والراحة وهي تصفف شعرها وتجدله..ذكرى الجديلة التي داومت والدتها على حبكها لها دفعتها لتمرر يديها على رأسها تتلمس شعرها الذي بدأ بالكاد ينبت،فعاودها الألم حيًا وكأن رباح يجذبها من شعرها ويقودها نحو المرآة ما بين صفعات وركلات قبل أن يبدأ في قص شعرها بعشوائية وهي تنتحب خانقة صراخها فأيًا كان ما يفعله بها أكثر رحمة من والدها وشقيقها..الصدمة كبلت إدراكها والرعب نهش بأحشائها وكلماته عن الشرف والعار والخطيئة ظلت تدوي في أذنيها كما يدوي صدى صفعاته على وجهها،مذاق الدماء في فمها لم يكن أسوأ من خصلات شعرها الطويل الأسود وهي تتناثر فوق الأرض مع كل ضربة من المقص الهائج،ابتهلت إلى الله أن يفعل بها رباح ما يشاء لكن لا يخبر والدها،وكأن ضربات المقص الهائجة لم تكن كافية فألقى به بعيدًا وأمسك بماكينة الحلاقة يجرد شعرها بجنون إنتقامي غير مبالٍ بالتأكيد للجراح التي خلفتها ماكينة الحلاقة على رأسها وهي حتى لم تبالِ سوى بالفزع الأكبر القادم لا محالة،ظلت تتوسل له أن يصدقها فهي لم يمسسها رجل من قبل ولا تعرف كيف حلت بها هذه المصيبة بيد أنه اغتنم الفرصة ليمرغ شرف والدها في الوحل،علمت أنه لم يكن يريد الفتاة المجنونة إبنة عارف السوالمي التي فرضها والدها عليه لكنه أجير في أرض السوالمية ولا يمكنه أن يرفض تلميحات والدها أوعلى الأحرى سال لعابه من أجل الخمسة قراريط من الأرض الذي وعده بهم والدها مقابل زواجه من المجنونة التي تجلب العار للعائلة،كل توسلاتها لم تجني من خلفها إجابة،سيعلن خطيئتها التي لم تقترفها على الملئ ستحمل عائلتها وصمة عار لأبد الدهر..وما جزاء الخطيئة إلا إراقة الدماء حتى لو أقسمت أن يد رجل لم تمسسها سيذهب صراخها هباء ولن يصدقها والدها وشقيقها،فكل حواء مدانة إلى أن يثبت خلاف ذلك،ينتظرون دليل عفتها وطهرها من الخطيئة بالأسفل ولن يبرحوا مكانهم حتى يخرج لهم بالبشارة نسيج أبيض ملوث بالدماء..عادات ترسخت في الأرض رسوخ الجبل الذي يشرف على بلدتهم بهيمنته وجبروته،فتوارثها الرجال كما ورثوا الأرض.

توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن