بارت 52

42 2 0
                                    

لا أريد رؤيته مرة أخرى, تحدثت إيليف بصوت مكسور وهي تضع رأسها في حضن والدتها، تشعر بالحزن والقلق يتسلل إلى قلبها. كانت تحاول أن تجد بعض الأمان والراحة بين ذراعي والدتها، حيث كانت تعبر عن مشاعرها بطريقة طفولية وصادقة.
مسحت ماري على شعر ابنتها برفق، وهي تقول بابتسامة حنونة: إن كان هذا رأيك، فسأخبره بذلك. لن تريه مرة أخرى... أعدك، لن تري والدك مرة أخرى. كانت كلماتها مريحة لكنها لم تكن كافية لإزالة قلق إيليف. كانت ماري تشعر بألم ابنتها، وتتمنى لو تستطيع أن تمحو كل تلك الذكريات الأليمة.
بعد لحظة من الصمت، تحدثت إيليف برغبة: لننزل للأسفل. جلست تنظر إلى والدتها بعيونها الكبيرة، مشعلة رغبتها في الخروج من تلك الغرفة الضيقة التي كانت محاطة بالقلق.
نظرت ماري إلى ابنتها، مسحت على خدها بحنان، وقالت: يجب أن ترتاحي، صغيرتي.
إيليف ردت بهدوء: أنا بخير، أمي. لا تقلقي.
تنهدت ماري، وعينها مليئة بالقلق، ثم قالت: حسنًا، هيا تعالي.

خرج الاثنتان من الغرفة متوجهتين إلى الدرج لينزلا إلى الأسفل. لكن قبل أن تضع إيليف قدمها على الأرض، رأت والدها يدخل القصر، وينادي باسم والدتها. كانت تلك اللحظة كافية لتجعل قلبها يتوقف عن الخفقان.
نظرت ماري إلى إيليف، وكان الندم والخوف يتبادلان نظراتهما. كان قلب إيليف يتسارع، وبدأت تنغمس في شعور الفزع. انتقلت ماري بسرعة نحو والدها، مما جعل إيليف تشعر بالقلق والارتباك.
عندما اتجهت ماري نحوه، تقدمت إيليف نحو المطبخ، محاولة أن تبقى بعيللدة عن الموقف المتوتر. بمجرد دخولها، أمسكت بها كيراز، ونبهتها بأن تبقى في المطبخ. حاولت إيليف تجاهل صراخ والدها في الخلفية، وجلست بجانب رزان وميلان.
وضعت يدها على أذنيها، محاولاً حجب الصوت الذي كان يتصاعد في القصر.
ميلان، التي كانت تجلس بجانبها، تحدثت بغضب: ماذا يريده منا؟ لماذا عاد إلى حياتنا مجددًا؟ إنه مجرد أب لعين يفرق بين أولاده، وقاتل ليس لديه أية رحمة. في عمق كلماتها كان هناك شعور من الخوف والقلق من عودة والدهم المزعج.
تبادلت إيليف النظرات مع ميلان، حيث كانت عيون كل منهما تحمل نفس الخوف. كانت الأمور تزداد تعقيدًا، وعادت مشاعر الخوف والقلق تطغى على الموقف. لماذا يعود الآن؟ تساءلت إيليف في قلبها، وكأنها تحاول استيعاب ما يحدث من حولها.
تقدمت ماري من سنان بخطوات ثابتة، ولكن بداخلها كان غضب هائل يكاد يحطم كل قيد تحاول إبقاءه. عيناها كانتا تلمعان بالحزن والغضب بينما قالت بصوت مزيج من الغضب والهدوء القاتل: ماذا تريد، سنان؟
كان سنان واقفًا عند باب القصر، جسده وجهه ملطخ بالغضب. صرخ بصوت مرتفع يملأ المكان: أين ابنتي إيليف؟ ها؟ أتحاولين إبعادي عن ابنتي؟ تحاولين إبعاد ابنه عن والدها؟
ماري لم تحتمل نبرته، فردّت عليه بغضب لم تستطع كبحه: أنت من جلب هذا على نفسك، سنان! تصرفاتك هي ما جعلت ابنتك تكرهك، جعلتها تخاف حتى من مجرد رؤيتك. أنت لست أبًا، بل كنت وحشًا حاول الاعتداء على ابنته!
بينما كان الصراع يدور بينهما، كانت إيليف تجلس في المطبخ، محاولًة الابتعاد عن الأصوات التي تشعر وكأنها تمزقها من الداخل. كلما ارتفعت الأصوات، كانت تضع يديها على أذنيها بإحكام، وتتمتم بصوت يكاد لا يُسمع: ويكفي... توقفوا، يكفي. دموعها انهمرت بلا توقف، وكأنها تعبر عن كل الألم الذي كان يسكن قلبها منذ سنوات.
سنان، الذي بدأ يفقد سيطرته على نفسه، قال بهدوء غريب وهو يحاول تهدئة نبرته: حسنًا، أعترف أنني أخطأت. لكن يجب أن تتحدث معي، يجب أن تسامحني. أنا والدها، ولدي الحق في الحديث
معها.
كان صوته يحمل ترددًا ورغبة في استعادة شيء فقده، لكن ماري لم تستطع أن تتقبل كلماته. غضبها تصاعد، وصوتها أصبح أكثر حدة وهي تقترب منه بخطوات متسارعة: أتعتقد أن شيئًا كهذا
يمكن أن يُغفر؟ صرخت وهي تنظر إليه بعيون
ممتلئة، بالغضب لقد قتلت أخاها، هل تفهم؟! قتلت ابنك!
ومن ثم جعلت إيليف تعتقد أنها السبب، لقد
حملتها ذنبًا لم ترتكبه. أنت زرعت الخوف في قلب ابنتك، جعلتها تحمل عبء ما لا يمكن لطفلة أن تتحمله!
كانت الكلمات تخرج من فمها كأنها طعنات
تتوجه نحو قلبه. حاول أن يتحدث مرة أخرى،
لكنه توقف عندما رآها تتقدم نحوه وتقول بصوت صارخ لكنه منخفض: إيليف لا تزال صغيرة، لا
تتحمل كل هذا. إنها خائفة منك، أنت السبب
في كل ألمها! ألا تفهم؟! ابتعد عنها! لا تقترب من ابنتي!
وقف سنان في مكانه وقد اشتعل الغضب في عينيه. كان قلبه ينبض بسرعة وكأن الحمم البركانية بداخله لا يمكن احتواؤها بعد الآن. نظراته تحولت إلى ماري، التي كانت تواجهه بعيون مليئة بالغضب، لكنه لم يرَ سوى عائق أمام ما يريد. رفع صوته بغضب أكبر، وكأن كل كلمة تخرج منه تحطم جدران الصبر الأخيرة: إنها ابنتي أيضًا! لن أغادر قبل أن أراها، إيليف إبنتي انهى كلامه بحده.
صرخ وهو يناديها بصوت يتردد في القصر الكبير: إيلييييف! إبنتي.
ماري لم تتحمل تصرفاته، فصرخت بإسمه، بغضب: سنان! اللعنة، أخبرتك أنها لا تريد رؤيتك! لماذا لا تفهم؟
تقدمت نحوه لتدفعه بقوة، تحاول إبعاده عن القصر وعن حياتهم، ولكن سنان أمسك بذراعها بشدة، وكأنه وحش مأسور يحاول التحرر. عيناه لمعتا بالغضب والتهديد وهو يقول بنبرة حادة: لا تجبريني على فعل شيء ستندمين عليه، ماري... أنت حامل، حاولي أن لا تثيري غضبي.
ضغط على يدها أكثر، ونظرة الألم ارتسمت على وجه ماري. صوتها خرج محملًا بالألم، تحاول التحرر من قبضته: سنان... أترك يدي، أتركها الآن!
لكن قبل أن تكمل كلماتها، حدث ما لم تتوقعه. فجأة، ارتفعت قبضة من الخلف، وكأنها جاءت من العدم، ووجهت ضربة قوية لوجه سنان. الصوت كان كالرعد في المكان، وسنان سقط على الأرض بقوة. تراجعت ماري وهي مصدومة، تحاول استيعاب ما حدث. رأت جورج واقفًا أمامها. جسده مشدود ووجهه مليء بالغضب. أولاده كانوا خلفه، يقفون وكأنهم جيش خلف قائدهم.
جورج لم يتحرك من مكانه، لكن عينيه كانتا تتحدثان بكل ما في قلبه من مشاعر غضب وحماية لعائلته. سنان الذي كان ملقى على الأرض لم يتحرك فورًا. بدلاً من ذلك، رفع يده إلى فمه، يمسح الدماء
التي سالت من شفته السفلى بإصبعه. كان ينظر إلى الدم وكأنه يحاول استيعاب أن هذه الضربة كانت حقيقة،
تحدث جورج بنبرة ثابتة وقاسية: لا تلمس زوجتي أبدًا مرة أخرى. أنت تجاوزت كل الحدود. صوته كان كهدير الرعد، ولم يكن هناك مجال للشك في أن
أي حركة خاطئة من سنان ستكون لها عواقب وخيمة.
استقام سنان ببطء من على الأرض، وكان وجهه يشع بالمرارة والغضب: هي ابنتي لن تستطيع إبعادي عنها إلى الأبد. قالها بصوت خافت وحده.
تحدث أندرو بحده وغضب : إيليف لا تريد رؤيتك، وهذا قرارها. إذا كنت تظن أنك تستطيع الدخول إلى حياتها بالقوة، فأنت مخطئ. كانت عيناه تشتعلان بالغضب الشديد.
نظر سنان إلى الجميع بابتسامة ساخرة وهو يقول بنبرة مليئة بالتحدي والتهكم: ههه... زوجها؟ حسنًا، دعونا نتفق على شيء من الآن، لا يحق لك أو لأولادك التدخل في هذا. هذا حديث بين أب وأم فقط.
كان يبدو كأنه يحاول فرض سلطته القديمة على الموقف، لكنه لم يكن يعلم أن الأمور تغيرت وأنه لم يعد له تلك القوة التي يعتقدها. فجأة، قبل أن يكمل جملته، رأى شخصًا يقترب منه بسرعة، يمسكه من قميصه بقوة ويشد عليه. كان هذا الشخص هو توماس، الذي ظهر أمامه بملامح مملوءة بالغضب والشراسة، وكأن نيرانًا مشتعلة بداخله لا يمكن إطفاؤها بسهولة.
توماس صرخ في وجهه بحدة: يحق لي التدخل، أليس كذلك؟
نظر له سنان بصدمة عميقة، لم يستوعب ما يحدث في البداية. للحظة، انقطعت أفكاره، وتذكر ملامح توماس عندما كان طفلًا. كانت تلك الملامح قد تغيرت كثيرًا، لكنها ظلت محفورة في ذاكرته.
بصوت خافت ومذهول، تمتم: توماس... ابني... توماس.
ولكن الكلمات لم تعجب توماس، دفعه بقوة حتى كاد يسقط مجددًا على الأرض. كان وجهه مليئًا بالغضب، وعيناه تضجان بالكراهية العميقة. تحدث بصوت مليء بالغضب المكبوت: لست ابنك. هل تفهم؟ أنا لست ابنك. أنت مجرد رجل بلا قلب، رجل قتل ابنه دون أدنى إحساس أو ندم.
كانت كلماته ثقيلة كالرصاص، تضرب سنان بقوة، لكن الأخير حاول الحفاظ على مظهره المتماسك.
لم يكن هذا التوتر سيقلل من عزيمته، رغم أن جزءًا داخله بدأ يشعر بالندم، إلا أنه أبى الاعتراف بذلك. تنهد توماس بعمق، وكأن كل ما كان يكتمه في
داخله لسنوات قد انفجر في لحظة واحدة، وواصل الحديث: استمع لي جيدًا، سيد سنان. أنا أُحذرك
الآن. ابتعد عن أختي. هل تفهم؟ إذا رأيتك تقترب منها مرة أخرى، سأفعل ما لن تستطيع تحمله... سأقتلك.
كانت النبرة في صوته حازمة وجدية، لم تكن
هناك أي مساحة للمفاوضة أو التساهل. كان
واضحًا أن توماس قد وضع حده النهائي لما يمكن
أن يسمح به. وقف أمام سنان، كأنه جدار لا يمكن اختراقه
سنان، على الرغم من الصدمة والذهول، لم يتراجع. أعاد ترتيب أفكاره في رأسه، محاولًا الحفاظ على هدوئه رغم أن ضربات توماس قد هزت ثقته بنفسه. بنبرة هادئة، رد: لا يهمني كيف عدت أو من أنقذك من مصيرك. ولكن استمع لي جيدًا، سأرى إيليف، سواء أحببت أم لم تحب. سأراها رغمًا عن الجميع.
توماس ضيق عينيه، وكأن غضبه يزداد مع كل كلمة يقولها سنان.
فجأه رتج القصر بصوت رصاص مدوٍ. في لحظة واحدة، تحول المكان إلى مشهد من الرعب
والفوضى. كان جورج الأسرع في ردة فعله، فقد شد زوجته ماري بسرعة، دافعًا إياها للخلف ليحميها من أي خطر محتمل. فيما اندفع أولاده بسرعة، يسحبون أسلحتهم، مستعدين لأي هجوم قد يحدث.
عيونهم كانت تراقب كل زاوية، وكل زاوية كانت تحت نظرهم.
لكن الغريب أن الرصاص توقف فجأة، كما لو أن اليد التي أطلقت النار قد توقفت لسبب غير معلوم. مرّت ثوانٍ قليلة، لكن تلك الثواني كانت ثقيلة على الجميع، وكأن الزمن توقف. ببطء، تحولت أنظار الجميع نحو سنان، الذي كان لا يزال واقفًا في المكان ذاته، ولكن ليس لوقت طويل. فجأة، بدا وكأن الحياة تخرج منه، فقد سقط على ركبتيه أولاً، قبل أن ينزلق جسده بثقل إلى الأرض، دون حراك.
الصمت خيم على المكان، والدماء بدأت تنزف منه ببطء، مكونة بركة حمراء تحيط بجسده. كانت ماري تقف في زاوية، مفتوحة العينين، ملامحها مصدومة وكأنها لا تستطيع استيعاب ما حدث. كيف سقط هذا الرجل بهذه الطريقة؟
أما أولاد جورج فكانوا أكثر هدوءًا في ردة فعلهم، رغم الدهشة التي تسللت إلى أعماقهم. نظروا لبعضهم البعض، وكأن كل منهم يسأل الآخر: من الذي أطلق النار؟ لم يكن هناك أي حراك يشير إلى أن شخصًا ما قد خرج أو هاجمهم، وهذا جعلهم يتساءلون.
ثم فجأة، سُمِع صوت صراخ حاد قادم من المطبخ، مما جعل الجميع يتحرك بسرعة باتجاهه. كانت. دخل الجميع إلى المطبخ، ورأوا الفتيات مجتمعات في الزاوية، يضُمن كيراز بخوف وذعر. كان المشهد مرعبًا؛ ، الخادمة التي كانت تهدد إيليف بسرقه أندرو منها كانت الآن جثة هامدة على الأرض، مغطاة بدمائها.
ركع أركون بجانبها بسرعة، يضع يده على عنقها ليفحص نبضها. كان يبحث بأي طريقة عن إشارة للحياة، لكن عندما نظر إلى إخوته، كانت ملامحه تخبرهم بكل شيء. لم يكن هناك نبض. كانت قد رحلت.
تجمد المكان للحظة، لم يصدقوا ما رأوه. بدأ الجميع يحاول استيعاب ما حدث للتو. كيف يمكن أن تحدث جريمة أخرى في نفس اللحظة التي سقط فيها سنان؟ ومن هو المسؤول؟
بينما كانت الفتيات يحاولن احتواء خوفهن، اتجه توماس نحو الحراس الذين دخلوا لتوهم،
وهمس لهم بشيء في آذانهم. وعندما أنهى كلامه، أومأوا برؤوسهم بجدية، ثم غادروا المكان بسرعة دون أن ينطقوا بكلمة. كان توماس واضحًا في أوامره، فهم يعلمون أن عليهم التحرك بسرعة
وبدقة.
بعد مغادرة الحراس، وقف جورج للحظة، ينظر إلى ما تبقى من الفوضى أمامه. في لحظة واحدة، تغير كل شيء. كان يحاول فهم كيف أن الأمور وصلت إلى هذا الحد. كانت ماري لا تزال مذهولة، لكنها اقتربت من جورج، ووضعت يدها على صدره، محاولة أن تجد في قربه بعضًا من الأمان. لم تكن تعرف ماذا تقول.
نظرت كيراز إلى توماس بتنهيدة عميقة وهي تمسح على شعر رزان وإيليف بهدوء، محاولة تهدئة أعصابهما بعد التوتر الذي عمّ المكان. توماس، على الرغم من قوة شخصيته وشدته، بدا هادئًا وهو يراقب كيراز بهدوء.
في الجانب الآخر من المطبخ، كان جورج يقف
بثبات وهو يمسك ماري، يضع يده على كتفيها
بلطف تحدث بهدوء: حسنًا، هيا فلنخرج...، ثم ألقى نظرة عميقة على أولاده. أخبروا الحراس أن يأخذوا الجثة.
خرجوا جميعًا من المطبخ، نظرت إيليف إلى المكان وهي تتساءل بصمت أين ذهب والدها؟ استغرابت. كانت عيناها تبحثان عنه في كل زاوية، حتى
شعرت بيد قوية تلمس كتفيها بلطف. كان أندرو
قد اقترب منها بهدوء، عينيه تفيض بالهدوء والاهتمام. قال لها بصوت منخفض ومطمئن: لنصعد إلى غرفه
أومأة إيليف بالموافقة، وهي تشعر براحه في وجوده بجانبها. توجّه الاثنان نحو السلالم، يصعدان ببطء. خلفهما كان أدريان وميلان وأركون ورزان يسيرون على نفس الخطى، لكن كل منهم في عالمه
الخاص. بدا الجو ثقيلًا وكأن الجميع غارقون في أفكارهم.
عند وصولهم إلى الطابق العلوي، وقف جورج في الأسفل ينظر إليهم وهم يصعدون. زفر بهدوء وقال بسخرية ممزوجة وهو ينظر لماري: أعتقد أنني تكلمت مع الجدار. أخبرتهم أن ينادوا الحراس، ولكن لا... لا فائدة منهم. منذ أن وقعوا في الحب، لم يعودوا يهتمون بشيء أبداً. لو أخبرتهم أنني أموت، لم يهتموا. كانت كلماته تخرج بصوت عميق، وكأنه يعاتبهم بلطف.
من أعلى الدرج، التفت أركون لينظر إلى والده بابتسامة ساخرة وقال: لا تتصرف مثل الأطفال، أبي. لن تموت حتى ترى أحفادك.
كانت كلمات أركون كفيلة بإحداث صدمة في المكان. رزان وميلان وإيليف تبادلوا النظرات بينهم بدهشة وخجل. كانت الفكرة غير متوقعة، حتى وإن جاءت على سبيل المزاح. شعرت إيليف بالحرج فجأة، وكأن الحديث عن أحفاد جعلها تدرك عمق علاقتها مع أندرو و كذلك الأخرين.
أسرعوا بالدخول إلى الغرفة هربًا من الجو المحرج الذي خلفته مزحة أركون. إقترب أدريان وضرب رأس أركون بخفة، مشتمًا إياه على مزحته غير المناسبة. دخل الغرفة خلف ميلان وهو يضحك بهدوء على سخرية أخيه.
تبعهم أندرو بهدوء، كان وجهه هادئًا كعادته، ولكن عيناه كانتا تلاحقان إيليف. دخلت إيليف إلى الغرفة التي اعتقدت أنها غرفتها دون أن تلاحط بسبب توترها، لكنها في الواقع دخلت إلى غرفة أندرو. ابتسم أندرو بخفة. لم يزعجه الأمر، بل على العكس، كانت الفرصة سانحة له ليكون قريبًا منها. أسرع ليدخل خلفها إلى الغرفة قبل أن تخرج.
من ناحية أخرى، كان أركون قد دخل إلى غرفة رزان بسرعه وبتسامه مشاغبه.
جورج كان غاضبًا بعض الشيء، لكنه حاول أن يبقي الأمور خفيفة. حركاته المضحكة جعلت الآخرين يبتسمون: ماذا يقصد ذلك الولد... من يتصرف مثل الأطفال... لا، سوف أقتله ذات يوم! قالها وهو يهز رأسه، متظاهرًا بأنه ينوي توبيخ أركون. لكن الغضب لم يكن حقيقيًا، بل كان هناك نوع من الفكاهة في صوته.
ابتسم توماس بعد صمتٍ طويل: حاولوا أن تتعاملوا مع إيليف وكأن شيئًا لم يحدث. دعوها تنسى
الأمر، ولا تخبروها بما حدث لكي لا تقلق... وكذلك ميلان.
ماري وكيراز أومأتا له برؤوسهما بهدوء، وكأنهما توافقان على ماقاله.
ماري، اصعدي إلى غرفتك لترتاحي، قال جورج، محاولاً أن يظهر لها بعض العناية. وأنت كذلك
كيراز.
بينما كان جورج وتوماس يتجهان نحو الحديقة، كانت الأشجار تتراقص برفق بفعل نسيم الرياح، والسماء كانت ملبدة بالغيوم المظلمة. حتى القمر، الذي عادة ما يكون شاهدًا في مثل هذه اللحظات، اختفى خلف الغيوم الكثيفة، مما أضفى جوًا من الكآبة على المكان. ومع ذلك، كانت الحديقة مضاءة بأضواء قوية، مما جعل المكان يبدو وكأنه ينتمي إلى عالم آخر.
خرج جورج وتوماس الحديقة ليعلما من يكون الشخص الذي أطلق النار. كان الحراس واقفين في أماكنهم، وأخبروهم. لم يرو أي شخص يدخل أو يخرج. كانت أصوات الأقدام ترد في الصمت، وكلهم كانوا مستغربين من هذا الشخص.
من يكون هذا الشخص، ولماذا قتل سنان والخادمة؟ تساءل جورج بصوت خافت.
أخبر توماس جورج أنه سوف يغادر إلى الشركه. انتبه جيدًا. نبهه جورج بهدوء. إذا عرفت أي شئ اتصل بي على الفور.
غادر توماس. أما جورج، فقد عاد إلى القصر، متجهًا إلى الداخل حيث كانت الأمور أكثر هدوءًا.

𝑰 𝑾𝑨𝑵𝑻 𝒀𝑶𝑼 𝑭𝑶𝑹 𝑴𝒀𝑺𝑬𝑳𝑭 𝑶𝑵𝑳𝒀 ❀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن