٤

4.5K 250 65
                                    


تَدقُ الكنائسُ أجراسها مع بزوغ الفجر، فيصدح رنينها مُسمعًا من لم يغادره الأرق، وموقِظًا من كان في سُبات.

الضباب كثيفٌ، والجو قاتم اليوم، وتلك الأجراس لا تتوقف رنينًا.

إنه ذلك اليوم، نعم.

اليوم مجهوُل المعالِم.

البداياتُ المجهولة تعني خيالاً فارغًا، أنت تحت رحمة المستقبل والأمر الواقع.

لا وقت للفانتازيا صديقي، مرحبًا بك في الحياةِ الدُنيا.

يُغطي بساعده عيناه بعد أن دقت أجراس الكنائس داخل أذناه يحاول أن يُحدد أعادت روحه لجسده؟ أم ما زالت في السماء.

بعد مشاوراتٍ مع عقله اقتنع أنه قد أفاق وروحه هنا على الأرض.

يفرك عينيه بعد أن اعتدل على سريره ذو المفارش الرمادية، ثم يبدأ بفك أزرار قميصه الأبيض متوجهًا للحمامات.

يغسل وجهه ثلاث مراتٍ مُخلِلاً أصابعه داخل شعره الفحمي، فتتمرد خصلاتُه وتسقط مجددًا على وجهه المتورم والشاحب إثر صراعه للنوم ليلة أمس، وتتسرب قطرات الماء داخل فتحة قميصه فيشهق فجأةً للبرودة.

توقف يستند على الحوض قليلاً مُطَأطِأ رأسه للأسفل يتنهد.

إنه ذلك اليوم أليس كذلك؟

ذلك اليوم الذي يرفضه عقله، فهي ليست مسؤوليته، هذه بداية الجحيم، أين المفر؟

شخصٌ مثله يشعر بعدم كفايته يُوضع في مسؤوليةٍ لم يتولها قبلاً، لم يسمع بها، ذلك الشعور بعدم الكفاية يتصاعدُ كاللهيب داخل صدره.

ذلك الفحمي يعشقُ التحكم في الظروف، يريد أن يُأمِن كل شيء.

ولكن يا للأسف لا يستطيع تأمين نفسه من الشعور أن خطأ ما سيحدث، لا يستطيع تأمين هؤلاء القادمين من الموت، ولا حتى نفسه.

"إلهي".

نطقها زافِرًا أنفاسه، ثم توجه عائدًا لغرفته يرتدي عبائته السوداء أمام مِرآته التي كانت شاهِدةً على محاولاته اليومية لِستر نفسه أمامها.

ولكن عيناه كانت تتعرى من كل ما بداخله، فترى ينظر فيها تارةً بالوَهنِ، وتارةً يستجمع ذاته، وتارةً يعود الشك يتغلل قلبه فيعود مُنهزِم العينينِ ثانيةً وهكذا.

بعد حديثه الصامت مع المِرآة وتمشيط شعره للخلف كالمعتاد يلتقطُ قلادة الصليب الذهبية خاصته يرتديها، ثم يضمها بيده اليمنى لصدره يأخذُ نفسًا طويلاً.

كَنِيسة | TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن