بارت 55

3 0 0
                                    

مرت الأيام وتحديد اسبوع وكان التوتر سيد الموقف في القصر. ازداد عدد الحراس بشكل ملحوظ، وانتشروا في كل زاوية وممر، خاصة عندما كانت الفتيات يخرجن للذهاب إلى المدرسة أو التسوق، فقد كان الخوف من أن يعيد الرجل الغامض
محاولة اختطاف ميلان يحوم حولهم كالسحاب المظلم.
كان التوتر يتصاعد خاصة بعد أن تلقا توماس تلك الرساله التي زادت الوضع تعقيدًا، تلك الكلمات كانت تحديًا واضحًا وصريحًا للعائلة بأكملها. لم يكن الأمر مجرد تهديد، بل بدا وكأن هذا الشخص يسخر منهم ويستمتع بجعلهم يشعرون بالعجز. كانت الرسالة تقول: يا لكم من أغبياء، أنتم تشغلون أنفسكم في شيء ليس له أهمية بالنسبة لي. حاولوا فعل
كل شيء، ولكني سوف آخذها من بينكم دون أن
تشعروا بشيء. ستكون مفاجأة غير متوقعة
للجميع.
الشخص كان واثقًا من نفسه، يعلم حركاتهم ويتابعهم من مسافة قريبة كأنه شبح يطاردهم دون أن يروه. شعر الجميع بالغضب، وخاصة أدريان، الذي كانت عيناه تعكس قلقًا عميقًا لا يستطيع إخفاءه. أصبحت عينه ثابتة على ميلان، في محاولة لحمايتها وكأنها كنز يجب ألا يفلت منه.
اجتمع الجميع عدة مرات لمحاولة فهم من قد يكون هذا الرجل الغامض، وما هي دوافعه الحقيقية.
اجتمع جورج وتوماس وأركون وأدريان وأندرو في مكتب جورج، يتبادلون الآراء والخطط. كانت الغرفة مملوءة برائحة السيجار التي أشعلها جورج، وعيناه تطوفان بنظرات حادة بين أبنائه، كأنه يحاول قراءة أفكارهم واستنتاج الحلول.
قال جورج بنبرة جادة وهو يمسك سيجاره بين أصابعه: هذا الرجل لا يمكن أن يكون مجرد مهووس عادي. إذا كان يعرف كل هذه التفاصيل عن ميلان، فلابد أن يكون شخصًا ذا نفوذ وخبرة. علينا أن نفكر خارج الصندوق.
رد توماس بتفكير: صحيح، لكن ماذا يريد بالضبط؟ لماذا ميلان؟
في هذه الأثناء، دخل الحراس اخبروهم انهم لم يجدوا أي كاميرات أو أجهزة تنصت في القصر، مما زاد الوضع غموضًا، كأن هذا الشخص يستطيع التسلل دون ترك أي أثر.
كانت رزان واقفة في المطبخ، تمسك سكينًا في يدها وتقطع البصل بحذر. قطرات الدموع كانت تنهمر من عينيها بسبب البصل، تمسحها بيدها وهي تتنفس بعمق، تشعر بالحرقة في عينيها. تذمرت بصوت مرتفع: أوف، كم أكره تقشير البصل! لماذا لم يقم أحد بفعل هذا بدلًا عني؟ أنهت كلامها وهي تستدير بنظرة ملأتها الشكوى نحو ميلان وإيليف، وكأنها تلومهما على جعلها تقوم بهذا العمل المرهق.
ميلان، التي كانت تقف بجانبها وهي تحرك الطعام الذي يغلي على الفرن، نظرت لرزان بابتسامة ساخرة، ثم تحدثت بهدوءٍ: هيا، هيا، اقطعي وصمتي... إن كنتِ ستتذمرين من كل شيء فلن ننتهي أبدًا. أكملت ميلان حديثها بتوجيه نظرة صارمة نحو إيليف، التي كانت منكبة على عجينها، ووجهها وملابسها ملطخة تمامًا بالدقيق، حتى شعرها أصبح يتناثر عليه بعض نقاط الطحين، مما أضاف لمظهرها طابعًا طفوليًا ومضحكًا. ابتسمت ميلان بنصف عين ثم قالت بنبرة ساخرة ومشاكسة: وأنتِ، إيليف، ما كل هذا؟
ألم أقل لكِ أن ترتدي مريولًا؟ تبدين كأنك طفلة خرجت لتوها من معركة مع كيس طحين! هل أنتم أطفال حقًا؟
إيليف، التي كانت غارقة في صنع العجين ردت عليها بصوتٍ عالٍ ومليء بالاستفزاز: يا إلهي، ميلان! إن لم تصمتي سأقتلك، سأمزقك إربًا إربًا وأجعلك أنتِ العشاء اليوم!.
رزان بحده: طنحن لسنا أطفالًا، ولا تنادينا بذلك، وإلا سنقتلك هاا.
لم تتوقف ميلان، بل قلبت عينيها ببطء وأكملت تحريك الطعام وهي تهمس لنفسها بنبرة تهكمية: آه، يا إلهي، يبدو أننا في حضانة وليس في مطبخ... تجاهلت صرخات إيليف ورزان، لكنها لم تستطع إخفاء ابتسامتها الصغيرة، التي ظلت مرسومة على وجهها.
بعد فترة قصيرة من الصمت، تنهدت رزان بتذمر واضح وهي تقول بصوت منخفض، يكاد يفيض بالإحباط: آه، كم أكره الطبخ! لماذا أجبرتنا أمي على هذا؟... الجميع بالخارج يستمتعون بأوقاتهم، ونحن هنا عالقات بين الروائح والطبخ والبصل! رفعت بصرها إلى السقف وكأنها تستنجد بشيء ما، ثم أضافت بصوت مشوب بالحسرة: أتمنى لو كانت ليا معنا، على الأقل كانت ستساعدنا... أين هي الآن؟ طبعا الآن تجلس مع عائلتها بأمريكا، مسترخية ومطمئنة، بينما نحن هنا نحاول أن ننجو من هذا المطبخ. أنهت حديثها بتنهيدة عميقة، وكأنما تحمل على كاهلها جبالًا من التعب، وبدأت بتحريك قطع البصل بإحباط، تارة تقطعها وتارة ترفع عينيها لتحدق في الفراغ.
كان الجو دافئًا في المطبخ، حيث جلست رزان بهدوء على الكرسي، تتأمل الأواني المرتبة. إيليف كانت على حافة المطبخ تتدلّى قدماها في الهواء كطفلة، بينما تضحك بخفة بين الحين والآخر، فيما ميلان جلست فوق الطاولة، تقشر برتقالة بمهارة وتتناول القطع ببطء. كانت الأجواء لطيفة وتملؤها رائحة الطعام الذي يطبخ على الفرن مما أعطى شعورًا بالدفء والراحة.
فجأة، قطعت هذه اللحظات الهادئة ضحكات متعالية قادمة من الصالة. نظرت رزان وإيليف وميلان لبعضهم البعض بستغراب وكانت ابتساماتهم تملأ وجوههم، لكن في الوقت نفسه شعرت كل واحدة منهن بالفضول الكبير حول سبب تلك الضحكات. تبادلن نظرات معبرة، ثم قفزت ميلان وإيليف بسرعة من مكانهما، وركضن بخفة متوجهات نحو الصالة، فيما نهضت رزان من كرسيها واتجهت هي الأخرى بخطوات أسرع حتى لا تفوّت أي شيء.
وقفوا عند المدخل وتسللوا بالنظر إلى الداخل، حيث وجدوا أفراد العائلة متجمعين حول طاولة منخفضة مليئة بالصور. كان الجميع يمسك بصور ويتبادل النكات والتعليقات بمرح، يضحكون من أعماق قلوبهم. بدا الأمر وكأن كل صورة تحكي قصة، فقد كانت بعض الصور تظهر اطفال في لحظات طفولية طريفة.
ماري، بابتسامة ودية وعينين تملؤهما الحنين، بدأت بالحديث عن تلك الأيام.

𝑰 𝑾𝑨𝑵𝑻 𝒀𝑶𝑼 𝑭𝑶𝑹 𝑴𝒀𝑺𝑬𝑳𝑭 𝑶𝑵𝑳𝒀 ❀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن