20 || رُفقة التِنين البنفسجي -ج2-

2.1K 285 60
                                    

ابتعد عني التنين فجأة.

هذه المرة، تحرك كما لو أني لم أكن موجوداً بتاتاً؛ أدار رأسه ناحية الجدار الأمامي الذي يحدد نهاية الكهف الذي أنا فيه، وغالباً نهاية الجبل كذلك طالما أن هناك ثغراتٍ تسمح لنور الشمس بالتسلل، وبدون سابق إنذار تراجع في ثوانٍ للخلف وتقدم بسرعة وقوة شديدتين نحوه؛ محطماً إياه !

تفاديت العديد من الصخور العملاقة التي كادت تهرس رأسي بسقوطها عليه، وما إن تخطيت أثر المُفاجئة وقلّت كثافة الغبار والتُراب الذي انتشر في الأجواء؛ فتحت عينيّ جيداً لأرى ما أمامي. كانت هناك غابةٌ كثيفةٌ عميقة، تمتاز معظم أشجارها بلونٍ أخضر داكن، بعضها القليل الآخر بلون أفتح؛ لكنها وكما قلت جدّ قليلة، بدت كبحرٍ أخضر له أفقه الخاص ولا يبدو أن له أي نهاية. لابد أننا لم نرها قبلاً نظراً للجبال العالية التي تُعيق الرؤية، كما لو أنها بُحيرةٌ بشكلٍ أصح تحيط بها الجبال.

خرجت بحذرٍ بينما لازال التنين في الداخل، كان هناك متسعٌ بسيطٌ لي لأقف حتى أتفحص الأمور خارج الكهف؛ والذي ورغم أنه بدا في المقدمة كبيراً إلا انه الآن وبالنظر لباقي الجبال المحيطة وارتفاع جبله الخاص الشاهق لا شيء تقريباً، كانت السماء في عمومها صافية، تتخللها بضع غيوم بيضاء ضئيلة مارة كنت أعلم أنها ستتوسع قريباً، وتياراتُ هواءٍ بارتفاعي هذا لم أستغربها بل استحسنت وجودها لأتنفس بعمقٍ أخيراً، بعدما ظللتُ أسير لمدةٍ غير معلومة بالكهف الضيق.

حينما استفقتُ من لحظتي الخاصة عُدت للخلف، متذكراً وجود التنين. كان يحدق بي ساكناً. غمرني إحساسٌ بأنه يريد قول شيء.

رفرف بجناحيه قليلاً، بدأ يتحرك بكثرة كما لو انه يستعيد تحكمه بعظامه التي كانت في سُبات؛ تارةً أذرعه وتارةً رجليه، وتارةً أخرى رأسه من رقبته. حينما انتهى، تقدم بضع خطواتٍ نحوي، توقف بقربي وانزل رقبته لمستواي، ثم تلمس جسدي برأسه. حاولت ترجمة هذه التحركات، ولم أجد غير أنه يحاول تحفيزي على فعلٍ ما.

سرعان ما فهمت. " أنا؟ عليك؟ أركب؟! " طرحت أسئلتي كما الأبله وهو لا يفهم أقوالي، رغم أنه يُحاول أن يفهمني ما يريد ولا يمكنه قوله.

كانت إجابته تكرير فعله، دفع جسدي برأسه مجدداً نحوه؛ ولم أجد نفسي إلا مجبراً على القيام بما يريد.. بعد كل ما حصل هنا، لا أعتقد أن لديه أيّ نيةٍ فعلاً لإيذائي. كما أنني أحس بذلك، وهذا غريب، كما لو أنني متصلٌ به. أتساءل ما صِلتي به.

رفعتُ جسدي بهدوء وثبت نفسي عند مُؤخرة رقبته، في البداية اعتقدت أني سأسقط؛ فهو ما إن ارتفع صِرت أحس بالأرض تدفعني وبجلده كأنه مطليٌ بالزيت حثني على السقوط، لكنني لم أفعل، أمسكته جيداً ولا يبدو أنه يمانع ضغطي؛ وحاولتُ قد الإمكان تجاهل فكرة أننا سنطير بعد ثواني قليلة وأنني سأكون هناك في السماء؛ على ارتفاع لم يسبق لي أن تخيلت المنظر منه حتى !

كنزُ آفيروناميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن