الجزء الخامس والأخير من الفصل الرابع

56 1 1
                                    

انتظروا الفصل الخامس الأسبوع القادم إن شاء الله
*******
أجابها  بانفعال مبالغ فيه:
الراجل مجاملني فى حاجات كتير وانا كنت مستني أي مناسبة عشان اردله ... وبعدين هو تحقيق ولا أيه! اقلك انا اعديكى على اهلك احسن يربوكى عشان أنا اقرفت منك، مبقتش قادر استحملك
في بيت اهلها تكالب الجميع عليها بعد شكوى زوجها المُرة منها، واتهاماته لها بأنها أنانية حقودة حسودة ولا تحب أحدا من البشر على الاطلاق ولا تتمنى لأحد أبدا الخير خاصة أهله وأقاربه ، ويبدو أن أهلها لم يكونوا بحاجة لبذل كل هذا المجهود الذي بذله زوجها لإقناعهم أن هذه الصفات موجودة في ابنتهم فهم يعلمون ذلك مسبقا عنها ولكنها لا تدري كيف استطاع اقناعها هي شخصيا أنها كذلك ،  لم يعطها أحدا فرصة للدفاع عن نفسها ولو أخذتها ما استطاعت، فالشعور الشديد بالعار من نفسها والخجل من أهلها ألجم لسانها، والأسوأ من ذلك أنها تذكرت شيئا رهيبا فاقشعر بدنها، لقد جال برأسها فجأة الألف محاكمة السابقة المحاكية لهذه المحاكمة الراهنة والتي أعدها لها زوجها سابقا بحضرة أهلها أو أهله أو الإثنين معا، فهذه المحاكمة الظالمة لم تكن أبدا الأولى من نوعها وبالطبع لن تكون الأخيرة، تلك  المحاكمات المجحفة كانت تنصب لها باستمرار طوال الوقت لأجل أسباب تافهة أو حتى أسبابا ملفقة من العدم ، لقد وضعت دائما في قفص الاتهام بلا محامي أو شهود إلا شاهد زور واحد لكنه صادق في نظر الجميع، لذا هي مضطرة طيلة الوقت للدفاع عن نفسها باستماتة لتثبت عكس صحة ما يدعيه، وللأسف دفاعاتها ذهبت دائما سدى، لم يكن أحدا يصدقها أو بمعنى أحرى لم يكن أحدا يستمع إليها، حتى شعرت أنها تدور في حلقة مفرغة أبدية لا مفر منها لذا كفت عن الدفاع عن نفسها بل وبدأت تشك بها ثم وصل شكها  إلى حد اليقين... اليقين بأنها هي دائما وأبدا المذنبة، ولم تكن تلك هي الحلقة المفرغة الوحيدة التي تدور بها بلا توقف كبهيمة معصوبة العينين  حول ساقية مهجورة على أرض بور فكل موقف اقترفه زوجها في حقها كانت تتذكر من أمثاله أضعاف مضعفة وكأن الزمان يعيد نفسه برتابة مرعبة...
تنبيه
لا أحد يلومني على هذا التشبيه الفج السابق فهي من كانت تُشبه نفسها دوما بأنها بهيمة تدور معصوبة العينين حول ساقية مهجورة فوق أرض بور
أعادها اهلها مع زوجها بعد أن وبخوها كالعادة وأمروها بقسوة أن تغير من نفسها إرضاء لزوجها، عادت شمس لمنزل زوجها مصدومة لا تستوعب ما يحدث ولا ما حدث  ولكنها رغم ذلك لامت نفسها على كل شيء وعلى أي شيء ووبخت نفسها بقسوة اكبر من الجميع
في الأيام التالية لهذا الحدث ازداد زوجها ازدراء لها وكذلك جميع من حولهما سواء أهله وأقاربه أو حتى أهلها فازدادت بالتالي ازدراء لنفسها، حتى كادت تختنق لدرجة أنها أحيانا كانت تفقد قدرتها تماما على التنفس وتظل تشهق بقوة شهقات مرعبة طالبة للأكسجين وكأنها في حالة احتضار دائم، لم تعد تستطيع النوم بصورة جيدة وحتى لو غفت من فرط الإجهاد  اصابتها الكوابيس بالفزع فيجافيها النوم مجددا، كوابيسها كانت مليئة بوجه يوسف ولكنه كان كشبح مشوه وكانت مليئة بتلك العروسة التي رأتها أمام البيت الوحيد الذي تذكرت عنوانه أثناء تيهها في شوارع المدينة حين هربت من يوسف لما كانت معه في بيتهما القديم الحديث ومازالت شمس تحاول تذكر من هذه المرأة ولماذا هذا البيت كان مميزا جدا بالنسبة لها، في كل مرة كانت شمس تزور قريبا لها أو لزوجها كانت تتمنى أن يكون البيت المذكور هذا هو بيته وأن ترى تلك الفتاة الغامضة هناك ولكنها لم تجد هذا البيت من جديد أبدا في الواقع ولم ترى تلك العروسة في عالم الحقيقة من جديد مطلقا ...
أُنهكت شمس بقوة جسديا ونفسيا وحتى عقليا في هذه الفترة الغبراء، ازدادت رعشة يدها حدة واصيبت بآلام جسدية ونفسية رهيبة، هي لا تعرف ما سبب كل ما أصابها ولا حتى الطبيب المتابع لحملها يعرف له أسبابا، أحيانا كان يخبرها طبيبها أن كل هذا الذي يحدث لها ما هو إلا بسبب فرط الدلال الذي تحياه فيشمت بها زوجها ويزداد سوءا وازدراء في معاملتها، ظلت شمس طوال شهور الحمل على هذا المنوال حتى آن الآوان وولدت اخيرا مولودتها.
في أثناء حملها كان مراد يرفض معرفتهم لنوع الجنين إيمانا منه بأن رزق الله كله حسن كما أخبرها وأخبر الطبيب وأخبر الجميع ولكنه حين رزق بفتاة جديدة اسود وجهه من الحزن  وهو كظيم وقد انصدمت شمس كثيرا من ذلك لأنه كان طيلة فترة حملها  يعرب لها عن رغبته الشديدة في أن يصبح أبا لفتاة جديدة لأنه لا يحب الفتيان، ولكن لنصبح منصفين، برغم حزنه البادئ لأن المولودة  فتاة وبرغم تجاهله التام المولودة كأنها لم تولد ولم توجد في هذه الحياة إلا أن مراد عاد لطيفا للغاية مع شمس، حتى أنه اعتنى بها وبالمولودة أفضل بكثير من أهلها الذين صدمت فيهم، فبرغم تناوبهم على زيارتها باستمرار للاطمئنان عليها هي والمولودة (سوسن) إلا أنهم رفضوا جميعا الاقامة الدائمة معها في فترة نفاسها لأن أمها مريضة وسوزان لا يجوز أن تبيت في بيت به رجل من غير محارمها برغم أنه حاليا من محارمها وأما سارة فقد رفضت المكوث معها لأسباب غير معلومة  حتى أنها كانت مقلة  جدا في زياراتها واستدعى ذلك معايرة المحيطين لها بإهمال أهلها لها والمولودة في هذه الفترة الحرجة مما أثار حزنها الشديد حتى أنها لم تستطع الفرح باهتمام مراد الشديد بها برغم محاولاته المستميتة لإرضائها، لقد باتت تشعر بأن هناك حاجز وسد منيع  يحول بينهما ويمنعها من الشعور بالامتنان لكل ما يفعله لأجلها وهذا الشعور بعدم الامتنان جعلها تشعر بالسوء دائما من نفسها فقد شعرت أنها كافرة بالعشير كما تخبرها سوزان دوما والجميع، لذا بذلت شمس قصارى جهدها كي تشعر بالامتنان والشكر لزوجها لكنه مهما حاول ومهما حاولت لم تكن  تستطيع أن تأمن له أو تؤمن به من جديد بعد كل ما حدث في السابق، لكن مراد لم ولن ييأس ابدا من تجاهلها لإحسانه وكرم أخلاقه معها فلقد بات يذيد من جرعات اللطف معها والعطاء والإحسان إليها كلما تجاهلته حتى أشعرها أنه سندباد وهي ياسمينته، اركبها البساط بجواره وطار بها بعيدا  نحو  السماء حتي استعادت أخيرا الثقة والأمان، وهذه هي اللحظة بالتحديد التي سحب فيها البساط الطائر من تحتها فسقطت وقطمت جذور رقبتها، سلب منها فجأة أمانها وإيمانها وانتزع منها بضراوة كل  المشاعر الحلوة التي قدمها لها ، هي لا تتذكر لماذا أو أين أو كيف أو متى ولكنها متأكدة أنها كانت لحظات قاتلة، عاد زوجها إلى معاملته اللئيمة لها  فراحت تلوم نفسها وتعاتبها مفتشة ومتسائلة بحيرة عما غيرته في نفسها ليتغير زوجها معها من جديد بهذه الطريقة المرعبة، وبرغم أنها لم تكتشف أي تغيرات كانت قد طرأت عليها تبرر التغيرات الرهيبة التي طرأت على زوجها إلا أنها استمرت في لوم نفسها بشدة لأجل أسباب واهية اختلقتها هي بنفسها كما اختلقت لزوجها أعذارا واهمة أيضا
من ضمن أهم الأسباب التي جعلت زوجها _الذي يشهد له جميع الخلق أنه ملاك_ يتغير عليها إلى هذا الحد المريع هو أنها امرأة خائنة وهو لا يستطيع أن ينسى ذلك أبدا مهما حاول، فهو يحاول دائما أن يعاملها بطبيعته اللطيفة المُحبة كما يعامل الجميع ولكنه يعود ويتذكر خيانتها له مع يوسف، والتي لا تستطيع هي  تذكرها أبدا مهما حاولت، فيدفعه ذلك عنوة للانقلاب عليها فجأة والتراجع الاضطراري عن معاملتها بطبيعته الملائكية بل ويضطره ذلك لمعاملتها كالملاك... الساقط.
في خلال الشهور التالية وصل ازدراء مراد لشمس واحتقاره لها إلى حد الذروة، حيث كان يتعمد اهانتها في كل مناسبة وفي أي وقت وأمام اي أحد وكل أحد وعندما يرضى الله عنها كان مراد يتجاهلها تمام التجاهل ولكن حتى تجاهله المقيت لها كان يميتها
في الأوقات التي كان يقاطعها فيها كان مراد لا يعود للبيت إلا نادرا وحينما يعود يقضي معظم الوقت مع والدته ويتناول الطعام معها لأنه يرفض تناول الطعام من يد زوجته، وعندما كانت شمس تحاول التودد إليه ومحادثته وملاطفته كان يتجاهلها فلا ينظر إليها ولا يحدثها، وفي هذه الأثناء كانت شمس تشعر أنها نجسة وأن المسكين يعاني من ذكرى خيانتها له، شعرت شمس بفراغ عاطفي رهيب وبؤس مضني فباتت تفكر من جديد في عشيقها الغريب
تذكرت( شمس) أيامها الجميلة مع هذا الغريب الذي لا تستطيع تذكره، باتت تحن إليه بقوة لذا لم يعد يفارق مخيلتها أبدا، ضحكاته... نظراته... كلماته...كل هذا هو فقط ما يهون عليها معاملة زوجها القاسية لها وعدم التفات أو تصديق أي أحدٍ لمعاناتها، اسمه بات يطن في أذنها كل لحظة للحد الذي جعلها تنده على ابنها طيلة الوقت بلا أية أسباب منطقية، باتت تشك الآن بقوة أنها أسمته بالفعل (يوسف) تيمنا باسمه، إنها حيلة  ذكية وغبية في نفس الوقت يفعلها كل الخونة منذ قديم الأزل، وهذا ما جعل شمس تشعر بالذنب الرهيب اتجاه زوجها.
احساسها بالذنب الرهيب اتجاهه دفعها للتفكير في الطلاق وتساءلت شمس في نفسها لماذا لم يطلقها زوجها مادام يحتقرها إلى هذا الحد! وكيف تحملها كل هذه السنوات برغم خيانتها المجهولة بالنسبة لها والمعلومة بالنسبة إليه! هل إلى هذا الحد يحبها لذا هو متمسك بها ولا يريد أبدا افلاتها!
**********
انتظروا الفصل الخامس
خمسة عشر يوما في المنفى

ملاكي الساقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن