١

11.1K 384 119
                                    


أنفاس، أنفاس، وأنفاس..

يأخذ نفسهُ بصعوبةٍ بالغة، رئتاه تنتفخ شهيقًا، ثم تنفجرُ زفيرًا، ولكنه لا زال يختنق بركضه.

يركض ويلفحه البرد القارس وسط هذا الزحام الخانق بين بائعي السمك، والألبان، والتبغ، والأعلاف، والبيض.

رائحة السجائر كثيفة تنتشر داخل أنف كل عابرٍ في هذه المدينةِ، فالتدخين يعتبر علامة على الأرستقراطيةِ والرقي على ما يبدو.

عبائة القسيس السوداء خاصته تطير خلفه محاولِةً تفادي ضرب وجه كل من يصطدم به راكضًا، ولكنها تفشل، فيتلقى اللعنات والشتائم من هذا البائع السمين، وتلك العجوز المُحدَبّةِ الظهر.

ولكن هل استمع؟ بالطبع لا.

ضجيج عقله بالنبأ الذي علمه قد غطى على كل من يلعنه في هذه اللحظة.

إن الموت قريب جدًا، أقرب من أي أحد قد يضربهُ بما في متناول يده لرعونته وطيشه.

الضباب الخارج من جوفه قد توقف كما توقفت الحرارة في جسده وغطاه البرد مجددًا.

ينحني مستندًا على ركبتيه يأخذ نفسًا بدون مقاطعة.

ثم يعتدل واقفًا مُتخصرًا ينظر للمبنى المهيب.

الكنيسةُ الأرثوذكسية الروسية.

ذلك المبنى الذي يحمل أقسى، وأعتق، وأكثر المذاهب المسيحية تشددًا في روسيا.

ببوابتها السوداء الضخمة تبدو كبوابة الجحيم أقرب منها للجنة، وتلك القِباب المرفوع فوقها الصليب، قد اختلط طلاؤها الأبيض بسواد الزمان، هي عتيقةٌ، عتيقةٌ جدًا.

ينفض الغبار الوهمي عن عبائتهِ ويدخل بعد أن سمح الحراس له بالدخول.

تصدر البوابة السوداء ذلك الصرير المرعب الذي جعل قلبه يرتجف فوق ارتجافه من مواجهةِ من بالداخل.

"مارتن".

"مارتن؟".

"مارتن!".

يصرخ باسم المقصود ثلاث مرات بعد ما استوطنت قدماه قاعة الصلاة الرئيسية في الكنيسة بارتفاعها الشاهق، من فوقه الرسومات الملائكية الخالدةُ، وصورة العذارء قُبال وجهه، ومن حوله الكراسي الخشبية المصممة بعناية للمصلين.

"لماذا تصرخ كالمجنون؟ أتعي أين أنت! أخفض صوتك يا خنزير!".

كان هذا مارتن أتاه مندفعًا بعدما سمع اسمه يُصرخ وليس ينادى به بالمعنى الحرفي.

كَنِيسة | TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن