1 || بدايةُ رِحلة !

32.1K 1.2K 1K
                                    

-" عالمٌ عفن .. "

تمتمتُ مُحادثاً نفسي، عيناي حدقّتا بالطعام الساخن أمامي بينما أذناي تستمعان لدندنات النوارس بالخارج. رُغم غزوٍ كامل لرائحة الطعام الطازج على الأجواء؛ إلا أن كل ما يشتمه انفي هو قذارة أقدام البحارة خلفي التي أشك كونها قد لامست الماء يوماً، غير اليمّ الذي يرمي بأمواجه بين الوقت والآخر.

-" قتال ! قتال ! قتال ! " أخذت تلك الكلمة تتردد ويزداد عُلوها كاسرةً طبول أذني. ارتشفتُ جرعةً أخرى من الشراب الذي بيدي ونظرتُ لفلينسن ذو الأنف المُعوجّ، صاحب المطعم، الذي كان يُنظف بضع أكواب بالقرب، ثم سألته ضجراً:" من وعلى ماذا يتشاجرون مجدداً؟ "

-" إنهم القراصنة، كالعادة. بدايةً كان تحدياً على أيهم أقوى تحملاً للشراب، ثم وبعد حولي العشر كؤوس انتهوا جميعهم بالسُكرِ التام وشرعوا بالتشاجر حول أيٌّ منهم قد فاز. " رد عليّ، ألقى نظرةً عليهِم من خلفي ليعبس ويُطلق تنهيدة، بانزعاجٍ همس:" هذا وضعٌ خطر، كله إلا خدش أثاثي ! " فيسألني بعدها دون إتاحة مجالٍ للإجابة حتى:" هو كأسك الثاني أو الثالث عشر صَحيح؟ " ابتسم مع قوله ليصيح خاطفاً اهتمام الجميع وتحديداً مِمن كانوا خلفي في معمعتهم البربرية:" بالنهاية لَم يفز أيٌ منكم؛ لأن هذا الشاب هنا قد كسر رقمكم ! شرب أكثر من خمس عشر كأساً أيها الأوغاد ! "

ألقيت نحو المستغّلِ اللعين نظرةً قاتلة، لَم يسعني الوقت لتنفيذها مع سماعي لنداءاتٍ تطلبني من الخلف، تنهدتُ واستدرت جانبياً لأتلقى نظراتٍ غاضبة كانت ترمي لي وبكل وضوحٍ بطلب القتال.

همهمتُ قليلاً لدى مَسحي السريع لأولائك الرجال، هم خمسةٌ ذوي بِنيات مُتفارقة الضخامة، ثيابٌ خفيفةٌ باهتة بألوان مختلفة، لِحى ملونة متباينة الكثافة وأخيراً وجوهٌ ملأتها ندوبٌ كانت قد حفرت كما تخيلت كمّ المخاطر التي تعرضوا لها حتى ظهرت، بينما حقيقةً لم يكن كل هذا يهمني؛ فقد وصلت لاستنتاجٍ بالنظر لأشكالهم: من الممكن أنهم يملكون المال، لكن قد أرسل للجحيم قبل أن يلمس إصبعي قرشاً منه !

مثل هذا الموقف لا يكون عادةً بالجيد للصٍ مثلي ! وقتُ الزحفِ والهروب ..

-" ليس إلا بالجبان يا رجال ! علّه وغالباً سيذهب جارياً لبيته الآن طالباً التودد وجُرعات اللطف من زوجته حتى ينسى وجوهنا التي ستشوهه ! " قال أحدهم، ذاك أطولهم وكما بدا أشدهم قوةً بما لم يحرّك فيا شبراً وقد حملت حقيبتي بُغية الرحيل، لولا انه أردف بعد ثواني :" أوه ما الذي أقول؛ من مثله كيف لأي امرأةٍ أن تنظر له حتى؟! لكَم أشفق على أمكَ المسكينة التي ستجري لها باكيا الآ.. " لم يكمل كلامه إلا وانكسر سنٌ من طَقمه الأصفر الشديد القذارة على يد قبضتي.

أسمح بكل شيء، عارضني على كُرهي للقطط، اكرهني لحُبي دِماغ الخروف مقلياً أكثر من أي طبق، بل واقتلني لكوني فوّتت آخر رحلةٍ فقط لملاحقة فتاةٍ اتضح أنها مجرد طفلة ! لكن إياك، إياك وذكرُ أمي بأي شيء !

كنزُ آفيروناميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن