32 || وداع.

2.3K 275 63
                                    

-" لم يجب عليّ أن أرافقك؟ "

-" لأنك ابن عمتي، أشبه بأخي، والإخوة يقفون مع بعضهم في الشدائد. "

-" أيّ شدائد؟ أنت فقط ستقوم بتوديعها. "

-" لم أودع أحداً من قبل .. بهذه الجدية. أنا مرهف الحس، أخاف أن يؤثر عليّ حزني فأقوم بفعلٍ غبي قد أندم عليه. " تنهدت. المراهقون وعواطفهم الغبية، أشعر ببعض الشفقة عليه حقيقة، يبدو عليه توتر فعلي. ربما هو لم يكذب حينما قال أن أفراد العائلة لا يستمرون لأكثر من أسبوع بمكان واحد، وهو حينما نشأ على هذا أضحى تعلقه بالبشر إن استمر في رؤيتهم لمدةٍ طويلة سريعاً.

سألته رغم ذلك مستفسراً:" هذا توترٌ شديدٌ لمجرد وداع صديق، هل تراه مجرد تعلق؟ أم أنك أحببتها؟ "

فكرّ قليلاً. " لن أكذب، ربما خليطٌ بين الاثنين؟ لا أدري .. فقط يتملكني حزنٌ شديدٌ حينما أفكر بأني عليّ تركها، كذا كل هذه المدينة، مرّ شهرٌ لي تقريباً هنا وقد اعتدت عليها وعلى سُكانها، لكن الشعور مختلف قليلاً حينما يتعلق بها، أقوى .. تفهم؟ " نعم، سابقاً في أول أشهر ترحالي كان هكذا هو الوضع معي؛ لكنني ومع مرور الوقت اعتدت فما عدت أتأثر أو بالكاد حتى أتعرف على البشر إلا عندما أحتاج. لكن، ربما راودني بعضٌ مما يشعر به حينما نظرتُ لكامل الطاقم نظرةً أخيرة قبلاً. لن أكذب بدوري، شعرتُ لوهلة بالندم لأنني كنت أتكبر قليلاً عليهم، بالرغبة في رُفقتهم، بالتعرف عليهم أكثر وبالسفر معهم مجدداً.

-" الآن، لم نحنُ متجهان نحو الطاحونة؟ لا تقل لي بأنها تعمل هناك؟ "

ابتسم. " هي تفعل. "

-" هناك وبالمطعم والقصر، كم عملاً لديها بالضبط؟ "

-" تسعى لهدفٍ وتعمل لأجله ببساطة .. ليس كبعض البشر المُثيرين للشفقة. " أعتقد أنه قصد نفسه، لكنني شعرتُ بأن ذلك يعنيني أيضاً. حتى بعيداً عن كل هذه البلبلة حديثة الظهور بحياتي، لم يكن لي سابقاً هدفٌ محدد، أنا من النوع الذي يسعى للأفضل فحسب.

ورغم ذلك، " أخبرني بعض الأشخاص بأن هناك العديد من الغرائب في العالم تنتظر أن تُستكشف، هم محقون، وكونك مرتحلاً فأنت عليك العيش لتراها؛ لترى الحياة بمِلئها. نحنُ أفضل من الكثير من الأشخاص المُكبلين، الذين يولدون ويموتون بمكان واحد، قد يتوهمون الحرية؛ لكن وبرأيي فالحرية هي مقدرتك على التجول في بقاع الأرض عيناك تحفظان مناظرها وذكرياتك مُنتعشة بمختلف الألوان التي تُمثل مختلف الأماكن والمناطق التي زرت .. لا تنظر للترحال على أنه فقط أسلوبُ حياة أنت مُجبر عليه، انه أفضل مما تعتقد، فقط حاول مُعايشته حقاً وصدقني ستفهم ما أقصد. " كان كلاماً من القلب وما أقل قولي له، الترحال حياتي، هو ما أحب وبه راحتي.

-" يمكنني أن أرافقك حينما ننتهي من هذا؟ أنت تتكلم عن شغف، عن حب، لا يمكنني الإحساس فعلاً بهذا، لكنني أريد، ربما هي حياةٌ مُجبرٌ عليها؛ إلا أنني أريد أن أحبها ! علّمني كيف، أرني الجمال فيها. " أمكنني رؤية ذلك في عينيه؛ كان مُصراً، يقول الحقيقة، نظرته عبّرت كلياً عن حيرةٍ بداخله نوت أن تختفي تاركةً مكانها لشعور أوضح وأفضل. ابتسمت وأومأت إيجاباً. اتسعت ابتسامته، ثم تمتم:" جيد، أخيراً ! " أوضحت كلماته البسيطة هذه بأنه كان مُحتاراً فعلاً بالموضوع، حياة الترحال بسيطة، جمالها في بساطتها؛ يصعب عليه رؤيتها لأنه لم يجد إلا التعقيد في حياته منذ بدأها. لا بأس، ستتفتح عيناه مع الوقت، يحتاج فقط بعض المُساعدة وسوف أمنحها له.

كنزُ آفيروناميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن