سرى الرعب في جسد شمس وهمت بالانصراف ولكنها لمحته بالداخل خلف زجاج إحدى النوافذ فركضت نحو الباب ملهوفة من جديد، هذا الباب الذي كانت تملك مفتاحه يوما ما ولكنها اضاعته بملكها، دقته بوتيرة متزايدة متوازية مع دقات قلبها، سمعت صوت خطوات تقترب لتفتح لها، فتسارعت بشكل أكبر دقات قلبها، تنهدت في لهفة وهي تحضر مسبقا ابتسامة مشتاقة قلقة متوجسة ولكن عندما فُتح الباب اختفت مصدومة تلك الابتسامة الجميلة التي تشبه شروق الشمس من على وجهها
من فتحت لها الباب كانت امرأة جميلة تثير الريبة، وعندما سألتها شمس عن دكتور يوسف ياسر عبد الجواد أخبرتها أنها لم تسمع قط بهذا الاسم، برغم انها تقطن هنا في هذه المنطقة منذ زمن بعيد، وعندما سألتها شمس عن المدة التي قضتها في هذا المنزل كمستأجرة جاءت صدمتها الكبرى التالية:
انا مش ساكنه ياحبيبتي، ده بيتي وعايشة هنا من اكتر من خمستاشر سنه.
- ايه! ازاي! انا كنت عايشة حوالي سنة ونص بس... ازاااي!
- ازاي الكلام ده! انت اكيد متلخبطة في العنوان.
ولأنها متأكدة تمام التأكد أن هذا هو عنوان البيت الذي استأجره لها يوسف، تسمرت شمس بمحلها من شدة الصدمة، لم تعد تستطيع النطق أو التزحزح من موضعها في حين تعلقت عيناها المذعورتان بعيني صاحبة المنزل الجديدة محاولة تبين مدى صدقهما، لم يمر وقتا طويلا حتى لاحظت أخيرا نظرات الأخيرة القلقة المرتابة فانصرفت باكية...
قررت شمس السير في الشوارع الخلفية الغير مطروقة بشكل كبير كي لا يلحظ أحد انهيارها، التفت خلف المنزل تسير في وهن وفجأة استوقفتها قدماها اللذان لم يعودا قادران على حملها كي يستريحا قليلا فسمحت لهما بذلك ولكنها كادت أن تسقط أرضا فاستندت على ماسورة الصرف الصحي خلف المنزل كي تستعيد توازنها، ولقد صدق حدس يوسف حيث وجدت شمس طريقها إليه أخيرا...
لما وجدت دفترهما عاد إليها الأمل من جديد فلقد وجدت أخيراً أثرا لحبيبها الغامض المجهول وذكرى منه تدل على صدق قصتهما وأنها لم تكن متوهمة، تناولت شمس الدفتر، قبلته واحتضنته بشوق عارم وكأنما وجدت يوسف بذاته واقفا امامها، قررت شمس الآن أنها لن تستسلم أبدا فذهبت إلى يوسف في منزل والديه.
في الڤيلا الضخمة الفخمة التي كتب على شاهدها ڤيلا دكتور ياسر عبد الجواد واولاده، كان هناك عمال يعلقون زينة ولمبات ملونة تخص الأفراح والحفلات ولا تعلم شمس لما انقبض قلبها فجأة حينما شاهدت هذا المشهد، لقد شعرت انهم يعدون لحفل زفاف يوسف وروان، لذا عندما زارت المستشفى في صباح ذلك اليوم لم تجد هناك دكتور ياسر ولا دكتور يحيي ولا دكتور يوسف بالطبع، ولذا عندما سألتهم في (الڤيلا) عن دكتور يوسف اخبروها أنه لا يوجد أحدا هنا بهذا الاسم، لابد أن روان قد اوصتهم بذلك بعد أن اعطتهم مواصفاتها، انصرفت شمس حزينة بائسة تجر قدميها مبتعدة عن هذا المشهد الذي أضنى قلبها، ولكنها لم تكد تبتعد حتى سمعت صوت يندها من الخلف:
يامدام... يامدام
أنه إحدى خدم دكتور يوسف
" حضرتك عايزة دكتور يوسف عبد الجواد، مش كده"
- اه
- عايزه عنوان البيت ولا العيادة
في لهفة وأمل ردت عليه:
اي حاجه
تناول منها الخادم الدفتر الذي بين يديها وكتب لها في الصفحة الأخيرة عنوان البيت الذي يسكن فيه يوسف الآن
يبدو أن الخادم لم يرى رسالة يوسف المكتوبة في الصفحة الأخيرة لذا كتب العنوان فوقها وبرغم ذلك استطاعت شمس أن تقرأ رسالة يوسف لها بوضوح حينما فتحت الدفتر لتتأكد من العنوان
"...اعلم انك ستصدقينني يوما ما، ويوما ما ستعودين للبحث عني من جديد... لكنك لن تجديني... لن تجديني أبدا فابحثي كيفما تشائين، فتشي عني بين طيات الزمان، فتشي عني في ذاكرة النسيان فتشي عني في كل مكان ولكنك لن تجديني... لن تجديني أبدا"
مع كل كلمة قرأتها كان قلبها يعتصر ألما وبرغم هذا وبرغم أن الطريق إليه صعب شاق وطويل بعيد إلا أنها لا يمكنها التراجع الان، لابد أن تجده
امتطت شمس سيارة أجرة واتجهت إلى إحدى المناطق الريفية النائية المتطرفة بعيدا عن المدينة، وأمام العنوان الذي كتبه لها الخادم توقفت شمس محتارة متسائلة ما هذا البيت الغريب، ولماذا يقطن هنا في هذا المكان النائي بعيدا عن عمله ووالديه، هل وصل قدر خصومته مع والده إلى دفعه أن يبتعد عنه بهذا القدر!
ترددت شمس في النزول من سيارة الأجرة ولكن أحد المارين سألهما في توجس:
حضراتكم عايزين مين
فردت عليه شمس تلقائيا:
عايزين دكتور يوسف، هو عايش هنا
- أيوا بيته اللي في وشك ده طوالي
ترجلت شمس من السيارة ثم سارت نحو البيت مترددة وهي تتأمله في ريبة
أنه بيت ريفي بسيط للغاية مكون من طابقين، الدور الثاني يبدو عليه علامات الترف مقارنة بالدور الأول البدائي للغاية، كان في استقبال شمس رجل ريفي بسيط يرتدي جلبابا رخيصا، علامات الزمن والشقاء بادية على وجهه بشدة ومن الظاهر أن عمره قد تجاوز الستين منذ زمن، لقد ذكرها جدا بجدها الغالي-رحمه الله.
*********
بالمناسبة مازالت شمس تتذكر حادثة جدتها وجدها الغريبة حينما رأتهما في الشارع يبتسمان لها برغم حقيقة موتهما، مازال قلبها يرتجف كلما رأت صورتهما المعلقة على الحائط في حجرة استقبال الضيوف في منزل والديها، وبرغم بحثها الطويل، شمس لم تجد أي تفسير لهذا الموقف الغريب منهما حتى الآن.
*********
أكد لها هذا الرجل أن هذا بالفعل بيت الدكتور يوسف الذي تنشده ولكنه في عيادته الآن وربما يعود بعد ساعة واحدة
" هتستنيه ولا اديكي عنوان العيادة"
- لا هستناه هنا، ساعه مش كتير
ثم تمتمت بصوت خفيض:
استنيت كتير، مجتش على ساعة كمان يعني
جلست شمس في الصالة الضيقة على شلتة اسفنجية متهالكة موضوعة على حصيرة من الخوص ، ضايفتها امرأة عجوز منهكة بشدة من فعل الزمن، علمت بعد قليل أنها زوجة هذا الرجل وأنها ليست كبيرة في السن إلى الحد الذي تخيلته ولكنها تزوجت مبكرا جدا وأنجبت إحدى عشر طفلا توفى منهم ثلاثة لذا بدت بعمر أكبر من عمرها الحقيقي بكثير...
مرت الساعة ولم يأتي يوسف بعد، كانت شمس تود أن تنتظره إلى آخر العمر لولا أن جاءها اتصال من والديها يستعجل عودتها لأن زوجها وحماتها في المنزل ينتظراها ليعيداها معهما إلى منزلها، فُزعت شمس وانتفضت من محلها من دون استئذان وكأنها لدغها ثعبان، لم تكد تبتعد لحظات عن هذا البيت حتى شعرت ببرودة ماء مخلوط بمسحوق لتنظيف الملابس سُكب عليها من الدور الثاني لنفس المنزل، وعندما التفتت سريعًا لتسب ساكبة الماء، اعتذرت لها (روان) عن فعلتها غير المقصودة وهي تبتسم في خجل...
ربما هيء لها ذلك، بالتأكيد هيء لها ذلك، فما الذي سيأتي بروان هنا! سارت شمس مصدومة مرتعدة مذعورة تبحث عن وسيلة مواصلات تعيدها بسرعة إلى منزل والديها، استوقفت إحدى (التكاتك ) لكي يعيدها إلى المدينة لأنها لم تجد ولا سيارة أجرة في هذه المنطقة، ولم تكن قد ابتعدت كثيرا من المنزل الذي كانت تنتظره فيه منذ قليل حتى لمحت شمس يوسف مارا بداخل سيارته السوداء الفارهة، ندهته في لهفة وهي تتذوق حلاوة اسمه بين شفتيها
"يوسف"... ولكنه تجاهلها في غضب
" لو عايزاني اقف اقف"
أنت تقرأ
ملاكي الساقط
Ficción Generalدعونا نغوص في أعماق ابليس من شياطين الإنس (الملاك الساقط) أناس يعيشون بيننا نعتقد أنهم ملائكة وهم في الأصل يغلبون الشياطين في خبثهم ،هذه رواية تحذيرية وتعليمية ستعلمكم باذن الله كيفية التعامل مع شياطين الإنس والتلاعب بهم بدلا من تلاعبهم بكم.... ات...
