السابع والأربعين

36 1 1
                                    

كان الأفق يكتسي بألوان الغروب البرتقالية، ونسمات الهواء الباردة تداعب أوراق الأشجار على جانب الطريق، بينما كانت السيارة تندفع بهدوء في الطريق السريع. ضوء الغروب كان يتسلل من خلال النوافذ، مضفيًا جوًا من السكون على الرحلة. كانت إيليف تسند رأسها على النافذة، عيناها تفتحان وتغلقان ببطء وهي تحاول أن تجد الراحة بين موجات النعاس التي تغمرها. شعرها الأشقر الطويل كان يتراقص برفق على ظهرها وعلى المقعد، ينساب كالموجات الذهبية الناعمة.
لكن على الرغم من محاولتها للنوم، كان هناك شيء يمنعها من الاسترخاء التام. شعرت بألم خفيف في أسفل بطنها، ذلك الألم الذي بدأ كإزعاج طفيف لكنه كان يزداد شيئًا فشيئًا. ضمت نفسها أكثر، محاوِلة تخفيف الألم بوضع يدها على بطنها، لكن هذا لم يكن كافيًا. الألم كان يتزايد، مثل وخزات حادة تجعلها تشعر بعدم الراحة وتمنعها من الانغماس في النوم الذي كانت في أمس الحاجة إليه.
كانت تفكر في نفسها، محاولة تجاهل الألم. لابد أن دورتها الشهرية على وشك البدء، قالت لنفسها بتنهيدة ألم واضحة، محاولة التغلب على هذا الإحساس الذي يزعجها. رفعت يدها الأخرى ببطء لتمسح على جبينها، الذي بدأ يتصبب بالعرق الخفيف، في حين كانت تشعر بتشنجات تزيد من حدتها مع مرور الوقت.
اندرو، الذي كان يقود السيارة بهدوء بجانبها، سمع تنهيدتها. ألقى نظرة سريعة نحوها، وللحظة قصيرة لمح كيف كانت تضم نفسها بشدة، وملامح وجهها المتألمة. لم يستطع تجاهل ما رآه؛ كانت إيليف تحاول بوضوح إخفاء ألمها لكنها لم تكن ناجحة في ذلك.
بهدوء وبدون أن ينبس ببنت شفة، قام بإبطاء السيارة حتى توقف بجانب الطريق. لكن إيليف لم تلاحظ ذلك في البداية؛ كان ألمها يسيطر على حواسها لدرجة أنها لم تدرك أن السيارة توقفت
تمامًا.
أمسك يد إيليف بلطف، وشعر بملمسها البارد وهو يتسرب من بين أصابعه. استدارت لتنظر إليه بعينيها المتعبتين قليلاً، وتبادلت معه نظرات حملت في طياتها الكثير من المشاعر المخبأة. قلقه كان واضحًا في ملامحه: أنتِ بخير؟
إيليف، رغم الألم الذي كان يعصف ببطنها، ابتسمت له بقدر ما استطاعت، محاولة طمأنته. تقدمت قليلاً، وضعت رأسها على كتفه، كما لو كانت تجد في حضنه نوعًا من الراحة التي تخفف عنها كل ألم. شعرت بيدها الصغيرة وهي تمسك بذراعه بقوة أقل من المعتاد، لتقول بصوت هادئ: أنا بخير، أجل... أنا فقط جائعة. لم أتناول شيئًا منذ مدة، وأشعر ببعض الألم الطفيف في بطني.
اندرو، الذي شعر بزيادة طمأنينته بعض الشيء لرؤية ابتسامتها، ابتسم بدوره، ورفع يده الأخرى ليضعها على رأسها بلطف. كان يحاول أن يمنحها نوعًا من الراحة العاطفية، على أمل أن يخفف عنها ما تمر به. حسناً، لندهب لتناول شيء قبل أن نعود إلى القصر. لا أريد أن تعودي جائعة.
أومأت إيليف برأسها بخفة، وابتسامتها الصغيرة لا تزال ترتسم على وجهها. شعرت بالدفء من الاهتمام الذي يبديه اندرو، وكأن تلك اللحظات كانت كافية لتنسيها الألم، ولو للحظات. شابكت يدها بلطف بيده، أصابعها تلتف حول أصابعه الكبيرة، وكأنها تكتفي فقط بشعور الحماية الذي يمنحه لها.
أعاد اندرو تشغيل السيارة، وأدار المقود بعناية بينما انطلق بهدوء على الطريق. كان يفكر في مكان قريب يمكنه أن يأخذها إليه لتناول الطعام، مكان يمكن أن يشعرها بالراحة بعد يوم طويل من التعب.
كانت إيليف تنظر عبر النافذة، تشاهد الأضواء الخافتة في الأفق والسماء ابتي اصبحت تميل للأزرق الغامق. الألم في بطنها كان لا يزال موجودًا، لكنها لم ترغب في أن تزعج اندرو به. لم تكن تود أن تخبره أنها تشعر بألم بسبب دورتها الشهرية، لأن الحرج كان يتسلل إليها والخجل يغمرها. لم تكن معتادة على الحديث عن أمور كهذه غير مع أحد من غير والدتها، وكان ذلك يزيد من صعوبة البوح.

𝑰 𝑾𝑨𝑵𝑻 𝒀𝑶𝑼 𝑭𝑶𝑹 𝑴𝒀𝑺𝑬𝑳𝑭 𝑶𝑵𝑳𝒀 ❀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن