٣

4.7K 257 39
                                    


تيك، توك..

تيك، توك..

دقاتُ ساعة مكتبي تتماشى مع تحرك قلمي عبر الأوراق، انتقلُ من ورقةٍ لأخرى، هذه شكوى بالعجز في الواعظين، وهذه أخرى تطلب زيادة الأجور، وهذه واحدة أيضًا تطلب الموافقة بالوقوف أمام القضاء الكنَسيّ لبناء كنيسةٍ رغمًا عن مالك الأرض الأصلي.

ماذا أقول؟

هذه الأوراق لا تنتهي، رغم مرور سنواتٍ على ترأُسي لعملي لا زلتُ أُجاهد أن أمضي خلال هذه الكومة دون فقدان صبري.

رميتُ قلمي بعشوائية بعد شعوري بأن يدي قد تصلبت، فأقبضها مرتين لعلها تَلين.

كم الوقت الآن؟

أتنهد رافعًا رأسي لحيثُ تلك العقارب السوداء تلتهم الدقائق بشرهٍ بالغ بلا توقف.

إنها الثانيةُ بعد منتصف الليل.

أضع وجهي في كفاي مُخرِجًا كل ما حبسته رئتاي من الهواء، فاركًا عينيّ التي أنهكها التركيز.

أنا لا أشعرُ بنفسي حين يتعلق الأمر بعملي.

نسمات الهواء القادم من نافذتي تداعب شعري الذي تساقطت خصلاته على جبيني حين كنت منصبًا على عملي، تطلبُ مني التحديق خارجًا، كأنها تُناديني لتُرَوِح عني قليلاً، فاستجيب لها وأنظر من خلال النافذةِ الواسعة.

فتَخْطَفَنِي النجوم..

سماءٌ موشَّاةٌ بالألماس.

أضع يدي على خافقي أتحسسُ نبضه ببطئ مبتسمًا وأنا مغمضٌ عينيَّ للذِكرى التي تُعاد داخل روحي كل ليلةٍ.

عندما كنتُ طفلاً في السادِسة من عمره يعيش في مهجعٍ في أحد الإبرشيات في قريةٍ بعيدةٍ جدًا عن موسكو.

لقد كنتُ جاهلاً بمعنى الوحدةِ، والرحيل، والشقاء، والموت.

تَم تلقيني أنه ما دُمتَ تصلي للرب فستنجو، لا يَهُم مما ستنجو، فلتُصلي فقط.

ولكن عند وفاةِ والديَّ بالطاعون..

صليتُ..

صليتُ كثيرًا..

ولم أنجُ.

لقد كان الحُزن أكبر من إيماني، شعرتُ بالذنبٍ لذلك، الوحشةُ تُفقِدُ الإنسان عقله لإنه لا يعرف الحماية إلا من بشريٍ مثله.

لقد شعرت بأن العالم قد انتهى حينما نظرت لجثة والديَّ مُمددةً على تلك الأرضية الباردةِ، بتلك الندوب الحمراء على جلديهما، لمستُهما..

كَنِيسة | TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن