الجزء الاخير من الفصل الثالث
والجزء الأول من الفصل الرابع
******
كتب يوسف عنوان زوجها ورقم هاتفه تحت اسم استاذ مراد ادريس الالباني المدرس المساعد بكلية الآداب، وكتب اسم والدها سعد سليمان جابر، موجه اللغة العربية المحال على المعاش وتاجر أقمشة حاليا، وتحت الاسم والوظيفة كتب عنوان بيته ورقم الهاتف الخاص به، كتب لها يوسف ايضا رقم هاتف بلا اسم ثم افهمها أن هذا الرقم رقم طبيب نفساني معروف قد يساعدها كثيرا إن أرادت اللجوء إليه، لقد أعطاها يوسف حريتها في أن تعود أو تبقى، وفي أن تظل ناسية أو تتذكر، أنها صاحبة الاختيار الآن
في صباح اليوم التالي وهو اليوم الخامس من المهلة المحددة
مر يوسف على شمس صباحا وهو يخشى من رحيلها واختفاءها من حياته مجددا...
وقد حدث ما خشيه، ففي الصباح وقبل عودة يوسف عادت شمس إلى زوجها ولم تنسى هذه المرة أخذ الدفتر الذي يحتوي على عنوانه معها
احتضنت شمس دفترها وسارت متوجسة في طريق العودة إلى زوجها، وبرغم أنها كانت تفتح دفترها كل دقيقة لتتأكد من العنوان، إلا أنها كانت تشعر بتيه نفسي رهيب، ، ولما وصلت شمس لوجهتها توقفت طويلا تحاول استجماع أنفاسها قبل أن تدق بابه، وعندما فتح لها كان كأنما وجد شبحا أمامه وقبل ان يعطيها أية فرصة لتقول اي شيء، سبها بأبشع الألفاظ متهما إياها بالخيانة والعهر وقبل أن تستوعب صدمتها لطمها وطردها وسحلها على الدرج ثم ألقاها في الشارع أمام الجميع وأكثر ما اوجعها أن كل هذا حدث أمام صغارها اللذين لم يسمح لها باحتضانهما أو حتى لمسهما...
مهزومة مكسورة احتضنت دفترها من جديد وتوجهت إلى بيت أهلها بعدما تأكدت من عنوانهم لأكثر من الف مرة بواسطة الدفتر، سارت شمس تقدم قدم وتؤخر الأخرى وهي تتخيل ردة فعل أهلها وتتذكر كيف تركوها للموت وتخلوا عنها ودون أن تشعر وجدت نفسها ضلت السبيل لتجد نفسها من جديد متوجهة باتجاه بيت يوسف...
دخل يوسف في الصباح ليطمئن إذا ما كانت شمس لازالت في بيتهما ام حدثت الطامة الكبرى ورحلت روحه عنه، ندهها فلم تجبه فانخلع قلبه من محله، ففزع ناحية باب حجرتها ودقه بعنف فاستيقظت شمس من كابوسها مفزوعة تحاول استيعاب ماجرى في منامها وما يجري الآن أمام بابها
تنفس يوسف الصعداء عندما علم أن شمس مازالت هنا معه في بيته... في حجرته... في سريره
تناولا فطورهما سويا وقرر ان يعوضها عن نزهة يوم امس التي لم تتم، فاتصل بمطعمها المفضل وجدد الحجز ووعدها أن يعود قبيل العصر ليصطحبها إليه وسيعد لها مفاجئة أخرى
قبل قرابة نصف ساعة من الموعد الذي اتفقا عليه أخرجت شمس بطريقة عشوائية طقم ملابس من الأطقم التي أحضرها دكتور يوسف ووضعت بعض من مساحيق التجميل التي أحضرها أيضا وتزينت وتعطرت من ثم خرجت إليه بكامل زينتها ففتح فاهه مندهشا من جمالها النادر ولكن شمس لم تلحظ افتتانه بها فقد كانت مشغولة الفكر تسترجع الكابوس الذي حلمت به في الصباح وتتسأل في نفسها هل حقا زوجها بتلك البشاعة التي يصفها يوسف والتي بانت لها في حلمها الرهيب هذا الصباح، أم أنها هي حقا الخاطئة، هل علاقتها بيوسف بريئة حقا كما يدعي! إذا لماذا يستقر بقرارة نفسها كل هذا الشعور بالعهر المقيت!
أمام المطعم بعدما أوقف السيارة ترجل، ذهب مسرعا ناحية بابها ثم فتح الباب وهو مطأطأ الرأس مائلا نحوها بوقار ويده الأخرى الغير ممسكه بباب السيارة مفرودة ناحية المطعم في مشهد كلاسيكي معتاد في الأفلام الأجنبية القديمة والعربية أيضا، يحدث هذا دائما ما بين السائق وبين سيدة راقية من الطبقة الأرستقراطية، ابتسمت شمس من هيئته العجيبة برغم ضيقها وفي أثناء مصارحتها له بأنها لم ترى مثل هذه المشاهد إلا في الأفلام السينمائية اتضح لها أن الواقف أمامها ليس يوسف حبيبها بل هو مراد زوجها والذي قفز من ذاكرتها فجأة ليشتت خواطرها أكثر من تشتتها، سارت شمس مسرورة مع مراد الممسك بيدها في ود جميل واولادهما أمامهما يقفزان ويمرحان في سعادة، يوسف البالغ من العمر خمسة أعوام وسوزان التي تجاوزت السابعة بشهور قلائل، في المطعم جلس الأب والأم حول الطاولة، طلب لها مراد جميع أصناف الطعام التي تفضلها، على عكس يوسف الذي يطلب لها الآن الأصناف التي لم تعتاد ابدا على تناولها مثل مثلا الدجاج (بصوص البيكاتا)، فهي تتناول الدجاج على طريقة( البانية) وليس بهذه الطريقة، وهذا اكبر دليل على أن يوسف كاذب، هو لا يعرفها حقا ولا يعرف ما تحب ولا ما تكره ، عندما حضر الطعام راح زوج شمس يطعمها بحنان في فاهها مثلما يحاول يوسف أن يفعل الآن ولكنها أبت تناول الطعام من يوسف على عكس ردة فعلها مع زوجها، كانت شمس تتناول الطعام من زوجها في فاهها بسرور وامتنان في حين راح طفلاهما يلعبان في الركن الخاص بالأطفال مثلما يلعب كل هؤلاء الأطفال الذين تراقبهم شمس الآن في شوق وحنين قاتل وكأن ولديها بينهم، لقد كونوا هي وزوجها وولديها أسرة صغيرة وسعيدة بلا أدنى شك، أن يوسف مدلس كاذب... ولكن إذا كان كذلك فلماذا مازالت شمس تشعر دائما في قرارة نفسها بالعهر والعار!
بعد تناولهم الغذاء، اشترى يوسف لشمس هاتف جوال جديد باهظ الثمن ولم تشعر شمس أبدا بذرة شكر ولا امتنان له، أنه مجرد وصمة عار في حياتها.
عندما عادا إلى البيت قررت شمس البحث عن زوجها على مواقع التواصل الاجتماعي حسب الاسم الذي سجله يوسف في الدفتر باستخدام الهاتف المحمول الذي اشتراه من توه لها ليسليها في أثناء وحدتها، وبعد بحث طويل وجدت شمس حسابه على الفيس بوك.
عندما قرأت شمس الوظيفة من جديد، تذكرت كل شيء، تذكرت قصة حبهما الجميلة، وايقنت أن يوسف كاذب... ام انها حقا عاهرة!
إن زوجها يعمل في نفس الكلية التي تخرجت منها، لقد كان أستاذها...
من أول يوما لها في الجامعة لفت نظرها هذا الشاب الوسيم الذي يكبرها بعامين، لقد تمنت ان يكون هو وحده ولا سواه زوجها في المستقبل القريب، ولم تكن هذه أمنيتها لوحدها بل كانت أمنية أكثر من نصف الفتيات في الجامعة وازدادت الفتيات وكذلك شمس إعجابا به وملاحقة له خاصة بعدما تعين معيدا في جامعتها، واحتدمت المنافسة بينهن واشتد احتدامها وبرغم خجلها المبالغ فيه وانطوائها وبرغم جرأتهن المبالغ فيها وتعمدهن لفت نظره نحوهن إلا أنه اختارها هي فقط من بينهن جميعا لتصبح رفيقة دربه وشريكة حياته، لقد اختار شمس بعناية فائقة، واعتنى بحبهما منذ رزقه الله بحبها.
عندما تقدم مراد لخطبة شمس رفضه أهلها لأسباب غير معلومة ولكنها بكت وانتحبت وهددتهم بأن تجهز على حياتها وتقتل نفسها إن لم تقترن به كزوجة، لقد كانت تلك فرصتها المثالية للارتباط بشخص مثالي لامثيل له وقد أثبتت لها الايام بعد ذلك صدق حدسها، واضح أيضا هنا على حسابه أمامها أنه صاحب مكتبة كبرى يبيع فيها اغراض شتى، لقد افتتح هذه المكتبة ليحسن دخله من أجلها وأجل أولادها ولم يكتفي بعمله في سلك التدريس بالجامعة، كم هو مكافح!... أنه كاذب، لم يكن أيا مما ذكره يوسف لها عن زوجها صحيحا... " لابد أنه شخصا مختل مريض احتال علي ليخطفني، ربما حتى الإقرار الذي أراني إياه إقرار مزور ليوهمني أن اهلي وزوجي قد تخلوا عني" هكذا فكرت شمس، شمس ستجن من ضراوة التفكير، عليها أن تتصل بالطبيب النفساني الذي أخبرها عنه يوسف.
سجلت شمس رقم الطبيب النفساني على هاتفها الجديد بلا اسم كما هو مسجل في دفترها بلا اسم وهمت بالاتصال به... ولكنها لا تعرف اسمه، لماذا لم يكتب لها يوسف اسم الطبيب النفساني الذي أخبرها أن هذا الرقم رقم هاتفه!
بعدما أدركت شمس هذا الأمر شعرت بالأحراج كونها لا تعلم اسم الطبيب الذي اتصلت به فهمت بإنهاء الاتصال قبل أن يكتمل، ولكنه رد عليها، أن صوته مألوف للغاية، أنها تعرف هذا الصوت جيدا، أنه ليست طبيبا نفسيا أنه...
انه يوسف، ياله من مجنون! لماذا أخبرها أن هذا الرقم رقم طبيب نفساني هو يعرفه ما دام هذا هو رقمه أيضا! أغلقت شمس المكالمة وهي مصدومة دون أن تنطق ببنت شفه، هي لاتفهم ماذا ينوي هذا الرجل أن يفعل.
سجلت شمس رقم هاتف زوجها وهمت بالاتصال به لينقذها من هذا المجنون ولكنها خافت وترددت أيضا فلم تتصل وفعلت نفس الشيء حينما همت بالاتصال بأهلها بعدما سجلت رقم هاتف والدها في هاتفها الجديد
مر اليوم التالي بطيء ممل وقد كان هذا هو اليوم الأول من بعد هروبها من المستشفى الذي لم يزورها يوسف قط فيه، ربما لأنه أدرك أنها أدركت أنه كاذب يتلاعب بها، ولكنها جاءها في هذا اليوم بالتحديد زائر آخر غير متوقع بالمرة، هذا الزائر دفعها لجمع كل اشيائها واشلائها والعودة فورا، عادت شمس إلى زوجها قبل انتهاء اسبوع المهلة بيوم واحد
في اليوم الأخير قبل انقضاء المهلة المحددة من قبل أهلها، توجه يوسف إلى بيت شمس وهو يحضر اعتذارا مناسبا ليقدمه لها مع باقة زهور الجوري التي تفضلها والتي أحضرها لها
سيقص عليها كيف استيقظ متأخرا جدا بالأمس شاعرا بالثقل والوخز في أطرافه وكيف اتصلوا به من المستشفى واستدعوه على الفور لأن هناك حالة طارئة في انتظاره فاضطر للذهاب إليهم دون المرور عليها، وكيف توالت بعد ذلك الكشوفات الطارئة والعمليات حتى تأخر الوقت، وهو لا يدري من أين قدمت إليه كل هذه الحالات التي عطلته عن زيارته المسائية لها ايضا
دق يوسف جرس الباب الخارجي فلم يتلقى أي رد، ففتح بنسخة المفتاح التي بحوزته ودلف إلى الداخل مفزوعا وراح يبحث عنها كالمجنون ولكنه لم يجدها
كان يوسف يعلم علم اليقين أنها سترحل من جديد وستتركه يوما ما ولكنه لم يكن يدري أن هذا اليوم سيأتي سريعا هكذا، شمس رحلت ولن تعود، رحلت للأبد
ارتمى بائسا يائسا من جديد على الأريكة في مقابل التلفاز ووجدها قد نسيت دفترها هذه المرة أيضا، لم تأخذ منه غير الورقة المكتوب بها العناوين وأرقام الهواتف المحمولة التي تخص زوجها ووالدها
بعد تأمل يوسف لدفترها ألقاه على المنضدة وهو في قمة الاحباط، ثم شعر بهبوط مفاجئ فأغلق الإضاءة ليحصل على قسط من الراحة فوق نفس الأريكة، وفي الظلام لفت انتباهه شيئا يلمع تحت المنضدة، فحمله في جيبه وعاد إلى منزل أبيه والدم يكاد ينفجر من عروقه من شدة الغضب
في طريق العودة راح يراجع في عقله ما حدث بالأمس...
بالأمس أعدت روان ليوسف الشاي ومن ثم جلسا يتسامران في حزن على حبهما الموءود، وفجأة شعر يوسف بنفس الثقل والوخز في الأطراف الذي كان يشعر به بدرجة أقل عندما استيقظ اليوم ظهرا فخلد الى النوم كأنه غاب عن الوعي ،وفور استيقاظه الثقيل أتاه اتصالا من المستشفى ينبئه بأن هناك مريض بحالة حرجة ويرفض بشدة التداوي على يد أي طبيب آخر، وعندما ذهب وجد بدلا من الحالة المذكورة عشرة حالات اضافية
*****
عندما عاد يوسف إلى المنزل وجد روان تبحث بنهم عن الحجر الكريم اللامع الذي كان ملحقا بخاتم الخطوبة وقد سقط منها بالأمس في بيت شمس ويوسف عندما زارت شمس تلك الزيارة المفاجئة الغير متوقعة
أخرجه يوسف من جيبه بغضب ثم سألها بازدراء: بتدوري على ده
*****
لا توجد ابدا أية جريمة كاملة فدائما ما يقدر الله أن يترك الجاني خلفه دليلا وأثرا ليدل عليه، لذا لم تجد روان بداً من الاعتراف بجريمتها
لقد وضعت روان ليوسف منوما في الشاي الذي قدمته له اول امس لتستطيع تنفيذ مخططها الآثم بالتعاون مع والده الذي شغله بالأمس كلما امكنه، وبعد ظهر أمس ذهبت روان إلى شمس وحكت لها قصة حبهما هي ويوسف العظيمة الأسطورية والتي لم ولن يرويها لها يوسف مطلقا، حكت روان أيضا لشمس قصة بحث أهلها عنها بعدما علموا بإفاقتها واخبرتها بالمشكلة التي احدثوها في المستشفى بسببها ولأجلها وأيضا عن ضرب زوجها ليوسف عشيقها وانبأتها بتهديدهم الصادق والذي يهدد مستقبل عشيقها ووالده والمستشفى بأسرها وكل من فيها، اعلمتها روان بالكذب أن هذا اليوم هو اليوم الأخير من المهلة المحددة من قبل أهلها وعليها أن تنصرف الآن وفورا وإلى الأبد من حياة يوسف خطيبها إذا كانت تريد النجاة له ولها وللجميع...
قالت روان لشمس كل ما قالته ثم تركتها لضميرها ورحلت...
توتر روان أثناء حديثها مع شمس جعلها تعبث بخاتم ودبلة الخطبة طوال وقت مكوثها معها أو ربما تعمدت فعل ذلك للفت انتباه شمس للخاتم الأنيق باهظ الثمن الذي أهداه لها يوسف في حفل خطبتهما
لم تكن روان تعلم أنها بعبثها المتوتر أو المتعمد بخاتم خطبتهما ستترك أثرا لخطيبها العاشق لغيرها ليدله عليها، بعد شجار حار دار بين يوسف وروان ولم تستطع أمه السيطرة عليه قام يوسف بحزم كل أغراضه وملابسه وذهب للعيش في المنزل الذي كان قد تأجره لشمس، سيلتمس هناك اثر روائحها الذكية وضحكاتها العطرة ونظراتها البريئة وابتساماتها الجميلة...
فتح دفترها من جديد وراح يقلب فيه مستذكرا بعض ذكرياتهما القليلة معا والتي نوهت عنها في ذلك الدفتر، وهنا توقف مصدوما أمام الصفحات التي سردت فيها قصة حبهما الخالدة هي وزوجها وتحدثت فيها عن شهامته ورجولته وحبه لها
لم يتحمل يوسف قراءة المزيد وقرر الانتقام من الرسمة التي رسمها سابقا لوجه شمس لأنه لا يستطيع الانتقام من شمس نفسها أبدا فأمسك القلم الذي كانت شمس تضعه دائما في قلب الدفتر وراح يشخبط على رسمة وجهها حتى اختفت كل ملامحها تقريبا وتشوهت مثلما اختفت شمس من حياته للمرة الثانية وشوهت قصة حبهما الجميلة ثم اغلق الدفتر بعنف وغيرة وغضب ثم اتصل بصديق له يعمل بإحدى المستشفيات الخاصة النائية طالبا منه البحث له عن وظيفة طبيب شاغرة في المشفى التي يعمل بها، كان صديقه يود أن يخوض في تفاصيل المشكلة الكبيرة التي حدثت بينه وبين والده ودفعته لترك العمل في مشفاه الشهير ولكن يوسف منهك للغاية نفسيا وجسديا ولا يستطيع الخوض في أية تفاصيل...
بعدما اغلق الخط مع صديقه على عجل راح يتصفح من جديد ما كتبته شمس في الدفتر بعدما تأمل مليا هذه الحكمة الملهمة المكتوبة على غلافه من الأمام بالعربية ومن الخلف بالإنجليزية
"لكي تتبع النور يجب أن تتعلم كيف تسير في الظلام"
صعق من جديد عندما قرأ حكاية الكابوس الذي حلمت به شمس عن رد فعل زوجها واهلها عندما عادت، وهذا بالضبط ما يتوقع حدوثه، بعدها ستعود شمس من جديد إليه خائبة بعد أن ينبذها الجميع، ولكنها لم تجده هذه المرة، أنه فرصتها الضائعة للأبد
فتح يوسف الصفحة الأخيرة من الدفتر ودون لها رسالته الأخيرة
اعلم انك ستصدقينني يوما ما وتعودين يوما ما بعدما تدركين كل الحقائق ولكنك لن تجديني حينها... لن تجديني ابدا من جديد...
وقد كتب المزيد، ثم وضع الدفتر خلف المنزل حاشرا إياه ما بين ماسورة الصرف الصحي وحائط المنزل، وهو على يقين أنها ستجد طريقها إليه... يوما ما
حصل يوسف على عمل مع صديقه المذكور ولكنه أصيب بعدوى كورونا قاتلة فور استلامه للعمل...
************
الفصل الرابع
على محك الحياة
على غير المتوقع منه، استقبل زوج شمس زوجته استقبال الفاتحين هو والجميع بما فيهم أهلها بالطبع، لقد كادوا جميعا أن يطيروا من السعادة فرحا بعودتها، لم يسألها أحدا أبدا أين كانت ولا مع من كانت ولا كيف ولا لماذا عادت، حتى أنهم لم يسألوها عن الاشياء التي عادت بها ولم يسألها أي أحدا عن كيفية حصولها على كل هذه الملابس الأنيقة والجوال الباهظ وأدوات ومواد التزين الغالية...
في خلال أسابيع عاشتها في سعادة مع زوجها وأهلها لم يأتي أحدا أبدا على ذكر يوسف ولو لمرة واحدة وهذا ما أكد لها صحة النظرية التي تبنتها في كونه مجرد خاطف مجنون ومدعي ولديها دليل آخر على ان يوسف مجرد مهووس شاذ هوى جثة متزوجة وهذا الدليل هو قصة حبه العريقة مع روان، أنه متعلق بها منذ كان عمرها عامين فقط فكيف ومتى دخلت شمس إلى حياته، هل عليها أن تصدق حقا أنهما احبا بعضهما في الروضة، أنه مجنون حقا!
كل حديثه معها كان لا يمت للمنطق بصلة فمراد زوج شمس يعاملها بلطف شديد وهما يعيشان معا حياة زوجية مستقرة ورائعة فلماذا تطلب الطلاق من زوجها أو تحب سواه!
برغم أن مراد يشبه الملائكة كثيرا شكلا وموضوعا ولم يقصر مع شمس أبدا في أي ناحية من النواحي إلا أن شمس كانت احيانا تشعر ببعض المشاعر المقيتة الغريبة الغير مبررة كالشعور بالوحدة والغربة والحزن والألم النفسي والجسدي ولقد ظنت أن كل هذا بسبب طول الفترة التي قضتها في الغيبوبة وبسبب فقدانها الذاكرة أيضا ولكنها عندما طلبت من زوجها متابعة حالتها بعد الغيبوبة في مستشفى دكتور ياسر رفض هذا رفضا قاطعا بأسلوب فظ، شعرت شمس بالندم لأنها طلبت من زوجها زيارة مستشفى دكتور ياسر ليس فقط من أجل استعادة عافيتها بل لأجل رؤية يوسف المجهول من جديد لأنها احيانا كانت تشعر ببعض الشوق له، ولتثبت شمس لنفسها ولزوجها أنها ليست خائنة طلبت منه أن تذهب لمتابعة حالتها مع أي طبيب آخر بعيدا عن مستشفى دكتور ياسر ولكن الغريب أنه رفض أيضا والأدهى من ذلك أنه يرفض تماما أن تذهب لطبيب نفساني لمعالجة ذاكرتها و يتشابه مراد مع يوسف كثيرا في كونه يرفض اخبارها أي شيئاً عن ماضيها أو تذكيرها بأي أمرا يخصها وعلى عكس ما فعله يوسف، هو لم يجهد نفسه أبدا لإبداء أي مبرر لهذا، كان فقط يقول لها" انا قلتلك ميت مرة اسمعي كلامي من غير ما تجادليني انا افهم اكتر منك في الدنيا ومش عايز غير مصلحتك"
تعرفت شمس على أهلها من جديد وقد سعدت كثيرا بأن لديها من الإخوة ثلاثة من بينهن فتاتين بحيث يمكنهن أن يصبحن صديقات
سوزان الأخت الكبرى التي تكبرها بخمسة سنوات تخرجت من كلية دراسات اسلامية وقد تزوجت لما يزيد من عشرة سنوات من شخص ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين وقد قضى نحبه في السجن اثر وعكة صحية اصابته، وبعد دخولها السجن هي الأخرى لفترة وجيزة حصل أخو زوجها _الذي كان يمقت اخيه (زوجها) مقتا شديدا هو وكل جماعته_ على حضانة أولادهما وعادت سوزان وحيدة بعد خروجها من السجن للعيش في منزل والديها المكلومين في ابنتهما وفيما حدث لها
سارة
الاخت التي تلي سوزان وتسبق شمس في ترتيب الاخوات، سارة كانت في ذات الجامعة وذات الكلية مع شمس، لقد كانت زميلة لزوج شمس طوال سنوات الدراسة حتى في الجامعة حيث تكبر شمس بعامين وسارة لم تتزوج حتى الآن لأسباب غير معلومة
الأخ الأصغر
سليمان، وهو يصغر شمس بأقل من عامين، انه الفتى المدلل في العائلة، بحيث يستحوذ على جل اهتمام والديه اللذان يفرطان بشكل مستفز في تدليله، ومن ضمن مظاهر التفرقة العنصرية بينه وبين أخواته الفتيات استقلاله وحده بحجرة فارهة، في حين حصل الفتيات الثلاثة على أضيق غرفة في المنزل ولم تغادر هذه الغرفة في الوقت الحالي سوى شمس، والتي افسحت لهما مساحة صغيرة في الغرفة ولكنهما سعيدتين كثيرا بها
في أول زيارة لها عند اهلها رأت شمس صورة للمرأة العجوز والرجل اللذان كانا يبتسمان لها في الشارع عندما تاهت وهي تحاول الهرب من يوسف عشيقها، وعندما سألت عنهما أخبروها أنهما جدتها وجدها المتوفيان منذ أكثر من ثلاثة اعوام، تسمرت شمس في محلها من الصدمة ولكنها لم تخبر أحدا أنها رأتهما وكأنهما أحياء كي لا يتهمها أحدا بالجنون، نست شمس هذه الحادثة الغريبة سريعا بسبب لطف الجميع معها ولكن في حين كان الجميع لطيفا ودودا معها لاحظت شمس أن علاقتها بطفليها غريبة نوعا ما ولا تتشابه كثيرا مع علاقة أي أم طبيعية بأبنائها، فلقد شعرت شمس دائما بنفورهما منها مهما حاولت التقرب منهما وهذا ما جعل غريزة الأمومة لديها مضطربة غير مشبعة مما دفعها لارتكاب جريمة جديدة في حق نفسها وحق البشرية
يوم ٢٠/٤/٢٠٢١
في ذكرى مولدها الأولى بعد الثلاثين؛ فاجئها زوجها بصندوق مزين ممتلئ بالكثير من الهدايا الرائعة التي سعدت بها كثيرا... راحت شمس تتأمل الملابس وأدوات الزينة التي أحضرها لها زوجها فاختفت بالتدريج ابتسامتها التي كانت تملأ وجهها، أنها من نفس الماركات والبرندات التي اخبرها يوسف أنها المفضلة لديها... ولكن لا ضير في ذلك ربما هي مجرد صدفة، قاومت شمس وساوسها كي لا تضيع فرحتها بهدايا زوجها، ومن حسن الحظ أنها كانت تعد له مفاجئة هي الأخرى، أمسكت بيده ووضعتها على بطنها، لقد خبأت له في حشاها هدية، أنه جنين أتم شهرا في رحمها... سعادة مراد بهذا الخبر فاقت الوصف وكأنه الحمل الأول لها...
" اخيرا ياشيخة دانا كنت قربت اجوز عليكي عشان اخلف تاني... بس انتي ايه اللي خلاكي تغيري رايك في الخلفة ! دانتي كان مخك حجر"
تبدد سرور شمس من جديد وتغيرت ملامحها عندما علمت من مراد أنها كانت ترفض الإنجاب من جديد بشكل قاطع، تساءلت شمس في نفسها عن أسباب ذلك ولكنها لم تتذكر أي إجابة...
طلب مراد من شمس أن تسير أمامه، اغمض كلتا عينيها بكلتا يديه وهو يدفعها للأمام نحو غرفة الاستقبال؛ أوقفها أمام طاولة الطعام الكبيرة المستطيلة وسحب يده في سرور ولكن شمس صعقت من هول المفاجئة حيث وجدت كعكة كبيرة من (التشيز كيك) على الطاولة مزينة بصوص العرق سوس، فسألت زوجها متلجلجة متوترة عن سبب احضاره هذه الكعكة العجيبة بدلا من الكعكة العادية فأجابها:
جرالك ايه ياشمس! انت مبتحبيش التورته العادية، انت مبتكليش غير التشيز كيك وهوا ده الصوص اللي بتحبيه... احنا كل سنه بنعملك كده... بقالنا مية سنه ع النظام ده!
مية سنه!
ضحك زوجها وهو يقول:
اتخضيتي ليه كده ياهبلة انت صدقتي انك عندك ميت سنة
" امال انا عندي كام سنة!
سألته شمس في وجوم مختبرة مدى صدق يوسف
" عندك واحد وتلاتين سنة، فيه ايه يابنتي مالك! ماعندك شمعة اهية مكتوب عليها واحد وشمعة جنبها مكتوب عليها تلاتة يعني واحد وتلاتين، ولا نسيتي الارقام كمان..."
ابتلعت شمس ريقها الغس وهي تسأله عن تاريخ اليوم، فأخبرها أن اليوم هو العشرون من شهر أبريل
لا! ليس معنى هذا كله أن يوسف صادق، كل هذا مجرد معلومات عامة ويمكن لأي شخص أن يعرفها عنها، ربما يوسف يراقب حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي وبالتأكيد حصل على كل هذه المعلومات منها.
هذا ما قالته شمس لنفسها كي تطمأنها وتصرف فكرة العهر من ظنونها برغم أنها في قرارة نفسها باتت تصدق يوسف قليلا الآن
![](https://img.wattpad.com/cover/372472731-288-k227577.jpg)
أنت تقرأ
ملاكي الساقط
General Fictionدعونا نغوص في أعماق ابليس من شياطين الإنس (الملاك الساقط) أناس يعيشون بيننا نعتقد أنهم ملائكة وهم في الأصل يغلبون الشياطين في خبثهم ،هذه رواية تحذيرية وتعليمية ستعلمكم باذن الله كيفية التعامل مع شياطين الإنس والتلاعب بهم بدلا من تلاعبهم بكم.... ات...