الفصل السادس والخمسوندخلت تمسك يد عبير التي تشبثت بها ونظرها جهة العم صابر الذي وقف لها
ليقفن بناته بعده وزوجته , ووجدتُ نفسي لا إراديا أقف مثلهم ونظري لا يفارق
ملامحها , سحقا للشوق يا سراب أشعر أني لم أراك من عامين وليس شهرين
فقط , حتى أنك حرمتني من سماع صوتك ولو غاضبة أو معاتبة , كانت تلبس
عباءة سوداء حواف أكمامها وقبعتها محاطة بنقش فضي عريض وحجاب أبيض
وكانت أول مرة ترتدي هذا النوع من العباءات , وصلت عند العم صابر وقد
امتلأت عيناها العسلية الواسعة بالدموع , فقبّلت رأسه ويده وقالت بعبرة
" حمدا لله على سلامتك , ما أروعه من يوم لم تشرق الشمس على مثله "
مسح بيده على رأسها وقال مبتسما " بارك الله في أصلك يا ابنتي
وأكثر من أمثالك "
توجهت بعدها لبناته وسلمت عليهن تباعا بالواحدة وكل من حضنتها بكت معها
واختلط بكائهن بالضحك حتى وصلت لعمتي سعاد الواقفة بجانبي وضمتها بقوة
عناقا طويلا لا شيء فيه سوا بكائهما ثم قالت بعبرة " حمدا لله على سلامته
عمتي , وكأني رأيت والدي أمامي تعافى من مرضه "
ضمتها أكثر وقالت " سلمك الله يا ابنتي ورحم والدك وأسكنه فسيح جناته "
ابتعدت عنها تمسح دموعها هامسة " آمين "
ولم يبقى طبعا أحد غيري هنا لم يحضا بشيء من كل ذلك العناق والدموع والفرح
نظرتْ جهتي ورأسها للأسفل ومدت يدها لي وقالت بهمس " حمدا لله على سلامتكما "
نظرتُ ليدها التي لا يخرج إلا نصفها من كم العباءة الدائري الطويل بفتحته الواسعة
ومددت يدي لها لكن لم تكن اليد اليمنى بل اليسره وأمسكت بها يدها وشددتها لحضني
وطوقتها بذراعاي قبل أن تعترض أو تبتعد هاربة مني , ولأننا في وجود الجميع هنا
فلن تفعلها وتمنعني أعرفها جيدا , استكانت في حضني بلا أي ردة فعل فضممتها
أكثر وكأني بذلك أعوض أيام وأسابيع البعد عنها , ثم همست في أذنها قائلا
" من المفترض أن يكون لي مثل الجميع ولو من باب العدل "
لم تعلق بشيء ولم يبذر منها أي رد فعل سوا أنفاسها المتلاحقة القوية فأبعدتها
عني وأمسكت وجهها بيداي ولازالت تهرب بنظرها للأسفل فانحنيت لها
وقبّلت خدها المحتقن من البكاء وقلت هامسا " اشتقت لك "
أنت تقرأ
حصون من جليد
Actionغرفة ذات جدران قاتمة اللون رغم طلائها الفاتح ومكتبة برفوف ضخمة خشبية مدعمة بالحديد كي لا تتآكل مع مرور الزمن ورجل يليق بهذا المكان بمعطفه الخريفي الرمادي رغم أننا في فصل الصيف وطاولة واحدة أمامها كرسيان فقط ليس لضيق المكان لكن لأنه لا يدخله أكثر من ...