إجهاض منذر

59 2 2
                                    

الجزء الثاني من الفصل الرابع
###
هذا ما قالته شمس لنفسها كي تطمأنها وتصرف فكرة العهر من ظنونها برغم أنها في قرارة نفسها باتت تصدق يوسف قليلا الآن
      *****
يوم ٢٠/٤/٢٠٢١
فى ذكرى مولدهما  الواحدة والثلاثين حينما كانت شمس تستعد لاستقبال عام جديد في حياتها يخفي لها ما لن يخطر على بالها أبدا، كان يوسف يصارع الموت، شبح شمس الهائم حوله في مخيلته توسل إليه أن يستمسك بالحياة فلابد أن يلتقوا مجددا، هنالك عتب منسي لها عليه ظل قابعا في حلقها ثمانية عشرة عاما ولم ولن تستطيع البوح به أبدا إن فارق الحياة الآن... حاول يوسف بكل ما يملك من قوة مجابهة الردى ولكن الحب أوهنه وأضعفه الهجر فاضطر للاستسلام...
قيل أن  (الكورونا) بريئة من ذنب يوسف براءة الذئب من دم يوسف، قيل أن شمس هي من قتلته، قتله الحب وليست الكورونا.
      *******
كل هذه الحقائق التي كادت أن تؤكد صدق يوسف جعلت شمس مشغولة البال دوما بماهية هذا الرجل الغريب، من هو وكيف ولماذا ومتى دخل حياتها! كادت تجن وهي تحاول تذكر أي شيء عنه ولكنها لم تتذكره ابدا.
على كل حال لم يطل تفكيرها في أمره كثيرا فدماثة خُلق زوجها الرائع انستها يوسف مجددا
ازدادت شمس تدليلا من زوجها بعدما أيقن بخبر حملها فقد كاد أن يحضر لها لبن العصفور إن طلبته، واحتفالا بهذا النبأ السعيد الذي طال انتظار مراد وحده له راحوا يخرجون كل يوم للتنزه وتناول طعام الغداء بالخارج في مطعمها المفضل والذي كان بالمناسبة نفس المطعم الذي اصطحبها يوسف إليه في تلك المرة الوحيدة التي خرجا فيها سويا بعد خروجها من المستشفى...
وهكذا اغرقها زوجها حبا ولطفا ولكنها بعد فترة وجيزة بدأت  تلحظ بعض التصرفات المريبة التي أثارت شكها في سلوكيات زوجها الذي اتضح لها فيما بعد أنه أكثر غموضا من يوسف ذاته بكثير، وبرغم أن شمس كانت تعزي شكها في سلوكيات زوجها إلى تغير هرموناتها بسبب الحمل إلا أننا لا يسعنا إلا أن نلقي الضوء على بعض هذه المواقف
في أحدى الايام مثلا خرجوا كالعادة ليتناولوا طعام العشاء في مطعمها المفضل وبسبب حملها كانت مجهدة ويداها ترتعشان فأسقطت بعض الطعام على ثيابها فنظر زوجها إليها بامتعاض مفتعل وقال لها بقرف وهو يضغط على مخارج الحروف:
دانت بيئة بصحيح، خسارة فيكي الواحد يخرجك في أماكن نضيفة ذي دي
صُدمت شمس من قوله لأنها كانت تقطن مع اهلها في حي ارقى بكثير من الحى الشعبي الذى انتقلت إليه لتعيش فيه معه، راح مراد يتلفت حوله متصنعا الأحراج ثم قال:
فضحتينا، شوفتى الناس كلها بتبص علينا ازاى
تلفتت شمس حولها في صدمة وإحراج  فلم تجد أحدا ينظر إليهم
"مفيش حد بيبص اهه"
" يابنتي انا قلتلك ميت مرة أن انتي مبتشفيش، ربنا عامي بصرك وبصيرتك ما الناس كلها عماله تبص علينا اهيه"
تلفتت شمس مجددا، تأكدت أن لا أحد ينظر إليها الآن ولكنها صدقته وكذبت عينيها، ظلت شمس  مصدومة لا تتكلم ولا تأكل حتى ضحك زوجها ضحكة مصطنعة وهو يقول:
انا بهزر معاكى ياهبله ، انت مال وشك اصفر كده ليه
تنفست شمس الصعداء وابتسمت له، اطمأنت لكونه يمازحها واكملت تناول عشاءها محاولة بقوة مقاومة تلك الرعشة الغريبة في يدها...
تكررت مواقف شبيهة لذلك الموقف مرات كثيرة لاحقا ولكنها لم تستطع لومه أو الاعتراض عليها _رغم ضيقها_ باعتبار أنه يمزح معها.
ومع ازدياد حدة هذه التصرفات الغريبة الغير مفهومة من زوجها زادت ارتعاشة يدها حدة ومع ذلك عندما طلبت منه أن تقوم بزيارة طبيب لمداواة رعشتها رفض ذلك قطعيا بل واوهمها أنها متوهمة لرعشتها وفي النهاية  شكت شمس في نفسها وحاولت تناسي رعشتها الوهمية...
وفي مرة أخرى في نفس المطعم المذكور حدث موقف غريب آخر، حيث تبقى منهم كمية  كبيرة من الطعام وكان بإمكان زوجها طلب تغليفها وتعبأتها دون أي حرج بغرض اخذها معهم للمنزل ، ولكنها لا تعلم لماذا طلب منها هي أن تقوم بهذه المهمة بدلا عن العامل، فكرت شمس أنه لا مشكلة من فعل ذلك فبدأت  بجمع بواقي الطعام في كيس بلاستيكي كان موجود في حقيبة يدها، وفى تلك اللحظة بالتحديد انصرف زوجها مسرعا إلى الحمام مصطحبا معه ولديه فشعرت شمس بالحرج الشديد وندمت أنها استمعت إليه ، لكنها في كل الأحوال اضطرت إلى إنجاز ما قد بدأته فلا يمكنها التراجع الآن، بعدما انتهت راحت تتلفت حولها لتتأكد أن أحدا لم يراها، فلمحت شاب وفتاة يتناولان الغذاء على منضدة قريبة منها كانا يتضاحكان عليها... هل تعمد زوجها إحراجها! هكذا سألتها نفسها، وهكذا ردت عليها "هذا غير معقول من المؤكد أنه لم يقصد ذلك البتة"
كان يمكنها أن تنسى هذا الموقف الذى يعد تافها في نظر البعض لولا أنهم ذهبوا في مرة تالية قريبة إلى نفس المطعم مع قريبا له لم يتجاوز عمره اربعة عشر عاما أي أنه يعد طفلا، وعندما تبقى كميات أقل من الطعام تطوع قريبه أن يقوم هو بجمع الطعام، فهو يحب هذه المهمة كثيرا، وقد راح يخبرهم بفخر أنه معتاد هو وأصدقائه أن  يجلبوا اكياس بلاستيكية في جيبوهم كلما ذهبوا لتناول الطعام بالخارج خاصة في الافراح كي يتمكنوا من جمع بقايا الطعام حتى ولو ضئيلة دون الاستعانة بالنادل، لكن مراد رفض  بشده ان يقوم قريبه بهذا، ونده النادل طالبا منه جمع بواقي الطعام وتغليفه ليستطيعوا اخذه معهم إلى المنزل، شمس كانت تتابع تداعيات الموقف وهي في قمة صدمتها، لم يغيب عن بالها ابدا هذين المشهدين حتى تكرر الموقف الأول مجددا فرفضت الاستجابة لزوجها رفضا قاطعا وسألته بغيظ:
انت ازاى عايز تخلينى الم بواقى الأكل مع  انك مسمحتش لقريبك العيل يحرج نفسه ويعمل كده
كانت شمس تنتظر منه إجابة شافية لنار قلبها، تنتظر أن تسمع مبرر يثلج صدرها ولكن إجابته كانت أشد وقعا عليها من الموقف ذاته
" اصل انا عارفك وشك مكشوف ومبتكسفيش فى الحاجات دى"
ظلت شمس لفترة طويلة لا تستطيع نسيان كل هذه المواقف وهذه الجمل والكلمات والكثير من التليمحات التي صدمتها كثيرا وسببت لها الحزن الشديد، وربما بسبب كل هذا أصيبت شمس بفرط حساسية اتجاه كل الأشخاص المحيطين بهم حيث باتت تشعر أنهم جميعا يعاملونها باضطهاد وازدراء أو على الأقل يتجاهلونها بشناعة ولم تدري أبدا هل مشاعرها هذه حقيقية أم كل هذا مجرد أوهام ولم تعد تدري أبدا من الشرير ومن الطيب أو من الظالم ومن المظلوم في قصتها هي وزوجها فقد سببت لها تصرفاته المتناقضة دائما حيرة مؤلمة مقيتة جعلتها تشعر بضغط نفسي رهيب دفعها للشعور الدائم بالحزن  والأسى الشديد، حاولت شمس أن تجعل هذه المشاعر السلبية تزول عنها باي طريقة فباتت تتهم نفسها دوما بالتفاهة والبلاهة والمبالغة في الحزن على اشياء لا تستحق وبذلك أجبرتها على غض النظر عن جميع ما سبق ذكره وعن جميع ما حدث بعد ذلك ولا داعي لذكره، حتى حدث لها إجهاض منذر...

ملاكي الساقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن