السادس والأربعين

84 1 1
                                    

اندرو اقترب منها ببطء، مشاعره مختلطة بين القلق العميق والرغبة في تهدئتها. وضع يده بحذر أسفل ظهرها وساقيها، وكأنه يحمل شيئًا ثمينًا وهشًا في الوقت نفسه، ثم همس بصوت ناعم،
ملؤه الحنان:تعالي... تعالي هنا.
رفعها عن الأرض بخفة، جسدها الصغير ارتاح بين ذراعيه، فيما تشبثت هي به بقوة وكأنها تحتمي به من كل ما يحيط بها. رأسها استقر على صدره، حيث استمعت إلى دقات قلبه التي كانت أسرع قليلاً من المعتاد، تشعر بنبضاته تحت خدها، مما منحها شعورًا بالأمان المؤقت. عيناها أغلقتا ببطء، وكأنها تستسلم للهدوء الذي بدأ يتسلل إلى جسدها المرهق.
اندرو لم ينتظر لحظة أخرى. خرج من الحمام بخطوات سريعة، متجهًا مباشرة نحو الدرج. مع كل خطوة يخطوها، كان قلبه يزداد قلقًا. تلك الدقائق التي قضتها إيليف وهي تنزف جعلته يشعر بأن الوقت يمر ببطء شديد، وكأن الثواني تتحول إلى ساعات.
عندما وصل إلى الطابق الأسفل، التفت حوله بنظرات سريعة في هذه اللحظة، ظهر أدريان وهو يخرج من المطبخ. كان يبحث عن هاتف ميلان الذي كان قد تركه في الصالة، لكنه توقف في مكانه عندما رأى أندرو يحمل إيليف بين ذراعيه. عينيه اتسعتا قليلاً وهو يرى وجه إيليف الشاحب والدماء التي كانت لا تزال تتساقط ببطء من يدها.
بخطوات سريعة، اقترب أدريان من أندرو، وعيناه تركزان على إيليف التي بدت هشة وضعيفة بين ذراعي أخيه. سأل بقلق، وصوته منخفض لكنه مليء بالقلق: أندرو؟ ماذا حصل؟ ما بها؟
نظر إليه أندرو بقلق واضح، كان وجهه متوترًا، وملامحه جامدة. كانت عيناه تعكسان مزيجًا من القلق والحاجة إلى التصرف بسرعة. تنفس بعمق ثم قال، وصوته يحمل توترًا خفيفًا: النزيف لا يتوقف... سأخذها إلى المستشفى.

أدريان، الذي أدرك خطورة الموقف، أومأ برأسه وهو يحاول الحفاظ على هدوئه رد بهدوء، لكن بصوت يحمل جدية الموقف: حسنًا، اتصل بي إن احتجت شيئًا... حسنا.
أندرو لم يكن لديه الوقت للرد بشكل مفصل، أومأ لأدريان بسرعة.
استدار نحو الباب وواصل طريقه إلى الخارج، حيث كان الهواء البارد يضرب وجهه لكنه لم يشعر بشيء. كان كل تركيزه منصبًا على الصغيرة بين ذراعيه. خطواته مسرعة نحو السيارة المتوقفة أمام القصر، وضع إيليف برفق على المقعد، وعينيه على جرحها الذي ما زال ينزف. قلبه كان ينبض بقوة، كما لو كان يحاول أن يستبق الزمن ليحميها.
صعد إلى مقعد الأمامي، أدار المحرك بيده، وفي اللحظة التالية كانت السيارة تنطلق بأقصى سرعة على الطريق المؤدي إلى المستشفى. انحرفت السيارة عبر الشوارع بسرعة كبيرة، والأضواء الخارجية تومض حولهما، لكن الوقت بدا وكأنه يتحرك ببطء شديد في ذهن أندرو.
في هذه الأثناء، وقف أدريان عند باب القصر يتابع السيارة التي اختفت في الأفق، تنهد بعمق وهدوء.

كانت السيارة تتسابق مع الوقت، كل ثانية تمر تشعر وكأنها تزيد من قلق أندرو. عيناه كانتا تتنقلان بلا انقطاع بين الطريق أمامه وإيليف التي كانت مستلقية في المقعد الدي بجانبه. وجهها الشاحب كان يزداد شحوبًا، وملامحها المنقبضة تعكس الألم الذي تشعر به. تنفست ببطء، وكأن كل نفس كان عبئًا عليها، عينيها تغلقان تدريجيًا كما لو أنها كانت تحاول الهروب من الألم الذي ينهش داخلها.
بصوت ضعيف، مدت يدها السليمة، ولم يكن أندرو بحاجة إلى أن ينظر ليفهم ما تريده. وضع يده على يدها برفق، مشبكًا أصابعه بأصابعها الصغيرة. كانت لمستها باردة ومرتعشة، لكنه حاول أن يبث فيها بعضًا من دفئه وطمأنينته، رغم أن قلبه كان يتسارع كلما شعر بضعفها.
نظرت إليه بعينيها الذابلتين، وحاولت بصعوبة أن تتحدث بصوت متقطع، كأن كل كلمة تخرج منها تمثل تحديًا: آسفة... أنا آسفة حقًا، أندرو... دائماً ما أزعجك... تترك عملك من أجلي...
كانت كلماتها تخرج بصعوبة، تشعر وكأنها تعتذر عن وجودها نفسه، وهو ما كان يزيد من انقباض قلب أندرو. أراد أن يقاطعها، أن يقول لها ألا تقلق بشأن أي شيء، لكنها كانت بحاجة إلى أن تخرج تلك الكلمات، وكان يعرف أنه يجب أن تبقى واعية مهما حدث. تركها تكمل حديثها، رغم أنه كان يرغب في صراخ عليها وأن يمنعها من قول هذا الكلام!
أغلقت إيليف عينيها مرة أخرى، ودمعة صامتة انزلقت على خدها الحزين. كان أندرو يراها تتألم بصمت، وكان يشعر بالعجز لأول مرة في حياته. تكلّمت مجددًا، لكن هذه المرة بصوت يملؤه الألم: لِمَ الجميع يكذب علي... لقد تعبت حقًا...
بدأ صوتها يختفي شيئًا فشيئًا، وكانت عينيها على وشك الإغلاق تمامًا. كان أندرو على وشك فقدانها، وهو يعلم أن أي لحظة من فقدان وعيها قد تكون خطيرة. رفع صوته فجأة، متجاهلاً كل شيء آخر، محاولاً أن يبقيها متيقظة: لا، لا! لا تغلقي عينيك، إيليف! تكلمي، لا تصمتي!
كان صوته مليئًا بالذعر، والقيادة أصبحت أكثر جنونًا. أندرو كان يعرف أنه يجب أن يصل إلى المستشفى بأسرع وقت ممكن. كل إشارات المرور، كل السيارات الأخرى أصبحت مجرد عوائق في طريقه. كانت يد إيليف لا تزال في يده، لكنه شعر بها تبدأ في التراخي، وهذا أشعل الرعب في قلبه. ضغط على دواسة البنزين، مستعدًا لتحمل أي عواقب، كل ما كان يهمه الآن هو إيليف وحياتها.
الطريق أمامه كان مليئًا بالسيارات، وكان عليه الانحراف بسرعة لتجنب الاصطدام. كاد أن يصطدم بشاحنة صغيرة، لكنه انحرف عنها في اللحظة الأخيرة. صوت الإطارات وهي تحتك بالطريق كان يملأ الهواء، لكن عقله كان في مكان آخر تمامًا. كان يسمع أنفاس إيليف المتقطعة، صوت ضعيف يخبره أن الوقت ينفد.
مرّت حوالي ساعة بينما كان أندرو يجلس على المقعد البارد بجانب غرفة الطوارئ، عينيه معلقتين على الباب المغلق. في كل ثانية تمر، كان يشعر بأن قلبه يزداد ضيقًا، وكأن قلقه يتضاعف مع كل دقيقة. في عقله، كانت كل الاحتمالات السيئة تدور كعاصفة لا تهدأ. أصوات الأجهزة الطبية في الخلفية، وخطوات الممرضين التي تتردد في الممرات، كل ذلك كان يزيد من توتره، وكأن العالم حوله يتحرك ببطء مؤلم.
بدأ أندرو يشعر كما لو أن الوقت قد توقف. كل ما كان يستطيع التفكير فيه هو إيليف، وجهها الشاحب ونظرتها الحزينة. كيف يمكن أن تمرّ ساعة فقط؟ بالنسبة له، بدا الأمر وكأنه انتظر ساعات طويلة في هذا المكان المملوء بالقلق والتوتر. في كل لحظة كان ينتظر خروج الطبيب يخبره بما يحدث خلف تلك الأبواب المغلقة.

𝑰 𝑾𝑨𝑵𝑻 𝒀𝑶𝑼 𝑭𝑶𝑹 𝑴𝒀𝑺𝑬𝑳𝑭 𝑶𝑵𝑳𝒀 ❀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن