51

29 2 0
                                    

نزل أوليفر بهدوء من أعلى الدرج، خطواته كانت هادئة ولكنها واثقة، عيناه تبحثان حول القصر وكأنه يتفقد شيئًا ما. بنظرات متفحصة، لم يكن أي شيء في القصر يمر من أمامه دون أن يلاحظه. فور أن وطأت قدماه الأرضية السفلية، التفت نحو الصالة. وهناك، كانت إيلا متسطحة على الأريكة، جسدها مغلف ببطانية لا يظهر منه سوى رأسها، بينما كانت عيناها مركزتان على هاتفها.
تنهد أوليفر بصوت منخفض، وناداها بنبرة
هادئة: إيلا...
سمعت إيلا صوت أوليفر، فأنزلت هاتفها سريعًا لتنظر إليه. كان يرتدي بدلته الرسمية التي تميز بها دائمًا، مع معطفه الداكن الطويل الذي كان يعكس هيبته المعروفة. علمت حينها أنه كان يستعد للذهاب إلى العمل.
بسرعة، استقامت إيلا من وضعيتها على الأريكة وركضت نحوه بخفة، وقفت بجانبه، وعيناها تملؤهما البهجة والاهتمام. لم يكن هناك أي شيء مهم أكثر في تلك اللحظة من وجود أوليفر بجانبها. بابتسامة لطيفة وهادئة، نظرت إليه، ورفعت رأسها قليلاً لتلتقي عيناها بعينيه.
تحدث بصوت هادئ ودافئ، وكانت الابتسامة لا تفارق شفتيه: لن أتأخر الليلة، حسناً كانت كلماته مليئة بالحنان، وكأنه يود أن يقول لها أن تنتظره الليله.
أومأة له ببطء وخجل، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيها. اقترب منها بخطوات بطيئة، وانخفض قليلًا حتى وصل لمستواها، قبل أن يطبع قبلة رقيقة على شفتيها.
بعد أن ابتعد قليلًا، نظر إليها بنظرة مليئة بالعناية وقال بصوت هادئ: عندما يعود أزان، أخبريه أن يتصل بي، حسناً؟

إيلا ابتسمت بسعادة: حسناً. أجابت بابتسامة مشرقة، ولم تستطع إخفاء الفرح في نبرتها.
استدار أوليفر مستعدًا للذهاب، لكن إيلا، بمرح طفولي وحب واضح، أوقفته قبل أن يغادر تمامًا. "أوليفر..." قالت وهي تنظر إليه بنظرة مليئة بالحب. التفت إليها مرة أخرى، عينيه تملؤهما الفضول. أكملت بمرح: لا تنسى أن تحضر ما وعدتني به...
ابتسم أوليفر بشكل طفيف، تلك الابتسامة التي كانت تميز ملامحه القوية. كان يعرف ما تقصده. الشوكولاتة، صحيح؟ أجاب بهدوء، وأضاف: حسناً، لن أنسى.
ثم استدار مرة أخرى، وبدأ يغادر ببطء. راقبته إيلا وهو يسير مبتعدًا، حتى اختفى تمامًا عن نظرها، كان هناك شعور بالفراغ الطفيف يملأ قلبها بعد مغادرته، لكنه كان مؤقتًا. بمجرد أن تلاشى، ركضت مجددًا نحو الأريكة بحيوية، وكأنها عادت لطفولتها. تسللت تحت البطانية مرة أخرى، مستمتعة بالدفء، وأمسكت بهاتفها لتغرق فيه من جديد.

_____♡♕_____♡♕_____♡♕____

كانت ميلان لا تزال جالسة على الأرض، جسدها متصلب من البرد والقلق، وتمرير إصبعها على التراب كان الطريقة الوحيدة التي استطاعت بها تشتيت نفسها عن الخوف الذي كان يسيطر عليها. كانت تحسب بصوت منخفض، وكأن تلك الأرقام التي ترددها تمنحها بصيصًا من الأمل : 201، 202، 203.... كانت تلك الأرقام تخرج من فمها
بصعوبة، نبرتها متعبة وحزينة، وعينيها اللتين كانتا غارقتين في البكاء أصبحتا الآن حمراوتين، وكأن الدموع جفت تمامًا، وتركت آثارها على وجهها الشاحب.
ملامحها كانت تُظهر كل ما مرت به في تلك اللحطه. شفتيها كانت مرتجفة بسبب البرد، وبشرتها التي عادة ما تكون ناعمة، أصبحت الآن أشد بياضًا من البرد، خديها حمراوان وأنفها الصغير تحول إلى لون أحمر أيضًا بفعل الصقيع. شعرت بدوار شديد يجتاح رأسها. بدأت تتمايل قليلًا ثم فقدت توازنها وسقطت على الأرض، لتسند نفسها بيدها سريعًا. أنفاسها كانت متسارعة، لكنها حاولت تهدئة نفسها، رغم أن البرد كان يتسلل إلى عظامها.
نظرت حولها في تلك الغابه، حيث الأشجار العالية كانت تحيط بها وكأنها أسوار من الصمت. شعرت بأن الوقت يتوقف، وكأن كل دقيقة تمر أشبه بساعة. كانت تشعر بالعزلة، والبرد القارص زاد من شعورها بالخوف. فجأة، تذكرت الورقة التي وجدتها في العلبة. أخرجتها بيدين مرتعشتين، وهي تحاول التركيز، على الرغم من التعب الشديد الذي كانت تعاني منه.
فتحت الورقة الثانية ببطء، وعينيها الحمراوتين كانت تراقبان الكلمات التي كانت مكتوبة بخط غريب وغير مفهوم. قرأت بصوت خافت، لكن الكلمات
كانت ثقيلة على لسانها: إنها ملكي، سوف آخذها قريباً....
توقفت للحظة، تحاول استيعاب ما قرأته. شعرت بأن قلبها ينبض بسرعة أكبر، وأفكارها بدأت تتلاطم في رأسها. كانت الكلمات غامضة، لكنها حملت معها تهديدًا مخيفًا. بدأت تتساءل في نفسها، وصوتها يرتجف من الخوف: من يقصد بملكه؟ هل يتحدث عني؟ يا إلهي... هل هذا الرجل مجنون؟ كيف يعرفني؟ لماذا أنا؟
كانت الأسئلة تتكاثر في عقلها بشكل سريع، لكن كل تلك الأفكار قطعت فجأة بصوت سيارة قادمة من بعيد. كان الصوت متزايدًا في السرعة، وكأنها تقترب منها بسرعة كبيرة. رفعت رأسها بسرعة لتنظر نحو الطريق، الصوت كان يقترب أكثر فأكثر، وزاد من اضطراب قلبها.
تحدثت بصوت خافت لنفسها، وعينها مليئة
بالقلق: من يمكن أن يكون؟ هل هو هو؟ هل عاد ليأخذني؟
تراقب السيارة القادمة بصمت، وجسدها يرتعش من البرد. عندما توقفت السيارة فجأة بجانبها، شعرت بالارتياح، وكان قلبها يخفق بشدة، ولكن هذه المرة لم يكن من الخوف، بل من الراحة. على الفور، نزل أدريان من السيارة بسرعة واندفع نحوها بملامح يكسوها القلق. انحنى أمامها لينزل إلى مستواها، وعينيه كانتا تملأهما الحنان والخوف. أمسك بخدها بلطف، كأنه يريد أن يتأكد من أنها بخير، ثم قال بصوت هادئ ومليء بالقلق: أنتِ بخير؟ هل حدث لكِ شيء؟
نفت ميلان برأسها ببطء، وشفتاها الزرقاوتان ترتعشان من البرد، لتتمتم بصوت خافت
ومتعب: فقط... خذني من هنا... أشعر أن أطرافي تتجمد.
كانت كلمتها محملة بالتعب، والجسد المرهق كان يئن من البرد القارص. همهم أدريان بصوت منخفض وعينيه مليئتين بالحنان والقلق، قبل أن يميل ليساعدها على الوقوف. كانت ساقاها ضعيفتين لدرجة أنها بالكاد استطاعت الوقوف دون مساعدته. حملها بذراعين قويتين، ووجهه يعكس كل القلق
الذي يشعر به عليها. فتح باب السيارة بلطف
ووضعها داخلها بحذر، كأنها شيء ثمين يحتاج إلى العناية.
أسندت ميلان رأسها على المقعد، وعينيها أغلقت للحظة وهي تشعر بالدفء أخيرًا يغمر جسدها بعد أن كانت تعاني من البرد لوقت طويل. أدريان لم يبتعد على الفور، بل انخفض لمستواها مرة أخرى ونظر في عينيها ليتأكد مرة أخرى أنها بخير. بصوت هادئ ومطمئن، سألها: أنتِ بخير الآن؟
أومأت له برأسها، مبتسمة بخفة رغم التعب الذي كان يثقل ملامحها. كانت تعلم أنه لن يهدأ حتى يتأكد من سلامتها بالكامل. اقترب منها أكثر، وقبّل جبينها بلطف، وكأن تلك القبلة كانت وعدًا منه بأنها ستكون بخير، وأنه لن يتركها مهما حدث. ميلان شعرت بدفء يملأ قلبها، ابتسمت بهدوء، ممتنة لاهتمامه وخوفه عليها.
أغلق أدريان الباب بلطف، ثم صعد بسرعة إلى مقعد السائق بجانبها. استدارت ميلان برأسها لتنظر إليه، وابتسامة صغيرة لا تزال ترتسم على شفتيها. كان أدريان يرمقها بنظرة مليئة بالحنان والاطمئنان، ثم مد يده ليُمسك بشعرها بلطف، يمسح عليه بحركة هادئة وحنونة. لم يستطع مقاومة رغبته في حمايتها، فسحبها برفق نحو صدره. استسلمت ميلان لحركته ووضعت رأسها على كتفه، تشعر بالراحة لأول مرة منذ وقت طويل.
بينما كانت رأسها على كتفه، بدأ أدريان يمسح على ظهرها بيده بلطف، كأنه يحاول طمأنتها أكثر. كل حركة منه كانت تعبر عن رغبته في حمايتها من كل شيء سيئ قد يحدث. في تلك اللحظة، لم يكن هنالك أي شيء آخر مهم. كل ما كان يهمه هو أن تكون ميلان بخير.
السيارة انطلقت ببطء في الطريق المؤدي إلى القصر، وكل لحظة كانت مليئة بالهدوء والراحة. ميلان كانت تغلق عينيها وهي تستمتع بدفء جسده بجانبها، بينما أدريان ظل ممسكًا بها بلطف، وكأن حضنه كان المكان الوحيد الذي تشعر فيه بالأمان. لم يتبادل الاثنان أي كلمات، لأن الصمت كان كافيًا للتعبير عن كل شيء.
عندما وصلوا إلى القصر بعد عدة لحظات، كانت ميلان قد غفت بين ذراعيه، تشعر أخيرًا بالراحه. توقف أدريان أمام بوابة القصر، لكنه لم يوقظها على الفور. بقي صامتًا للحظة، ينظر إليها وهي تغفو بهدوء، وابتسامة صغيرة ترتسم على وجهه. كانت بالنسبة له أكثر من مجرد شخص يحتاج إلى الحماية، كانت تلك الفتاة التي كان مستعدًا لفعل أي شيء من أجلها.
أخيرًا، نزل أدريان من السيارة بهدوء، ثم دار حول السيارة ليفتح الباب حيث كانت ميلان جالسة. حملها مرة أخرى بلطف بين ذراعيه، كأنها طفلة صغيرة تحتاج إلى العناية. دخل بها إلى القصر بخطوات هادئة، وكل خطوة كان يشعر فيها بطمأنينة لأنها الآن بأمان.
فور دخول أدريان إلى القصر، تقدم منه جورج بسرعة، وكانت تعابير وجهه تحمل قلقًا دفينًا، إلى جانب أركون، رزان، وكيراز الذين تبعوه عن كثب. أدريان كان مستغربًا لرؤية والده في هذا الوقت ، فقد كان يعتقد أنه سيأتي في الصباح الباكر. جورج، بعينيه الحادتين المثقلتين بالتفكير، ركز نظره على ميلان التي كانت مستقره في حضن ادريان.

𝑰 𝑾𝑨𝑵𝑻 𝒀𝑶𝑼 𝑭𝑶𝑹 𝑴𝒀𝑺𝑬𝑳𝑭 𝑶𝑵𝑳𝒀 ❀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن