16 || لغزُ قبيلتيّ كاديو -ج2-

2.2K 304 124
                                    

كان الصمتُ مُطبقاً.

صمتٌ مُخيف، مرعب. من النوعِ الذي تقشعر فزعاً فقط بالتفكير بأنه سيُكسر بأبشعِ طريقةٍ وفي أيّ لحظة، فما بالك بأن تخضع له وأنت مُختبئ؛ بينما هناك من يُطاردك..

كان المكانُ ضيقاً.

كنتُ جالساً، أو بالأصح منحشراً، بين أربع جدران خشبية منخفضة تخصّ خُمّاً للدجاج، كان أول مخبئٍ وجدته بعد أن نجحت في الفرار أخيراً من الفتاة التي ما عادت كذلك تقريباً مع رغبتها الجامحة في التعشي عليّ.

كنت وخلال انتظاري هجومها القريب أفكرّ بما قالته وبما استحالت إليه، لا شك أن لكل ذلك علاقة، إذ ولابد أن الدخول للقرية محرم خلال شهر عزلتهم هذا بسبب تحولهم الغريب مع طلوع القمر في الأغلب. تحولٌ يجعلهم كما مخلوقات الزينيف؛ وحشيين.

كم كان عددهم؟ خمسة ربما أو ستة؟ هذا عددٌ لا يُستهان به إن كانوا في حالتهم تلك، ويمكن أن يكونوا أكثر باعتبارهم أطفال قريةٍ كاملة، والتي أنا بالمناسبة متموقعٌ تماماً بمنتصفها .. أنا في ورطة.

حسناً، فقط عليّ التفكير الآن والتصرف. أولاً يجب أن أخرج من هنا، لم أسمع صوتاً من مدة وهذا يبشر بالخير. ثانياً وحالما أخرج؛ عليّ إيجاد سلاح أو أداةٍ حادة .. قد تسألون: هل هو مستعدٌ لقتل أطفال مقابل حياته الخاصة؟ وإجابتي هي نعم، أعزائي، لا نعيش إلا مرةً واحدةً ولستُ مستعداً لفقدان حياتي فقط لإشفاقي على كومة أطفال متحولين. لا مكان للمشاعر بمثل هكذا مواقف، مواقف الحياة أو الموت.

أخذتُ نفساً عميقاً، ثم أعدتُ الكرّة، وحين تأكدت من كوني مُستعداً؛ حرّكت مدخل الخُمّ الضيق بهدوءٍ بقدمي فواجهني العشب الأخضر الساكن مرحبّاً، وسرعان ما اكتشفت أن حديقة البيت التي كنت فيها فارغة، ما جعلنني وتلقائياً أتنهد ارتياحاً. لكن على ذلك ألاّ يدوم.

خرجت بهدوءٍ شديد، مع احتمالية قرب أحدهم من مكاني، وكان آخر ما استخرجته من الخُّم رأسي، الذي بدوره ما أن حرر حتى راح يستدير من جهةٍ لأخرى ليتفحص المكان، ويبدو أأني آمنٌ حتى الآن. تنازلت أعيني بعدها، رحت كما خططت أبحث عمّا قد يحميني من بطش أظافر تلك الفتاة أو أنيابها التي فاقت أنياب الذئب حدة؛ أيهما أقرب لوجهي.

لم أجد شيئاً، فقط معولاً صدئاً رُمي بين العديد من الصناديق؛ وكان عليّ استخراجه منها. ما يعني إصدار أصوات..

حظي، يسعدني بهذه اللحظة وعلى ضوء هذا البدر الوهّاج في ليلته الساكنة الهادئة للغاية بحيث أني أسمع صوت أنفاسي وعلى شرف سبع إلى عشر أولاد طلقاء ينوون التهامي في القرية المكشوفة الأماكن حتى للاختباء؛ أني، وبكل جدية أمتلكها، أقول أني أكرهك. حدّ النخاع.

-" تباً لهذا.. " انتزعته تاركاً كومةً من الصناديق تتساقط واحداً تلوى الآخر فوق بعضها البعض مُصدرةً ضجيجاً مع كل اصطدام، كما لو أنها تتعمد ذلك، بينما حملقت في تلك الثواني حولي وانطلقتُ في جريٍّ خفيف لسريع نحو مركز القرية أين تركتُ الآخرين؛ عليّ أن أعرف ما حلّ بهم.

كنزُ آفيروناميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن