يوسف!
ارتجف قلبه وسائر بدنه وهو يعود بقدم مرتعشة ليصمد أمامها معلقا نظره بعينيها المغلقتين وحين فتحتهما توقف قلبه المرتجف...عن النبض، وتوقفت قدمه المرتعشة عن الحركة
يوسف!
قالتها مجددا دون أن ترى من الواقف أمامها، لقد كان هناك غشاوة على عينها، استغرقت دقائق حتى عادت إليها الرؤية
انا فين...انتوا مين...انا ايه اللى جبنى هنا!
هكذا راحت تصرخ شمس مفزوعة ، فصاحت كوثر في فرحة وذهول:
حمدالله على سلامتك ياقمر، والله العظيم انا مش مصدقة نفسي
لم تكن كوثر فقط هي المبهورة بعودة شمس إلى عالمنا فقد سعد الجميع بذلك حتى دكتور يحيي ذاته كان مبهورا مذهولا لا يصدق أن المعجزة تحققت بالفعل وأنه قد صدق حدس أخيه، فحقا قلوب العاشقين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون، ركض دكتور يحيي نحو مكتب والده ليبشره بالخبر العظيم، وعلى غير المتوقع سعد والده كثيرا بهذا الخبر ولكن شمس المصدومة لم تكن تبالي بأحد وراحت تصرخ مجددا
انا فين... انتوا مين!
ظل يوسف يتأملها وهو في حالة ذهول تام ومازال غائبا عن الوعي فاقدا للنطق والحركة، عيناه العاشقتان كانتا معلقتين بعينيها الجميلتين الواسعتين ذاتي اللون العجيب...
حاولت شمس الاعتدال أو التحرك من مكانها بأي طريقة ولكنها لم تستطع أبدا فراحت تصرخ من جديد:
انتوا عملتوا فيه ايه!...انا مش قادرة اتحرك خالص...انا فين!
بدأ دكتور يوسف يفيق اخيرا من سكرة المفاجئة ورد عليها برفق وهدوء:
انت في المستشفى ياشمس
شمس مين! انا مش فاكرة حاجه خالص... انا مش فاكرة اسمي حتى... انتوا عملتوا فيه ايه! انا بعمل ايه هنا!
ازدادت صدمة شمس وتفاقم ذعرها حين أخبروها انها مكثت في غيبوبة لأكثر من تسعة شهور، حتى أنها لم تستطع تصديقهم إلا بعدما أروها التقرير الطبي الخاص بها، وقرأت فيه تاريخ دخولها المستشفى
٤/٤/٢٠١٩
وتاريخ اليوم ١٢/١/٢٠٢٠
وحينها راحت تصرخ بهم من جديد باكية منهارة كطفلة صغيرة تائهة:
رجعوني بيتي...انا عايزة اهلي...انا عايزة ماما...اتصلوا بماما وبابا يجوا ياخدوني من هنا
راح يوسف يطمئنها بهدوء وود منقطع النظير دون أن يأتي على ذكر اهلها:
اهدي ياشمس... انا معاكي متقلقيش اللي بيحصلك ده طبيعي جدا وبالنسبة للحركة متخافيش احنا عندنا مجموعة محترمة هنا من دكاترة العلاج الطبيعي هيساعدوكي تستعيدي حركتك الطبيعية في اقرب وقت، وانا هوصيهم عليكي وهبقى معاكي بنفسي خطوة بخطوة
ثم شرد قليلا قبل أن يكمل حزينا: وبالنسبة لذاكرتك هتستعيديها واحدة واحدة متستعجليش
اصابت شمس عدوى هدوءه ورزانته وهي تسأله:
هو حضرتك مين بالظبط!
بحنين و رقة استمر في تأمل عينيها الخضراوين تحت الاضاءة القوية المنعكسة على وجهها مباشرة ثم صرخ بداخله
"أنا حب عمرك...انا انتي...انتي كلك لي وحدي..."
واضاف المزيد من الصرخات المكبوتة بداخله، ولكنه في الواقع لم يستطع البوح بأي شيء مما يفتعل بنفسه لذا اكتفى فقط بتعريفها بنفسه حيث ذكر اسمه ثم أخبرها أنه الطبيب المعالج المنوط به الاشراف على حالتها الصحية
تأملته شمس بحنين عجيب لا تعلم مصدره، وفي قرارة نفسها كانت تعلم أنها تعرفه جيدا وكأن علاقتهما قد بدأت منذ ألف عام لذا سألته مجددا عسى أن يقر بحقيقة الأمر " من انت!" ضحك يوسف بسبب إصرارها الشديد على تكرار سؤالها وكأنها لم تسمع ما قاله فمد يده نحوها ليصافحها وهو يعرفها بنفسه بأسلوب مسرحي مضحك:
أنا دكتور يوسف ياسر عبدالجواد اخصائي المخ والأعصاب وأنا الدكتور المشرف على حالتك يا فندم
حاولت شمس مصافحته ولكنها لم تستطع تحريك يدها فتناولها هو برفق وقبلها أمام الجميع فابتسمت بخجل وضحك الجميع، ثم لم تجد شمس بدا من سؤاله مباشرة عما تريد معرفته مادام يوسف يتظاهر بأنه لا يفهم مقصدها الحقيقي من السؤال
أنا قصدى حضرتك مين بالنسبالي !
تأملت عينه الزرقاوين العميقتين بعمق وهي تنتظر الإجابة، أخبرها يوسف مجددا بما أخبر به أهلها وزوجها وروان والجميع من قبل مؤكدا لها أنه فقط طبيبها المعالج وهي مريضته ولكن عينيه اقسما لها أنه كاذب فلم تصدقه مثلما لم يصدقه احد
***********
الفصل الثاني
من انت!
من انت! زرعت بنقر خطاك الدرب ورودا جورية
من انت! كالضوء مررت كخفق العطر كهزج أغانٍ شعبية
من انت وسحر في عينك يزف العمر لأمنية لكأنك من قمر تأتي من نجمة صبح ذهبية
انطلقت كلمات هذه الأغنية بصوت خفيض من هاتف كوثر الذي في جيبها اثناء تأديتها بعض المهام في غرفة شمس الجديدة في المستشفى تمهيدا لاستقرارها بها، على نغمات تلك الأغنية المناسبة جدا للمشهد الراهن راحت شمس تتأمل بقلب مرتجف دكتور يوسف الذي يقوم بمساعدة كوثر بنفسه، مما زاد من شك شمس ويقينها بأن العلاقة بينهما تخطت حدود العلاقة بين الطبيب والمريضة بمراحل تدعو للريبة، ومن المريب ايضا أن شمس لا تشعر برغبة في نفسها لتذكر أي أحد سواه، ولا ترغب في تذكر أي شيء سوى الشيء العجيب الذي يربط بينهما، هي حتى لا تجد في نفسها رغبة شديدة لتذكر أهلها ومع ذلك سألت عنهم مجددا عسى أن يكون هو من أهلها أو ربما هو كل أهلها، توتر يوسف بشدة وكذلك كوثر عندما سألت شمس عن أهلها وقاما بالتهرب بلطف من إجابة هذا السؤال الشائك، مما دفع شمس للارتياب أكثر في أمرهما فأعادت سؤالها مرارا وتكرارا ولم تتلقى ابدا أية إجابة واضحة مفهومة، ولكن في إحدى الأيام قرر دكتور يوسف أن يجيبها بطريقة غير مباشرة بحيث تعمد إسقاط الإقرار بأنهاء حياتها - الذي مضى عليه والديها وزوجها ونفر من أهلها- من جيبه في أثناء وجوده في الغرفة الخاصة بها، لم تلمح شمس الإقرار حتى دخلت كوثر ورأته فخبأته بتوتر في جيبها وهنا لاحظت شمس أن أمرا مريبا يحدث فسألتها عما تخفيه، حاولت كوثر التملص من شمس وسؤالها ولكن شمس لم تدع لها اية فرصة للتهرب فاضطرت إلى اجابتها بالحقيقة كاملة ثم عقبت لتهون عليها مصابها الأليم وصدمتها البائنة:
بس والله العظيم متزعليش، ربنا بيقطع من هنا ويوصل من هنا...انا مثلا من اول ماشفتك قلبي انشرحلك وحسيت انك اختي واكتر كمان، مكنتش بفارقك لحظة، ودكتور يوسف كمان متعرفيش عمل ايه عشانك...ده كان هيجنن عليكي لدرجة أن كل الناس هنا في المستشفي افتكروه مجنون فعلا...
همست كوثر وهي تكمل:
هو اللي كان بيدفعلك مصاريف المستشفي من بعد ما اهلك بطلوا يجوا... بس محدش يعرف الكلام ده ابدا، اتفقنا!
دكتور يوسف!...هو يقربلي ايه!
مطت كوثر شفتيها وراحت تفكر قليلا ثم قالت:
والله محدش عارف لغاية دلوقتي ايه إللي بينكم بالظبط، هو بيقول أنه معرفكيش غيرلما دخلتي المستشفى، بس محدش مصدقه نهااائي، اصل انت مشفتيش لهفته عليكي اول ماشافك من أول لحظة دخلتي عندنا المستشفى
اسهبت كوثر في الحكي واوضحت كيف آمن دكتور يوسف وحده بحدوث معجزة عودتها للحياة بعد أن فقد الجميع الأمل، وكيف كان يدافع بأستماتة عن فرصتها الضئيلة للعودة إلى عالم الأحياء ومن ثم أضافت:
طب انتي عارفة انك اول ما فقتي من الغيبوبة كنت عماله تندهي باسمه
هذا غريب جدا، هذا ما رددته شمس في نفسها وقد زاد كلام كوثر من فضولها القاتل لمعرفة من هذا الرجل وما هو سر العلاقة الغامضة التي تربط بينهما
*******
مش هتقلي بقى حضرتك مين بالنسبالي! وليه حضرتك مهتم بيه قوي كده زيادة عن اللزوم!
هكذا سألته بصوت يملأه الشجن والغنج والحنين حين كان يُسندها ويساعدها في إحدى جلسات العلاج الطبيعي التي يشرف عليها هو بنفسه فجاوب متلجلجا كاذباً:
انا مهتم بكل المرضى ياملبسة.
- ايه ملبسة دي كمان!
- لا دي حكاية طويلة بقى هبقى احكهالك بعدين.
- بعدين امتى يعني!
شرد يوسف قليلا ثم جاوبها بصوت خفيض:
لما نرجع بيتنا القديم أن شاء الله
شمس لا تفهم شيء، هل هو مثلا زوجها! إذا كان كذلك فلما لا يخبروها مباشرة بذلك كي تستريح! همت أن تسأله كيف يجمع بينهما نفس البيت وإذا كان ما يجمع بينهما في بيت واحد زواج أو غيره ولكنها استحت فأجابها هو على السؤال الذي لم تسأله:
انا مش هقولك أبدا ايه العلاقة اللي بتربط بينا، المفروض انتي تفتكري لوحدك.
صمت قليلا ثم استطرد هامسا بعتب:
المفروض اصلا مكنتيش نسيتي
فسألته شمس بقلب مقبوض: هو انت مش قلتلي أن ده طبيعي!
- ايوا... بس اللي بنا مكنش طبيعي عشان يتنسي كده بالساهل.
أخيرا اعترف بجزء من الحقيقة! لقد كانت شمس موقنة بذلك وكذلك الجميع ، حاولت استغلال لحظة اعترافه وسألته من جديد بفضول قاتل وقلق:
طب عشان خاطري انا، قلي انت ايه اللي كان بنا ومكنش ينفع يتنسي!
لم يعد يوسف يتحمل سحر عينيها العسليتين أكثر من ذلك، مخلوبا بهما مسلوب العقل والإرادة سيقر لها بكل شيء فورا والآن فلا يمكنه ترك هاتين العينين في حيرتهما لدقيقة واحدة جديدة بعد الآن
تمت الحلقة الثانية بفضل الله
انتظروا الحلقة الثالثة يوم الخميس القادم
وماتوفيقي إلا بالله
**************★******★**********نصيحة لوجه الله
الاغاني مع الموسيقى حرااام وانتقوا الكلمات اللي بتسمعوها إذا كان لابد من سمعكم للاغاني
***★*******★****
لو كملتوا القراءة لحد هنا
فأنا اتمنى تقولولي رأيكم بصراحة في الكومنتات
شجعوني على الاستمرار من فضلكم
اذا كانت القصة عجبتكم
وشكرا مقدما
أنت تقرأ
ملاكي الساقط
قصص عامةدعونا نغوص في أعماق ابليس من شياطين الإنس (الملاك الساقط) أناس يعيشون بيننا نعتقد أنهم ملائكة وهم في الأصل يغلبون الشياطين في خبثهم ،هذه رواية تحذيرية وتعليمية ستعلمكم باذن الله كيفية التعامل مع شياطين الإنس والتلاعب بهم بدلا من تلاعبهم بكم.... ات...