" لو عايزاني اقف اقف"
سألها سائق التوك توك بعدما شهد الموقف الحاصل بينها وبين يوسف، ترددت شمس قبل ان تقول له بحزن قاتل:
لا...خلاص... امشي.
في الطريق توالت عليها الاتصالات من والديها واخوتها بشكل مزعج ومرعب في نفس الآن، المسافة طويلة وشمس في غاية التوتر، خائفة أن يُكشف أمرها
كم شعرت بالعار في هذه اللحظات، لقد شعرت أنها امرأة حقيرة حقا ولا تستحق هذا الرجل الذي رزقها الله، لقد أتى ليبحث عنها ويعيدها وهي كانت ذاهبة للبحث عن رجل آخر لا تتذكره، كم هي خبيثة!
عندما عادت إلى المنزل وجدت زوجها وحماتها قد انصرفوا غاضبين لذا انهال عليها والديها بالأسئلة والتحقيقات، استطاعت شمس أخيرا التملص منهما ومن استجوابهما بصعوبة بالغة ، وبعد أن استتبت الأمور قليلا سألت شمس عن طفليها اللذان اشتاقت لهما كثيرا، فأخبروها أن أبوهما وأمه طلبا منهما البقاء هنا لأجل أمهما ولكن الطفلين رفضا ذلك رفضًا قاطعا، من شدة صدمتها لم تصدقهم شمس في البداية ولكنهم اقسموا لها جميعا أن هذا هو ما حدث بالفعل.
منذ البداية لاحظت شمس نفور صغيريها المقيت منها ولكنها كانت تُكذب نفسها دائمًا حتى أثبت لها هذا الموقف الغريب منهما صدق مشاعرها.
بعدما نام الجميع، أخرجت شمس دفترها الكبير الذي خبأته بصعوبة تحت وسادتها الصغيرة، قرأت مجددا تلك الحكمة المدونة على غلافه
"لكي تتبع النور يجب أن تتعلم كيف تسير في الظلام"
وتذكرت وقتها ما نصحها به (يوسف) حين أهداها هذا الدفتر فتنهدت بحسرة وأمل ثم راحت تدون كل ما جرى في هذا اليوم في ذاك الدفتر وكذلك دونت كل ما عاشته في الفترة السابقة لحصولها على ذلك الدفتر من جديد، كتبت شمس عن كل مشاعرها المكبوتة الممنوعة من البوح بها لأي أحد وقد كتبت أيضا كل ما تذكرته خشية نسيانه من جديد وأهم وأقسى ما كتبت عنه هو صدمتها الكبرى في ولديها، هي لا تصدق مدى نبذ ابنائها لها كيفما ينبذها الجميع، راحت شمس تبكي بحرقة متسائلة عن السبب الذي يمكنه أن يجعل أطفال يكرهون أمهم إلى هذا الحد، لماذا يكرهها الجميع هكذا حتى ابنائها وأهلها، هل كانت شريرة إلى هذا الحد قبل فقدانها ذاكرتها، هل كانت إلى هذا الحد ساقطة!
لم يكن هذا هو الحدث الوحيد الغريب في ذاك اليوم او في حياتها عموما، فهناك الكثير من الأشياء المريبة التي تتضمنها بقية الأحداث التي دونتها في دفترها ولكن الحزن الذي تعيشه شمس بشكل دائم، دائما ما يذهب ببعض عقلها وبالكثير من تركيزها لذا لم يلفت نظرها أي أمرٍ آخرٍ من هذه الأمور المريبة الرهيبة التي حدثت اليوم
خامس يوم بعد الطرد:
تقوقعت شمس في سريرها كالعادة حزينة ساهدة تفكر تارة في يوسف وتارة في ابنائها الذين تخلوا عنها، دخلت عليها سارة الحجرة وهي تحمل في يمينها صينية عليها كوبان من الشاي وفي يسارها مجموعة كبيرة جدا من الصور، ألقت بالصور بجوار شمس فتبعثرت على سريرها ووضعت الصينية على مكتب صغير بجوار السرير ثم وضعت يدها على فمها دليل على نسيان شيء هام، وحينها عادت إدراجها واحضرت عود نعناع ووضعته في الشاي الخاص بأختها معتذرة لها لأنها نست أنها لا تحتسي الشاي أبدا بدون نعناع...
*********
" ليتني صدقتك يا يوسف من البداية، وياليتني لم أعد كما ترجيتني، فها أنا أحترق في الجحيم الذي أخبرتني عنه الآن"
هكذا كتبت في مذكراتها بعدما انصرفت أختها من عندها.
*********
راحت شمس تتأمل الصور التي أحضرتها أختها بتمعن وفجأة لفت نظرها طفل ما في إحدى الصور، الطفل جالس في مركب في النيل يبتسم وحده، شعرت شمس بمشاعر غريبة متفاوتة وهي تنظر في عينيه العميقتين البنتين، شعرت بحنين عارم مجهول المصدر ومجهول الاتجاه، ربما حنت لأولادها أو ربما حتى لزوجها بل وربما لنفسها الصغيرة البريئة أو حتى نفسها الحالية التي لم تعد تعرفها جيدا، شعرت شمس أيضا وهي تتأمل وجهه الأبيض المستدير بحزن دفين يعتصر قلبها وكأن جبل ما أو الهرم الأكبر _الموجود أمامها في إحدى الصور_ قابعا على صدرها، من هذا الطفل الغريب الذي أثار مشاعرها وشتتها هكذا إلى هذا الحد المريب، معقولة يكون هو...يوسف!
لا هذا غير معقول فملامحة مختلفة كليا عن ملامح يوسف الذي تعرفه، راحت شمس تقلب في بقية الصور بحثا عن هذا الطفل فوجدته... كان موجودا معها وملازما لها في كل صورها وهي صغيرة
" اشربي يابنتي شايك هايبرد، أنت مبتحبهوش بارد...فقدان الذاكرة ده حاجه غريبة قوي...ازاي الواحد بينسى الحاجات اللي بيحبها وبيكرهها بالسهولة دي... أنتي عارفه أنا جايبالك الصور دي ليه"
لم تنتظر سارة إجابة من أختها -التي كانت تفتش في الصور بنهم قاتل بحثا عن هذا الطفل وهو كبير- واستطردت مجيبة على نفسها:
عشان سمعت أن الفرجة على الصور القديمة بتحسن الذاكرة...
سكتت سارة قليلا وهي تتأمل لهفة شمس الشديدة أثناء تأملها النهم للصور ثم سألتها حقا:
ها...افتكرتي حد!
همهمت شمس:
مين ده!
ثم أمسكت بقوة الصورة الوحيدة الذي كان فيها وحيدا وأشارت بأصبعها نحو وجهه بقوة كادت تخزق الصورة ثم سألتها مجددا بحدة ورعب من اجابتها المنتظرة:
هو مين ده؟
- وريني كده
تلجلجت كلمات سارة وتبعثرت وتوترت حين رأته ولم تفهم شمس شيئا من إجابتها فسألتها للمرة الثالثة بحدة أكبر من سابقتيها:
بقلك مين ده!
همهمت سارة في وجل وذهول:
ده يوسف... معقوله نسيتيه هو كمان!
ابتلعت شمس ريقها الذي شح فجأة وسألتها بصوت متحشرج يحتضر من القلق :
يوسف مين!
أنت تقرأ
ملاكي الساقط
General Fictionدعونا نغوص في أعماق ابليس من شياطين الإنس (الملاك الساقط) أناس يعيشون بيننا نعتقد أنهم ملائكة وهم في الأصل يغلبون الشياطين في خبثهم ،هذه رواية تحذيرية وتعليمية ستعلمكم باذن الله كيفية التعامل مع شياطين الإنس والتلاعب بهم بدلا من تلاعبهم بكم.... ات...
