الجزء الثاني من الفصل الخامس
للأسف شمس هتتعرض لضغوط نفسية رهيبة بتدفعها للإلحاد بالتدريج وللإنتحار
******************
انا عايزة أطلق
- انت اجننتى هتروحي فين بتلت عيال
هكذا صاحت فيها أمها، أعربت شمس عن تصميمها على الطلاق فقالت لها الأم بتهكم واستنكار كلمات من هذا القبيل:
ماله جوزك بيعمل فيكي ايه عشان كل شويه تطلبي تطلقي منه، ياشيخه اتقي الله الراجل مش حرمك من حاجه، انتي مبيتمرشى فيكي حاجه ياظالمة يامفترية، امال لو بيصبحك بعلقة ويمسيكي بعلقة ذي بنت عمتك ولا لو اتجوز عليكي ذي جوز بنت خالتك ولا لو كان بيخونك ذي الرجالة اللي بنسمع عنها على الانترنت كل يوم كنتي عملتي ايه، ماانت طول النهار قاعدة على النت، يعني مبتشوفيش المشاكل اللي بتيجي عليه ولا ايه، ده الواحد بيشوف حاجات تشيب، المفروض نحمد ربنا ع الرجاله اللي معانا مش نتبترع النعمة كمان
واضاف والدها ناهرا إياها بلهجة حادة:
جوزك زي الفل وكل الناس بتشكر فيه عمرنا مسمعنا حد قال كلمة وحشه عليه ولا على اهله، شوفي انتي العيوب اللي فيكي ايه وغيري من نفسك وشوفي ايه اللي بيضايقه ومتعملهوش وايه اللي يريحه واعمليه ، واعقلي بقى شويه ياشيخة ارفتينا
ثم تطوعت اختها سارة وأضافت:
والله مراد طيب وغلبان انت اللي مش عارفة تفهميه...
هم لا يفهمون شيء، المشكلة ليست في مراد ذاته، المشكلة فيها هي، شمس تشعر بالعار والعهر والدونية وأنها ليست كفؤا لرجل مثل هذا، لذا عليها أن تنفصل عنه كي لا تنغص عليه عيشه أكثر من ذلك، يكفي هذا.
*********
في مساء اليوم الثاني من الطرد جلست شمس متقوقعة حول نفسها ساهدة على سريرها الصغير في حجرتها المشتركة مع اختيها، ولما وجدتها اختها سوزان على هذه الحالة راحت تنصحها برفق :
استهدي بالله كده ياحبيبتي، وشيلي موضوع الطلاق ده من دماغك
"أن أبغض الحلال عند الله الطلاق"
ذى ما بيقول رسولك الكريم وبعدين جوزك فيه ايه عشان تطلبي الطلاق منه باستمرار كده ، ده الراجل في قمة التدين وعلى خلق ومبيفوتش ولا فرض وكل سنه يروح يحج أو يعتمر وبيذكي وبيصوم وبيتقي الله في كل عباداته وبينفق عليكي انت وولادك خير الانفاق ده رسولك الكريم بيقول "أيما أمرأة سألت الطلاق من غيرما بأس لم ترح رائحة الجنة"
اتقي الله بقى عشان مدخليش نفسك في دائرة كفران العشير ولا يعوذ بالله ذي ما الرسول صلى الله عليه وسلم بيقول:
"أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل: أيكفرن بالله، قال: يكفرن العشير ويكفرن الاحسان لو احسنت إلى احداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط"
- خلاص بقى ياسوزان انت مش حافظة غير الأحاديث دي، انتي كده هتكفريني بجد ياشيخة...
- اعوذ بالله اتقي الله ياشمس متقوليش الكلام ده...
حديث سوزان الذي كان من المفترض أن يشعر شمس بالألفة والسكينة والإيمان زاد من مشاعرها السلبية شعورا جديدا ألا وهو الشعور بمقت الله لها، لذا هو يعذبها كل هذا العذاب لأجل ذنب عظيم لا تتذكره حتى... فاقت شمس من أفكارها الضائعة على صوت سوزان من جديد وهي تعدها أن تصطحبها إلى رحلة خاصة بالغد لتروح عن نفسها الكآبة والسوء، وكأنها تحاول أن تصلح ما أفسده كلامها وما أفسدته الأيام أيضا في روح شمس المتعبة بشدة، وأخيرا وجدت شمس شخص في هذه الحياة_غير يوسف_ مهتم حقا لأمرها، لكن الصدمة التالية جاءت عندما طلبت سوزان من شمس أن تستأذن زوجها أولا لأجل الخروج معها فلا يصح لها أبدا الخروج من البيت دون إذنه.
"هو انت مجنونة ياسوزان ده طردني من بيتي وانت بتقوليلي لازم استأذنه وهو مستاذنيش ليه قبل مايطردني ويهني قدام عيالي والناس كلها!"
- هو ملوش يستاذنك قبل ما يعمل اي حاجة، انت اللي لازم تستأذنيه ده حق شرعي اصيل ليه عليكي، الآية القرآنية الكريمة بتقول ايه! " لاتخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" وكمان حديث ابن عباس عن الرسول بيقول: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على الزوجة؟ فقال: حقه عليها ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه فأن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع.
هل كل نصوص الشرع تصب في مصلحة الرجال، أليس لي أي حقوقا كامرأة!
دار هذا السؤال في عقل شمس وبعد تردد سألته لأختها فردت عليها اختها بهذه الآيات الكريمات التي تحث الزوج على الإنفاق على زوجته:
(ولهُنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوَتُهنَّ بالمعروفِ ))
والآية السادسة والسابعة من سورة الطلاق بتختصر واجب الإنفاق وبتجمعها، اسمعي كده
" أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُواْ بَيۡنَكُم بِمَعۡرُوفٖۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥٓ أُخۡرَىٰ * لينفق ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا"
فسالتها شمس باستنكار وألم ذاد من شعورها المقيت بمقت الله لها ومقته لكل أنثى بالعموم:
بس كده، يعني هو واجبه ناحيتي أنه يصرف عليه بس!
- لا طبعا...
ترددت سوزان وهي تقول لأختها بحياء: وواجب عليه يعفك كمان.
ثم ترددت أكثر وهي تسألها بحياء أكبر: هو مقصر معاكي جسديا...في الجماع يعني!
شعرت شمس بالحرج الشديد ورفضت الإجابة على أختها فاعتذرت لها (سوزان) عن تطفلها وبعد أن تركتها وانصرفت محرجة راحت شمس تفكر في إجابة عن تساؤلها...
شمس لا تعرف إجابة محددة لهذا السؤال، فهي لم يكن لها علاقات سابقة قبل الزواج - على حد علمها وتذكرها- كي تعلم هل زوجها يكفيها ويشبعها جسديا أم أنه غير كافٍ، لكنه يقاطعها لفترات طويلة حينما يكون هو غاضب ومستاء منها وعلى النقيض هو لا يحترم مشاعرها أبدا حينما تكون هي غاضبة أو مستاءة منه فيتعمد طلبها للفراش في هذه الأوقات بالذات وإن أبت يصر عليها برغم أنه يعلم بضيقها وسوء حالتها النفسية، وإن أبت رغم إصراره راح يحاول إقناعها أنها عليها عدم خلط الأمور ببعضها فالعلاقة العاطفية بالإضافة إلى حالتها النفسية في كفة والعلاقة الجسدية في كفة أخرى بحيث يمكنهما ممارسة الجنس معا بكل سلاسة حتى في أوج اضطراباتها النفسية وفي ذروة خلافاتهما، أما بالنسبة لشمس كأنثى فالعاطفة هي سيدة الموقف في كل الأمور لذا لم يمكنها أبدا الاستمتاع معه في كل الأوقات الكثيرة التي كان هناك فيها خلاف أو مشاجرة بينهما بل على العكس كانت تشعر بضغط نفسي رهيب أثناء ممارسة الجنس معه وكأنه ليس حلالها وكأنه بالضبط يقوم بالتعدي عليها أو اغتصابها ولكنها لم تكن تظهر له كل هذه المشاعر السلبية أبدا فقد كانت مضطرة لمجاراته لأنه يهددها دائما باللعن من الله أن بات هو غضبان عليها، وشمس لا ينقصها لعن من الله...
هناك أمرا آخر مريب بشأن علاقتهما الزوجية الحميمية وهو أن زوجها يتعمد اتيانها في أحلك الأوقات إليها بعيدا حتى عن أوقات خلافاتهما الكثيرة، كأن تكون مجهدة مرهقة متعبة أو متضايقة أو مستاءة كما ذكرنا أو حينما يحدث أمرا سيئا لأهلها أو أقاربها كأن يكون هناك حادث أو حالة وفاة مثلا، والأغرب من ذلك أنه كان يطأها أيضا حينما تحدث تلك الأمور السيئة لأهله أو أقاربه انفسهم، كانت شمس تتخيل أحيانا أنه يفعل ذلك كوسيلة لتفريغ الطاقة السلبية التي يشعر بها عند سماعه خبر سيء ولكن يبقى الأمر مريبا كباقي تصرفاته الغريبة حتى لو التمست له اعذارا كالعادة.
*********
في صباح اليوم التالي وهو اليوم الثالث من الطرد أثناء تناولهم وجبة الإفطار سالتها (سوزان): ها كلمتي جوزك استاذنتي منه
ولأن شمس كانت في امس الحاجة لهذه الرحلة المجهولة، قامت بالتظاهر بمراسلة زوجها وادعت أنه وافق على خروجها لكي لا تدخل في جدال جديد مع اختها.
عصرا امتطت شمس مع سوزان سيارة أجرة، وأمام المقابر طلبت سوزان من السائق أن يتوقف وطلبت من اختها أن تأتي معها لتقرأ الفاتحة لروح زوجها المرحوم ففعلتا، ظنت شمس ان هذا حدث عارض أثناء رحلتهما الترفيهية ولكنه في النهاية اتضح لها أن هذه هي الرحلة بعينها
"يعني انت جايباني الترب عشان اغير جو واريح نفسيتي، رحلة إلى عالم الأموات دي ولا ايه!"
بهدوء قاتل ردت عليها سوزان:
وفيها ايه يعني يا شمس، الدنيا دي كلها عرض ذائل، ولازم نفتكر الآخرة دايما، هنلاقي فين مكان أحسن من كده نفكر فيه في اخرتنا بدل ما الدنيا تاخدنا وتنسينا أن احنا مصيرنا في يوم من الأيام هنكون هنا مع الناس دي تحت التراب
كظت شمس على أسنانها وهي تهمهم:
الله يخربيتك ياسوزان...منك لله ياشيخه... بقى أنا مكتئبة ومش طايقة نفسي وبفكر في الانتحار وانتي جايباني اغير جو مع الأموات...
- انتحار ايه ياشمس! اعوذ بالله انتي هتكفري ولا ايه! احمدي ربنا، انت غرقانه في النعم، كفاية جوزك عليكي...
- هو كفاية عليه فعلا يعني أنا مش ناقصاكي انت كمان...
كانت شمس تستعد للتشاجر مع أختها شجارا سيزعج الموتى في قبورهم ولكنها ابتلعت لسانها حين رأته قريبا منها...
******
وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد انتحارها كتبت شمس لاحقا في مذكراتها، في هذا الدفتر الأنيق المنقوش على غلافه تلك الحكمة الملهمة
"لكي تتبع النور يجب أن تتعلم كيف تسير في الظلام"
انا لا أخاف من الموت على الإطلاق بل بالعكس لطالما تمنيته وها أنا أقبل عليه بكل رحب وسعة ولكن مشكلتي الوحيدة الآن مع الموت هي أنني أحتضر ولازلت لا أعلم بعد ما هي ماهية حياتي، لماذا ولدت، ولماذا عشت، ولماذا أموت! لا أدري حتى هل عشت يوماً واحداً في حياتي كما وددت أن اعيشه، كنت أود لو حييت قبل أن اموت، وهذا كل ما كان يخيفني من الموت، أخاف أن يأتي الموت قبل الحياة وليس الموت ذاته ما اخشاه، وها هو الموت آت إلي قبل الحياة، سأذهب إلى غياهب النسيان وسينتهي ذكري للأبد، وددت لو صنعت لي خلودا صغيرا قبل الوفاة ولكن كيف ومتى وقد أزف بي الوقت... والعمر!
******
أنه هو، هل يعقل هذا! لقد وجدته أخيرا في آخر مكان توقعت أن تجده فيه، سارت إليه بلا إرادة مغيبة مذهولة مشتاقة، ندهتها أختها وسألتها "إلى أين أنت ذاهبة " لم تجبها لأنها لم تسمعها، فهي لم تعد تسمع سوى تمتماته وهمهماته بآيات من القرآن غير واضحة، كان واقفا أمام أحدى القبور ممسكا بيده باقة من زهور الجوري المنعشة ، وكلما اقتربت شمس منه كانت رئتاها تمتلآن بعبقها وعبقه فينشرح صدرها، ولما شعر بها خلفه التفت واندهش حينما رآها ، ابتسم في حنان وحنين قائلا:
ازيك ياشمس ياحبيبتي، اخبارك ايه ياملبسة!
![](https://img.wattpad.com/cover/372472731-288-k227577.jpg)
أنت تقرأ
ملاكي الساقط
Ficção Geralدعونا نغوص في أعماق ابليس من شياطين الإنس (الملاك الساقط) أناس يعيشون بيننا نعتقد أنهم ملائكة وهم في الأصل يغلبون الشياطين في خبثهم ،هذه رواية تحذيرية وتعليمية ستعلمكم باذن الله كيفية التعامل مع شياطين الإنس والتلاعب بهم بدلا من تلاعبهم بكم.... ات...