الحلقة السادسة: ثاني فراق

119 10 0
                                    

لن تنتظره شمس حتى يعود، لقد نوت الفرار من المجهول إلى المجهول.
أقدمت شمس على فتح الباب بعنف ظانة أن خاطفها قد حبسها في هذا المنزل الذي ادعى أنه منزلهم القديم ولكن الباب انفتح بكل سهولة فجرت هائمة في الشوارع بلا وجهة تحاول تذكر عنوان بيت اهلها أو بيت زوجها أو أي عنوان يخصها
       *********
في المستشفى تجادل دكتور ياسر وابنه الدكتور يوسف من جديد بشأن شمس ونبه دكتور ياسر (يوسف) أن اسبوع المهلة قد انقضى منه ثلاثة أيام وعليه أن يعيد شمس لأهلها في اقرب وقت فاقسم يوسف بالكذب من جديد أنه لا يعرف اي شيئا عن شمس منذ هربت من المستشفى
*********
عاد إليها عصرا بعدما حجز لها مائدة في مطعمها المفضل واراد أن يفاجئها بذلك، راح يضغط على بوق السيارة بحماس ولكنها لم تخرج له فخرج من السيارة وندهها أكثر من مرة ولكنها لم تستجب لنداءاته، جحظت عينا يوسف عندما لمح باب الشقة مفتوح، جرى كالمجنون ودخل البيت مفتشا عنها في كل ركن وزاوية ولكنه لم يجدها...
ارتمى يوسف منهارا على الأريكة المواجهة للتلفاز في الصالة فوجد شمس قد نسيت دفترها على المنضدة أمامه أو على الأغلب تعمدت تركه، فتح الدفتر وراح يقرأ كل ما فيه حيث سجلت مخاوفها منه وشكها فيه وكتبت شمس عن ظنونها بأنه يضع لها في الطعام والشراب أدوية من شأنها التأثير على ذاكرتها بالسلب كي لا تتذكر أبدا حقيقته ولا طبيعة علاقتهما وفي أثناء انغماس يوسف في أفكاره وحسرته وألمه من ظنون شمس فيه، دق جرس الباب، فأنتفض من محله، من عساه أن يزوره في هذا البيت، ربما شمس عادت، فتح يوسف الباب ملهوفا وانصدم عندما وجد والده امام الباب، أعلمه والده أنه كان يراقبه، ودفعه بعنف من أمامه ليفسح له الطريق كي يدخل ويفتش عن شمس في كل مكان مثلما كان يوسف يفعل  منذ قليل
"صدقت بقى أن شمس مش معايا"
هذا ما قاله يوسف في أسى
"امال راحت فين! 
سأله والده في غضب
" راحت لأهلها"
- ازاي ولسه باباها متصل بيه ومهددني تاني أنه هيقفل المستشفى ويخرب بيتنا عشان بنته لسه مرجعتش
صُدم يوسف مما سمعه، إن لم تكن شمس قد عادت إلى أهلها فأين ذهبت!
فور انصراف والده هام يوسف في الشوارع على وجهه يبحث عنها في كل مكان
تاهت شمس في شوارع المدينة حتى أنها عندما حاولت العودة ليوسف لم تستطع، الغريبة أن الشوارع كانت فارغة بشكل مريب إلا من قليل من المارة ومن ضمن المارين كان هناك رجل وامرأة بلغا من العمر ارذله نظرا نحوها وابتسما ثم مرا مرور الكرام، ندهتهم شمس لتسألهم إن كانا يعرفانها ولكنهما نظرا نحوها من جديد وابتسما ثانية دون أن يجيباها، فقدت شمس كليا كل الأمل، فجلست منهكة لتستريح على عتبة إحدى البيوت خلفها، تأملت شمس وهي جالسة البوابة الخضراء الصغيرة للبيت الذي جلست على عتبته ثم تأملت سور الحديقة الصغيرة الاسمنتي المرتفع، ثم انتفضت فجأة وكأنها تتذكر شيء عن هذا البيت، هذا البيت مكون من طابق واحد حيطانه اسمنتية غير مدهونة أيضا كسور الحديقة، شعرت شمس فجأة ان هذا البيت يخصها حتما أو يخص شخصا تعرفه، دقت بابه كثيرا وطويلا ولكن أحدا لم يجب عليها، فازداد شعورها بالتيه أضعافا مضعفة وانصرفت مبتعدة عن هذا المنزل وهي منهارة تبكي، لكنها لم تكن قد ابتعدت كثيرا حتى سمعت صوت يندها من خلفها، كان صوت انثوي، عندما التفتت شمس خلفها وجدت فتاة شابة جميلة واقفة أمام نفس المنزل الذي كانت تدق جرسه منذ قليل ، وكانت هذه الفتاة ترتدي فستان زفاف، أشارت لشمس وهي تبتسم في سرور، همت شمس بالاقتراب منها ولكن صوتا آخر ندهها من خلفها، أنه يوسف الذي جرت نحوه وارتمت بين أحضانه
تنفس يوسف الصعداء لما وجدها، تنهد كأن روحه عادت إليه من جديد بعدما فقدها، شمس لا تعرف ما الذي دفعها للركض نحوه والقاء نفسها بين أحضانه برغم انها لا تعرفه جيدا أو ربما لا تعرفه مطلقا ولكنه يبقى في الوقت الراهن حصنها الآمن وكل ما تملكه في هذه الحياة بعدما تخلى عنها أهلها وزوجها والجميع، التفتت شمس للخلف من جديد ودهشت عندما وجدت العروسة التي كانت تندها منذ قليل قد اختفت... أعادها يوسف إلى حصنها المتين إلى بيتها القديم الحديث، وأخذ يواسيها من أجل تيهها ثم فتح دفترها طواعية وسجل لها كل عناوينها وأرقام الهواتف الخاصة بأبيها وزوجها.
كتب يوسف عنوان زوجها ورقم هاتفه تحت اسم استاذ مراد ادريس الالباني المدرس المساعد بكلية الآداب، وكتب اسم والدها سعد سليمان جابر، موجه اللغة العربية المحال على المعاش وتاجر أقمشة حاليا،  وتحت الاسم  والوظيفة كتب عنوان بيته ورقم الهاتف الخاص به، كتب لها يوسف ايضا رقم هاتف بلا اسم ثم افهمها أن هذا الرقم رقم طبيب نفساني معروف قد يساعدها كثيرا إن أرادت اللجوء إليه، لقد أعطاها يوسف حريتها في أن تعود أو تبقى، وفي أن تظل ناسية أو تتذكر، أنها صاحبة الاختيار الآن
في صباح اليوم التالي وهو اليوم الخامس من المهلة المحددة
مر يوسف على شمس صباحا وهو  يخشى من رحيلها واختفاءها من حياته مجددا...
وقد حدث ما خشيه، ففي الصباح وقبل عودة يوسف عادت شمس إلى زوجها ولم تنسى هذه المرة أخذ الدفتر الذي يحتوي على عنوانه معها
احتضنت شمس دفترها وسارت متوجسة في طريق العودة إلى زوجها، وبرغم أنها كانت تفتح دفترها كل دقيقة لتتأكد من العنوان، إلا أنها كانت تشعر بتيه نفسي رهيب، ، ولما وصلت شمس لوجهتها توقفت طويلا تحاول استجماع أنفاسها قبل أن تدق بابه،  وعندما فتح لها كان كأنما وجد شبحا أمامه وقبل ان يعطيها أية فرصة لتقول اي شيء، سبها بأبشع الألفاظ متهما إياها بالخيانة والعهر وقبل أن تستوعب صدمتها لطمها وطردها وسحلها على الدرج ثم ألقاها في الشارع أمام الجميع وأكثر ما اوجعها أن كل هذا حدث أمام  صغارها اللذين لم يسمح لها باحتضانهما أو حتى لمسهما...
مهزومة مكسورة احتضنت دفترها من جديد وتوجهت إلى بيت أهلها بعدما تأكدت من عنوانهم لأكثر من الف مرة بواسطة الدفتر، سارت شمس تقدم قدم وتؤخر الأخرى وهي تتخيل ردة فعل أهلها وتتذكر كيف تركوها للموت وتخلوا عنها
********
شكرا لكل اللي دعموني، وشكرا لكل اللي عملوا فلو ومهتميين ومتابعين قصتي
عارفة أن الحلقة دي قصيرة جدا عشان كده هنزلكم حلقة كمان بكرة أن شاء الله

ملاكي الساقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن