الحلقة الثالثة: غابت شمس

221 11 17
                                    

حبيت انزلكم الحلقة الثالثة النهاردة بدل الخميس عشان حسيت أن الحلقة الثانية مفهاش احداث قوي
يارب تتفاعلوا مع الحلقة وتقولولي رايكم بصراحة في روايتي عشان أنا بسعى لنشرها في كتاب ورقي وحابة اعرف ارائكم
الثلث فصول الاوائل بيغلب عليهم الرومانسية بس بعد كده بيتغير مسار الرواية وبناقش  مواضيع مهمة اجتماعية ودينية ونفسية وفيه شوية رعب وأرواح وغيبيات وحاجات ذي كده
ودي تتمة الفصل الثاني ، الحلقة الجاية أن شاء الله هتكون بداية الفصل الثالث
********
مش هتقلي حضرتك مين بقى بالنسبالي! وليه حضرتك مهتم بيه قوي كده زيادة عن اللزوم!
هكذا سألته بصوت يملأه الشجن والغنج والحنين حين كان يُسندها ويساعدها في إحدى جلسات العلاج الطبيعي التي يشرف عليها هو بنفسه فجاوب متلجلجا كاذباً:
انا مهتم بكل المرضى ياملبسة.
ايه ملبسة دي كمان!
لا دي حكاية طويلة بقى هبقى احكهالك بعدين.
بعدين امتى بقى
شرد يوسف قليلا ثم جاوبها بصوت خفيض:
لما نرجع بيتنا القديم  أن شاء الله
شمس لا تفهم شيء، هل هو مثلا زوجها! إذا كان كذلك فلما لا يخبروها مباشرة بذلك كي تستريح! همت أن تسأله كيف يجمع بينهما نفس البيت وإذا كان ما يجمع بينهما في بيت واحد زواج أو غيره ولكنها استحت فأجابها هو على السؤال الذي لم تسأله:
مش هقولك أبدا ايه  العلاقة اللي بتربط بينا، المفروض انتي تفتكري لوحدك.
صمت قليلا ثم استطرد هامسا بعتب:
المفروض اصلا مكنتيش نسيتي
فسألته شمس بقلب مقبوض: هو انت مش قلتلي أن ده طبيعي!
- ايوا... بس اللي بنا مكنش طبيعي عشان يتنسي كده بالساهل.
أخيرا اعترف بجزء من الحقيقة! لقد كانت شمس موقنة بذلك وكذلك الجميع ، حاولت استغلال لحظة اعترافه وسألته من جديد بفضول قاتل وقلق:
طب قلي انت ايه اللي كان بنا ومكنش ينفع يتنسي!
لم يعد يوسف يتحمل سحر عينيها العسليتين أكثر من ذلك، مخلوبا بهما مسلوب العقل والإرادة سيقر لها بكل شيء فورا والآن فلا يمكنه ترك هاتين العينين في حيرتهما لدقيقة واحدة  جديدة
" انا عايزة حلاوة قومان  ست الحلوين بالسلامة بقى يادكتور"
أفسدت دينا لحظات الاعتراف المحتملة حيث ابقى عليها يوسف في المشفى شفقة منه عليها واكتفى فقط بنقلها إلى قسما آخر بعيد عن شمس كي لا تسبب لها وله المشاكل وكان هذا القسم هو قسم العلاج الطبيعي، والآن ترد له تلك الخبيثة جميله معها عن طريق تهديده بطريقة غير مباشرة، وهذا ما استشفه يوسف حين لمح عينها وسمع صوتها وهي تطلب منه اكرامية بمناسبة تحقق أمنيته الكبرى أخيرا الا وهي امتثال شمس للشفاء،  رفض يوسف طلبها بلهجة حادة تأديبا لها برغم أن كل من في المستشفى نالوا منه نصيبهم من "حلاوة" إفاقة شمس من غيبوبتها، لكن بالنسبة لدينا فإذا كان مضمون تهديدها له الخفي هو إخبار روان بإفاقة شمس وبقاء دكتور  يوسف بجوارها  طوال الوقت فلتخبرها إذا فيوسف لم يعد يخشى شيئا مادامت شمسه بجواره.
           ******
استجابت شمس سريعا للعلاج الطبيعي وفي غضون أيام قليلة بدأت تتحسن حركتها بشكل ملحوظ ومبهج للجميع خاصة بالنسبة ليوسف، أنها معجزة حقيقية تتحرك أمامهم وهذا ما جعل غرفتها في المستشفى  مذار لجميع المختصين في الطب ومن سواهم من المستشفى ومما سواها حيث يتدارسون ويتباحثون كل يوم حول كيفية حدوث هذه المعجزة، لكنهم وللأسف يتعاملون مع شمس وكأنها فأر تجارب دون مراعاة لكونها إنسانة لها خصوصياتها  مما أثار ضيقها وضيق يوسف بالطبع، وازداد يوسف ضيقا عندما انتشر خبر المعجزة التي حدثت في مستشفى دكتور ياسر على الانترنت بمباركة أبيه الذي كان سعيدا للغاية بهذا الأمر لأن  انتشار هذا الخبر سيرفع سقف الثقة في مشفاه حد السماء
           ********
دخل يوسف حجرة شمس في الصباح ليطمئن عليها بعد أن لاحظ ضيقها الشديد بالأمس بسبب وجود وفد غير مرحب به من الأطباء في غرفتها، وقد سعد كثيرا عندما وجدها جالسة بالقرب من النافذة تتأمل شروق الشمس بارتياح وهي تحتسي (الكابتشينو)، وحالما رأته شمس اشرق وجهها وقلبها وابتسمت ابتسامة أكثر روعة من شروق الشمس في الخارج، تأمل عينيها الخضراوين الساحرتين ثم سألها مبتسما بعشم:
ها افتكرتي مين انا!
- مفتكرتش حاجه خالص ...عشان خاطري قولي مين انت وريحني بجد انا تعبت من كتر التفكير
- يابنتي ياحبيبتي، ياشمسي وقمري منا قلتلك مينفعش افكرك بنفسي لازم تفتكري انت بنفسك...
ثم ضحك وهو يردف مازحا:
دي تبقى عيبة في حقي والله لو مفتكرتنيش
ثم عاد لجديته وهو يكمل حديثه معها:
عموما لازم تعتمدي على ذاكرتك وده افضل ليكى عشان أنا لو قلتلك حاجة دلوقتي هتبقي عرفاها مش هتبقي فاكراها وعمرك ماهتفتكريها ابدا
- يعني ايه، انا مش فاهمة هتفرق ايه يعني!
- لا، تفرق كتير طبعا، يعني مثلا انت اسمك ايه!
باستغراب أجابته:
اسمي شمس طبعا، مش انت اللي قلتلي كده!
- متأكده انك اسمك شمس!
بدأ الشك يتسلل إلى عقلها ويراوده  وهي تفكر في كلام يوسف الذي استطرد ليزيد شكها:
افرض مثلا اننا بضحك عليكي!
- ازاي يعني، يعني انا اسمي ايه دلوقتي!
- اسمك شمس طبعا
- وبعدييين بقى!
ضحك يوسف ثم عاد إلى جديته وهو يشرح موضحا:
اللي أقصده هنا انك عرفتي اسمك مني، بس مفتكرتهوش ولاعمرك هتفتكريه عشان انا قلتلك عليه، عشان كده  لازم انتي اللي تفتكري كل حاجة عن نفسك بنفسك، ومينفعش انا اقلك عليها
برغم أن كلام يوسف منطقي للغاية إلا أن شمس شعرت من نبرة صوته المضطربة وتعابير وجهه القلقة- كلما تحدثا عن أمر ذاكرتها- أن هناك امرا جلل يخفيه عليها بشأنهما ولا يريد أن تتذكره ابدا، همت أن تصارحه بهاجسها ولكنها انتبهت أنه يخفي شيئا ما آخر خلف ظهره فسألته عما يخبئه فأظهره وهو يبتسم، هذه هدية بسيطة أحضرها يوسف لشمس بمناسبة إفاقتها من الغيبوبة وبمناسبة فقدانها الذاكرة أيضا، أنه دفتر أنيق مكتوب على غلافه حكمة ملهمة مست قلبها منذ التقطتها عيناها وأشعة الشمس تصنع هالة نورانية حولها تزيدها الهاما وتُزيد شمس تأثرا بها " لكي تتبع النور يجب أن تتعلم كيف تسير في الظلام"
طلب يوسف من شمس أن تكتب بهذا الدفتر كل ما تشعر به كنوع من تفريغ المشاعر السلبية في سبيل راحتها النفسية وطلب منها أيضا -على مضض-  أن تسجل كل ما تتذكره فيه - هذا إن تذكرت شيئا من الأساس- كي لا يحدث لها انتكاسة وتنسى ما ستتذكره من جديد، هذا هو السبب الظاهري الذي ادعاه يوسف أما السبب الحقيقي فهو أنه يود متابعة ومراقبة كل ما قد تتذكره كي يطمئن أنها لن تتذكر حقيقته ولا حقيقة علاقتهما أبدا
"طيب بمناسبة  ذاكرتي، ممكن اسألك ايه السبب اللي خلاني أفقد الذاكرة، وهترجعلي ذاكرتي امتى وازاي واحنا مبنعملشي اي حاجه تساعدني عشان ترجعلي الذاكرة!"
بضيق واضح وعصبية متوارية رد يوسف على شمس:
وانت مستعجلة ليه، منا قلتلك قبل كده كتيرانك هتفتكري كل حاجة لوحدك، متستعجليش.
بعد لحظات من الصمت المتوجس شعر يوسف بشعور شمس بالخزلان من ردة فعله الغريبة فراح يلطف الجو بينهما ويشرح لها بلطف بعض الأشياء عن ذاكرتها:
بصي فقدان الذاكرة عندك ممكن يبقى ليه سببين، السبب الأول سبب عضوي وده ممكن يكون بسبب تلف بسيط في  المخ حصلك ونقدر نكتشف ده لو عملنالك أشعة على مخك هنا في المستشفى مع اني متأكد من غير اي أشاعات أن الأسباب اللي خليتك تنسي كلها أسباب نفسية... انت اللي مش عايزة تفتكري ياشمس
- انت بتقول ايه! دانا هجنن وافتكر كل حاجة عن نفسي او حتى اي حاجة عنها...
بيأس وحزن رد عليها يوسف بعدما تنهد تنهيدة قوية:
بيتهيالك... لو عايزة تفتكري كنتي افتكرتي
لم تكد شمس تستوعب ما يقوله يوسف حتى دخل والده الغرفة مجددا مع وفد جديد  من الأطباء ليتفحصوا حالة شمس المعجزة، وكان والده كلما دخل عليها الغرفة  وجد عندها يوسف، فمال نحوه وكظ على أسنانه وهو يتمتم:
هو احنا معندناش غير المريضة دي في المستشفي ولا ايه يفندي!
ثم على صوته قليلا واحتد قائلا:
اتفضل يلا روح شوف شغلك
فذهب يوسف مُحرجا ممتعضا
في اليوم التالي قام دكتور يوسف بأجراء الكثير من الفحوصات والاشاعات لمخ شمس والذي اتضح أنه سليم تماما وليس هناك أي مشكلة عضوية في الأجزاء المختصة بحفظ ذكرياتها واتضح بالفعل أن كل مشاكلها  نفسية، شمس لا تريد تذكر أي شيء حقا.
"خلاص انا كده محتاجة دكتور نفساني اتابع معاه عشان اقدر افتكر"
تملص دكتور يوسف من الاستجابة لطلبها بطريقة لطيفة فسألته شمس بشيء من الغضب:
طيب طالما مش راضي توديني لدكتور نفساني، فكرني انت بأي حاجة... قولي مثلا ايه سبب دخولي في الغيبوبة... ليه اهلي اتخلوا عني كده بكل بساطة! هو انا بنت وحشة قوي للدرجادي!  قلي بس حتى هو ايه اللي كان بنا بالظبط! وايه هيه طبيعة علاقتنا، قولي لي أي حاجة، قولي  انت مين!
راحت شمس تكرر مثل هذه الاسئلة كثيرا على مسامع دكتور يوسف وتلح عليه دائما ليخبرها أي شيء عن نفسها  لكنه لم ولن يمن عليها ابدا بإجابة ولو سؤال واحد من اسئلتها الكثيرة مدعيا كالعادة أنه يجب عليها تذكر كل شيء بنفسها دون تلقي أي مساعدة خارجية لأن ذلك سيضر بالتأكيد ذاكرتها وأبدا لن يفيدها.
عندما فتحت شمس دفترها لتسجل به مشاعرها السلبية وتفرغها فيه بالكتابة -بعدما تأملت تلك الحكمة الملهمة على غلافه والتي تمس شيئا ما عميقا بداخلها- وجدت أن يوسف قد رسم صورة لها بقلم رصاص على ظهر الغلاف من الجهة الأمامية للدفتر، وبرغم أنها انبهرت كثيرا من موهبته العظيمة في الرسم إلا أنها لم تعجبها رسمته أبدا ذلك لأن ملامحها كانت باردة شاردة حزينة والاسوأ من ذلك كله أن شمس لا تستطيع تذكر ملامحها أبدا فقد كانت تنظر إلى نفسها في الرسمة أو المرأة وكأنها ترى أمامها امرأة غريبة
**********
انتشار أخبار ( شمس) على الانترنت جعل جل ما كان يخشاه يوسف يحدث، فقد علم أهلها وزوجها بخبر إفاقتها واتصلوا بالمستشفى ليخبروهم انهم قادمون لاصطحاب شمس إلى المنزل في صباح يوم غد
في صباح يوم الغد تجمع جميع من في المستشفى على صوت صياح أهل شمس وزوجها وبكاء ولديها في الممر المؤدي إلى غرفة شمس الفارغة فقد هربت شمس بالأمس من المستشفى
حاول دكتور ياسر وبقية طاقم الأطباء والممرضات وحتى الأمن والعاملات تهدئة أهلها الغضبى كي لا يزعجوا المرضى ويسيئوا أكثر إلى سمعة المستشفى، إلا أن  يوسف قد تنح جانبا ووقف يشاهد ما يحدث في صمت وهذا ما أثار ريبة زوجها ، فراح يرمقه بنظرات مرتابة مليئة  بالحقد والغضب والغيرة، وللأسف لم يكن مراد زوج شمس هو الوحيد الذي يشك بأن (يوسف) وراء هذا الأمر، بل أن الجميع بما فيهم والده وطاقم العمل بالمستشفى  كانوا يشكون به  وإن لم يستطيعوا التصريح بذلك مثلما فعل أهل شمس وزوجها، بدأ زوج شمس بشن حملة مريعة من الاتهامات على طبيب زوجته المريب فحاول يوسف الدفاع عن نفسه ولكنهم لم يصدقوا دفاعاته لذا  طالب الزوج والأهل المكلومون بفحص كاميرات المراقبة، وعند فحصها تبين أن شمس قد هربت بمفردها تماما بعد حوالي ساعة كاملة من انصراف يوسف إلى منزله في نفس موعد انصرافه المعتاد من المستشفى، لكن كل ما شاهدوه من خلال ذاكرة الكاميرات لم يكن أبدا ليبرأ يوسف في أعينهم ولا حتى في عين أبيه والذي برغم شكه القاتل في ابنه إلا أنه راح يدافع عنه باستماتة أمامهم خاصة بعدما تطاول عليه زوج شمس بلسانه ويده محدثا في وجهه وكرامته جروح غير بالغة، وكان من تداعيات ذلك أن طلب دكتور ياسر من الأمن زج الأهل والزوج إلى خارج المستشفى، وأثناء دفع الأمن لهم خارجا راحوا يصيحون متوعدين مهددين بإبلاغ الشرطة عن هذه المستشفى الحقيرة إن لم تظهر ابنتهم في غضون أسبوع على الأكثر من الآن، ألا يكفي أنهم لم يعلموا بخبر إفاقتها من الغيبوبة إلا عن طريق الانترنت كالغرباء!
انتوا جايين تدوروا عليها دلوقتي بعد مابعتوها واستغنيتوا عنها وعن حياتها، اصلا هيه عمرها مافرقت معاكوا ، زعلانين عليها ليه دلوقتي!
هكذا راح ( يوسف) يصيح في أهلها وزوجها قبيل خروجهم من المستشفى
انت تخرص خالص، وكمان ليك عين تتكلم، انت فضحتنا، ولعلمك بقى البنت دي لو مظهرتش في خلال الأسبوع ده لانت ابني ولا اعرفك وتدورلك من دلوقتي على شغل في مكان تاني، كفاية فضايح كده
يابابا...قصدي يادكتور ياسر انا مليش أي علاقة ابدا لا من بعيد ولا من قريب بهروب شمس واديك شفت بعينك  كاميرات المراقبة
لم يصدقه والده وانصرف غاضبا هو وباقي الجموع التي انفضت من حول يوسف وتركته وحيدا شاردا يتأمل حجرة شمس  مراجعا في عقله ما حدث بالأمس

ملاكي الساقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن