بارت 56

53 1 0
                                        

كانت إيليف جالسة على الأريكة، جسدها ممدد بالكامل، عيناها تركزان على السقف الأبيض الباهت للصالة. كانت الأصوات القادمة من التلفزيون تشوش على أفكارها، لكن ذهنها كان مشغولًا بتلك الكلمات التي قالها الرجل. إذا لم تدخلي الآن سيحصل شيء لن يعجبك. لم تتمكن من التوقف عن التفكير فيهما، وكأنهما عالقين في رأسها، يعيدان نفسها في حلقة متواصلة. كانت تشعر بتلك الهمسات الباردة التي تملأ قلبها بالخوف، بينما كان جسدها لا يزال يذكرها بالقبضة الحديدية التي تركت أثرًا عميقًا على معصمها.
رفعت يدها ببطء نحو معصمها الأيسر، كأنها تتحسس شيئًا غير مرئي. أصابعها انزلقت بحذر على الجلد، وإذا بها تشعر بحواف العلامات الحمراء التي ظهرت على بشرتها. كانت مائلة إلى اللون الأزرق الداكن، كما لو كانت قد تركت آثارًا عميقة ليد الرجل القاسية التي قبضت على معصمها بشدة. شعرت بألم طفيف في معصمها حينما لامسته، لكنه كان يشعرها
بنفس الخوف الذي يملأ قلبها. كيف كان بإمكانه أن يفعل ذلك؟ كيف كان بإمكانه أن يكون قاسيًا إلى
هذه الدرجة؟ كانت تلك العلامات، كأنها تتحدث
إليها وتذكرها بما حدث، وكأنها تشهد على قوة قبضته.
شعرت بقلق داخلي شديد، وزفرات صغيرة كانت تنفلت من بين شفتيها بينما هي تعيد تحسس العلامات بعناية، محاولات إقناع نفسها بأن كل شيء سيكون على ما يرام. لكن شيء في قلبها كان يصرخ بالعكس. كانت تعلم أن تلك الهمسات التي كانت تهز قلبها قد تكون أكثر من مجرد تهديد فارغ.
نظرت إلى رزان وميلان، اللتين كانتا ما تزالان غارقتين في مشاهدة الفلم، غير مدركتين لما يحدث حولهما. أرادت أن تشرح لهما، ولكنها شعرت بشيء يجعلها تتردد.
ـــــــــ♡♕ــــــــ♡♕ـــــــــ♡♕ـــــــــ

كان يجلس في غرفة المراقبة الواسعة التي تحتوي على شاشات متعددة، كل شاشة منها تعرض زاوية من زوايا القصر الضخم، تلتقط أدق تفاصيل الحياة اليومية فيه. أدار عينيه بحدة من شاشة لأخرى، حتى وقعت عيناه على لقطة ظهر فيها ذلك الرجل وهو يلمس كتف إيليف بغضب ليجبرها على الدخول إلى القصر.
كان يغلي من الداخل، شعر بالغضب يتدفق في عروقه كالنار المشتعلة، وعيناه تلمعان بحدة لم يعرفها سوى في لحظات الغضب القصوى. بدون وعي، انتزع حاسوبه الشخصي من فوق المكتب ورماه على الأرض بقوة جعلت الحاسوب يتفتت، وتناثر شظاياه حوله. صرخ بغضب عارم كصوت
هدير عاصفة: اللعنة! من سمح لك أن تقترب
منها؟ كيف تجرأت على لمسها؟ أخبرتك أن
تراقبها فقط! من أعطاك الإذن لتتعدى حدودك بهذا الشكل؟!
أدار وجهه نحو الرجل الذي كان يقف خلفه بملامح متوترة وظهر عليه الارتباك، وكان واضحًا أنه يحاول تمالك نفسه أمام ثورة غضب ديمير الطاغية. تابع حديثه بحدة وجدية صارمة: جاك، لا يعني كونك مساعدي وصديقي أنني سأتجاوز عن خطأك بهذه السهولة. ما فعلته اليوم لا يغتفر. ستعود إلى
تركيا غدًا صباحًا، وستصطحب معك كنان ليكون بجانبك.
جاك، على الرغم من توتره الواضح، أومأ برأسه بجدية وقال بصوت هادئ: حسنًا، أخي ديمير. سأنفذ أوامرك. غدًا صباحًا سأغادر مع السيد كنان.
ثم غادر جاك الغرفة بسرعة، تاركًا ديمير وحيدًا في زوبعة غضبه. أخذ ديمير نفسًا عميقًا بعد خروج جاك، يحاول تهدئة نفسه، لكن عينيه عادت تركزان بشراسة على الشاشات التي تعرض صور إيليف وكأنها محاطة بعالمه وحده. مشهد إيليف وهي تمسح دمعتها التي سقطت كان محفورًا في ذهنه، جعل قلبه ينفجر بمزيج من الغضب والقلق.
مشى إلى طاولة مراقبة الكاميرات، لم يكن هناك زاوية بعيدة عن عينيه، حتى غرف الفتيات والممرات، المطبخ الصاله أراد التأكد أن كل حركة تحت سيطرته وأنه يعلم بكل شيء يحدث في
القصر.
همس لنفسه بغضب خافت: لن أسمح لأي أحد أن يقترب منها مجددًا... إيليف هي لي وحدي، فليهم الجميع بمراقبة ميلان لن يشعرو وانا اخدك سوف تصبحين لي قريبا اعدك.
خرج ديمير من الغرفة فور أن سمع صراخ كنان، حالما عبر عتبة الباب، شعر بذراعين صغيرتين تحيطان به، كان كنان يركض نحوه ويبكي بحرقة، مشبكاً ذراعيه حول خصره. كانت شهقات الطفل تزداد مع كل لحظة، وعباراته تخرج متقطعة بين الدموع قائلاً بصوت مرتجف: أخي... أرجوك، لا أريد العودة إلى تركيا! أريد البقاء معك هنا، أرجوك
أخي!
جلس ديمير على ركبتيه ليكون في مستوى كنان، ممسكاً بكتفيه ومسح دموعه برفق. حاول أن يرسم ابتسامة هادئة رغم قلقه الظاهر وقال بصوت دافئ: كنان، لا تبكي. إنه مجرد أسبوع، وستعود بعدها. وعد مني أن جاك سيعيدك بعد انتهاء الأسبوع.
نظر كنان إلى ديمير بعينيه المبللتين بالدموع، محاولاً كبت مشاعره، وقال بصوت مخنوق: لكنني لا أريد البقاء مع عائلة أمي. الجميع يعاملونني معاملة سيئة مثلما كانت أمي تعاملني.
تغيرت ملامح ديمير فجأة، ليظهر فيها خليط من الحنان والغضب المكتوم. أمسك كنان بيديه بلطف، وشده إلى حضنه بحنان واضح، ليمسح على رأسه ببطء ويهمس في أذنه قائلاً: لا تقلق، لن أتركك هناك وحدك ولن أسمح لأحد بأن يؤذيك. إذا كنت لا تريد البقاء معهم فلا بأس. لن تذهب إلى خالتك.
ظل ديمير ممسكاً بكنان، يمرر يده على ظهره في محاولة لتهدئته، بينما كانت شهقات الطفل تتلاشى ببطء.
دخل الغرفة بهدوء وكنان في حضنه، وكانت هي بالفعل مليئة بكل ما قد يتوقعه الشخص من ألعاب صبيانية. الألوان الزاهية تملأ المكان، بحيث كانت الجدران مغطاة بورق حائط ملون على شكل سيارات رياضية، فضلاً عن شخصيات كرتونية شهيرة. غرفة مليئة بالفوضى الجميلة، وكانت الأرض مفروشة بسجاد ناعم بألوان ساطعة وأشكال غير متناسقة، تمامًا كما لو كانت عبارة عن عالم صغير مليء بالحياة والحركة.
السرير الكبير كان في منتصف الغرفة، مرتكزًا على قاعدة خشبية بيضاء، وكانت فوقه مفارش ملونة تحمل صورًا لأبطال خارقين. إلى جانب السرير، كان هناك رفوف مكدسة بالألعاب، بعضها كان سيارات صغيرة وقلاع أطفال ملونة، وهناك أيضًا دمى وألعاب أخرى تملأ كل زاوية من الزوايا.
أمام السرير، كان هناك مكتب صغير، على الطاولة كان يوجد بعض الأدوات المدرسية المتناثرة: دفاتر مفتوحة، وألوان خشبية. كان المكتب يبدو غير مرتب تمامًا، كغرفة طفل صغير مشغول طوال الوقت، يتحرك هنا وهناك بين اللعب والتعلم.
كان الصور المعلقة على الجدران. كانت صوره لكنان يبتسم بمرح وبجانبه صورة لديمير، كما كانت توجد صورة واحدة كبيرة في المنتصف لطفل صغير والذي كان كنان ذو ملامح طفولية بريئة.

𝑰 𝑾𝑨𝑵𝑻 𝒀𝑶𝑼 𝑭𝑶𝑹 𝑴𝒀𝑺𝑬𝑳𝑭 𝑶𝑵𝑳𝒀 ❀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن