الجزء الثالث من الفصل السادس

22 3 0
                                        

وتذكرت أشياءً أكثر إرهابا..."
"زوجي يفرق في المعاملة بين سوزان ويوسف بطريقة مريبة وملفتة للنظر وقد شهد عليها الجميع، ولو كنت أنا الوحيدة التي لاحظت ذلك لشككت في نفسي بالطبع كالمعتاد"
"هو يدلل يوسف أكثر من اللازم ويضطهد سوزان أكثر من اللازم  أما سوسن فلا يبالي بها على الإطلاق كأنها لم تولد، كيف لم ألحظ سلوكياته الغريبة تلك ناحية أبنائه من قبل، لماذا يفعل ذلك!
ربما يحاول الموازنة  لأنني أفعل العكس واعامل سوزان بطريقة أفضل من يوسف، لا أدري! ولكنني لا افرق بينهما في المعاملة إلى هذا الحد المستفز المبالغ فيه مثلما يفعل هو"
بالنسبة ليوسف المدلل فهو مستهتر كثيرا وغير مهتم بأي شيء هو فقط يخرب ويلهو ويلعب ويستفز أمه بشقاوته وعناده...
سمعت شمس يوما ما عن  ( ADHD)  وهو مرض فرط الحركة وتشتت الانتباه، فشعرت أن ولدها يعاني من هذا المرض لأن الأعراض كلها تنطبق عليه لذا حاولت السعي جاهدةً لعلاجه ولكن زوجها رفض بشدة  متهما إياها بالفشل والكسل عن أداء مهامها كأم وهذا ما دفعها لاتهام  الصغير بأنه هو المريض النفسي المجنون برغم أنها هي المجنونة المريضة النفسية كما يعرفها زوجها على حقيقتها، أنها تدعي أن ابنها مريض بهذا المرض كي تتملص فقط من مسئوليته ومسئولية تربيته دون أدنى شعور بالذنب
وفي إحدى الأيام حدث هذا الموقف
قررت شمس أن تجتهد في تربية ولدها بناءً على اتهامات زوجها الدائمة لها بالتقصير والفشل فقررت معاقبته على شقاوته وعلى ضربه أخته باستمرار لذا تركته في المنزل مع أبناء جارتها وذهبت هي والفتاتين إلى بيت أهلها كعقاب له على سوء سلوكياته ولكن زوجها عندما عاد واكتشف الأمر  اتصل بها ووبخها أشد التوبيخ أمام الصغير وأمام الجميع، لقد سمعت  أصواتهم حوله، ولم يكتفي بهذا بل إنه اصطحب يوسف إلى مدينة الألعاب وإلى مطعمه المفضل واشترى له (الكريب) الذي يحبه كثيرا وأغدق عليه من الحلوى والألعاب الذي كان يرغب بها بشدة منذ فترة، وفوق هذا كله  أخبره ألا يخبر أمه أبدا بما فعلاه ولكن يوسف أخبر أمه بما حدث فور عودتها وهو يُخرج لها لسانه باستفزاز لإغاظتها وبالفعل شعرت شمس بالاستفزاز والغيظ ولكن ليس منه هو بل من والده وحينما لامته على تدمير ما فعلته راح يسخر منها مدعيا عدم الفهم لمقصدها وقال:
ايه التفاهة دى! أنتي عامله مخك بمخ العيل الصغير! ما تعقلي بقى ياماما...
وتكرر موقف غريب آخر منه أكثر من مرة حيث كان مراد كلما اشتكت شمس له من تصرفات ابنه الحمقاء ينهرها هي ويسبها ويصرخ بها وهو يقول: لو غلط تاني هعاقبك أنتي وأنتي اللي هتتحاسبي مش هو، تصرفاته دي مسئوليتك، امال انتي وظيفتك هنا في البيت ايه! عايزة تأكلي وتشربي وتنامي وبس!
كل هذا أمام الصغير المتمرد وقد كان من الطبيعي أن يزداد في تمرده وعناده وعنفه واستفزازه لأمه وأيضا قلة احترامه لها، فمن أمن العقاب أساء الأدب....
أما (سوزان) فحكايتها حكاية، هذه الحكاية ستطعن شمس في مقتل مازال يدمي منذ سنوات طوال...
زوجها يعذب سوزان ويضهدها بصورة مبالغ فيها وكلما تدخلت  الأم محاولةً الدفاع عن ابنتها خاصةً وهي ترى الاستجداء في عينيها،  نهرها  وسبها وهددها بأبشع التهديدات؛ ربما يتعمد أن يقلل من قيمتها أمام أولادها خاصةً الفتاة وحينها كانت شمس ترى عين سوزان تنظر إليها باستحقار واستضعاف، ورغم  كل هذا مازال زوجها يتهمها باستمرار أنها هي من تقوم دائما  بالتمييز بين طفليها لصالح سوزان،  والأغرب من ذلك  هو أن سوزان لازالت تحب والدها كثيرا وتحاول دائما استجداء عطفه لدرجة أنها  تقف دائما في صفه ضد أمها حتى وهي تدافع عنها...
وفي إحدى الأيام حدث هذا الموقف:
أخطأت سوزان خطأً ما، شمس لا تستطيع تذكره من هول ما حدث بعده، ربما هو خطأ كبير! ربما صغير! هي لا تدري، المهم أن زوجها سحب سوزان من يدها بعنف وسحلها حتى غرفتها وأغلق الباب... ومن الخارج سمعت الأم صوت لطمة مدوية ثم صرخات ابنتها المرعبة المرعوبة ثم سباب لها لأنها صرخت على إثر لطمة والدها ثم لطمة جديدة لأنها صرخت، فتحت شمس المرتعدة الحجرة على ابنتها ووالدها فوجدت خديها متورمين وبلون الدم من شدة الاحمرار فصاحت شمس بوالدها وهي تبكي وتنتحب متسائلة كيف طاوعه قلبه أن يفعل ذلك بابنته فنهرها وسبها وطردها من الحجرة ولكنها رفضت الخروج وترك الفتاة معه خوفا عليها فقام من جلسته فجأة ولطمها لطمة قوية اسقطتها أرضا وأفقدتها السمع لبضعة دقائق، كانت هذه اللطمة الأخيرة من نصيب شمس ثم أمسكها ودفعها بخارج الغرفة وأغلق الباب بوجهها وهي واقفة متسمرة مذهولة تمسك خدها الملطم بيدها بقوة وكأنها خشيت أن يسقط من على وجهها، استمر مراد بعد ذلك في سب سوزان و تهديدها ولكنه لم يضربها مجددا...
********
مرت عدة أيام بعد هذا الموقف وشمس مصدومة حزينة متجهمة لا تصدق ولا تستطيع استيعاب ما حدث، لم تعد تستطيع أن  تتحدث مع زوجها ولا حتى تنظر إليه، انتظرت أن يأتي إليها ويسترضيها أو على الأقل يبرر لها كل ما فعله، ولكنه لم يأتي فذهبت هي إليه وعاتبته على فعلته فرد عليها بثقة رافعا صوته وهو يسألها باستنكار: ايوا أنتي كنتي تستاهلي يعني ولا متستاهليش!
ازدادت صدمتها من إنكاره إساءته إليها لذا لم تستطع  الرد عليه ، زوجها بالأساس لم يكن ينتظر ردا واستطرد:
أنا مش قلتلك ميت مرة متدخليش بيني وبين عيالي وسيبيني اربيهم بطريقتي! انتي اللي مبتسمعيش الكلام ومحتاجة تتربي وتتأدبي معاهم...
مازال مراد بها حتى أقنعها  أنها هي المخطئة وفوق هذا اعتذرت له بدلا من أن يعتذر منها.
في هذه الليلة نامت شمس والحزن يملأ قلبها المضطرب، لم تستطع إدراك ما سبب كل هذا الحزن والأمور قد سويت بينها وبين زوجها وتصالحا، كان من المفترض أن تكون في قمة السعادة الآن، ولكن... حدث نفس الموقف مجددا.
جرت الطفلة مرعوبة من أبيها الغاضب وأغلقت الباب بالمزلاج بيد مرتعشة وقلبا ينتفض رعبا  ولكن والدها لم يرحم خوفها  وكسر مزلاج الباب بعنف، دخل غرفتها والشرر يطق من عينيه، حمل الفتاة المذعورة التي تبولت على نفسها من شدة الرعب ، رفعها إلى الأعلى قدر استطاعته ثم ألقاها أرضا لتسقط على ظهرها ورأسها، كرر هذا أربعة أو خمسة مرات ولكن موقف الأم كان  مختلف تماما هنا حيث كانت تشاهد كل هذا يحدث أمام عينها لابنتها دون أدنى رد فعل منها، علقت الطفلة نظرها المستغيث بأمها منتظرة الأمان من مصدره الأول ولكنها لم تجده، لم تجد سوى الوحشة والخزلان والرعب، وفي السقطة السادسة ماتت الفتاة...

ملاكي الساقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن