قصة قصيرة2: مزرعة مولا.

1.4K 106 46
                                    

يُثير اهتمامي النمل.

مجموعةٌ قويّة، منظمة، مُثابرة، مُترابطة فيما بينها وتعمل جاهدةً لنجاةِ كل فردٍ منها حتى نهاية حياته القصيرة، إنهم ولاشك يكونون سُعداء باكتمالهم؛ سُعداء مع بضعهم كعائلة كبيرة دافئة. ذلك يُدغدغ مشاعري. " أعتذر عن مرّات دعس إخوتكم دون انتباهٍ مني. " قُلت مُكلماً صفّ النمل السائر قُربي." أتعجب كيف يغضب الناسُ منكم عندما يلمحونكم في بيوتهم تُحاولون الاقتيات بفُتات خبزهم، أعني، إنهم هم عادةً من يقتلونكم دون أيّ شفقة؛ ثم يأتون بكل بساطةٍ ليصفوكم باللصوص من أجل فُتات كان سينتهي في القمامة ! أخبروني، ما خطبهم؟! " هززت رأسي. " أفكرّ أحياناً، ماذا لو كنتُ مجرد نملةٍ صغيرة ظريفة، تُحيطني أخواتي الكثيرات كلنا نسعى لنفس الأهداف، نتقاسم مع بعضنا الفرح والألم كذلك، أليست حياةً أحسن من حياة بشريّ لا ينفكّ عن الشعور بالوحدة أينما ذهب وكيفما تغيّرت حاله؟ " تنهدت. لأيّ درجةٍ أنا يائسٌ يا تُرى حتى بتُ أحسد النمل هكذا؟

لمحتُ إحداها تُصارع قشةً طويلة كي تعبر من خلالها وتنضم لأقرانها، راقبتها بعض الوقت، تُجرب الطريقة بعد الأخرى بحثاً عن مخرج مُمكن، فتارةً تُحاول تسلقها وتفشل، وأخرى تسير معها حتى آخرها لكنها تُصدم بوجود حصيّةٍ تُعيقها، ورُغم انقطاع الطُرق الممكنة؛ لم تستسلم، وأعادت المحاولة مُواجهةً فشلاً بعد الآخر. " دعيني أنهي معاناتكِ. " أخبرتها ومددت يدي كي أنزع القشّة، وما فاجئني، هو اكتشافها إياها ومُسارعتها بتسلقها بدل ذلك، ثم نزولها من طرفها الآخر فتنجح أخيراً بتحقيق هدفها بعد جهدٍ كبير. وقد تخيلتها تُخبر مُتحمسةً رفقتها الذين عادت لهم عن مغامرتها القصيرة، مآثرةً وناصحةً بالعمل الدؤوب المستمر، أو ذاك ما استخلصت واستنفعت به منها.

-" ما الذي تفعله، أيها الفتى؟ " سمعتُ صوتاً يقول من خلفي. استدرتُ فوجدتُ امرأةً مُبتسمة، لها ظفيرةٌ بُرتقالية طويلة مُمتدة من تحت غطاء رأسها، بأعلى عربة قديمة جالسةً عند مقعد السائق. " أظللت طريقك ربما؟ فهذه المنطقة خاوية تقريباً، وستستغرق ساعتين مشياً حتى تصل لأقرب مدينة. "

-" كلاّ، لم أضعه، حسناً .. " نظرتُ حولي وحككتُ رأسي مُفكراً قليلاً. " في الواقع، لعلي فعلت. أنا لستُ متوجهاً للمدينة للوقت الحالي، لكنني أعرف طريقها بالفعل، هي من هناك جنوباً، على امتداد .. "

-" ذاك الشمال. " قاطعتني مُصححة.

-" حقاً؟ يا إلهي. بمثل هكذا أرض خضراء شاسعة يصعب فعلاً تحديد الاتجاهات ! " قهقهت. " أو ربما أنا فقط أحمق. "

ضحكت بدورها وأوضحت:" لا بأس، يحدث هذا أحياناً. إلى أين أنت متجهٌ إذاً؟ "

وقفت بعدما أدركتُ أني لم أترك وضعية انبطاحي بُغية تأمل النمل. أخبرتها:" سمعتُ عن إشاعةٍ مُتناقلة هنا. عن وجود مزرعة مخفية، لا يدري لها الناس الطبيعيون طريقاً ولا وجهةً مُحددة، يُدرى فقط أنها تُجاور هذه المنطقة، قلةٌ من يدخلونها غير أصحابها، عادةً يكونون تجاراً يبتغون اقتناء كميّات كبيرة من منتجاتها شأن الصوف والبيض والحليب، وهي من جودةٍ جدّ رفيعة. المُثير للاهتمام، يُقال أن تلك الجودة نِتاج حيوانات سحرية عجيبة لا يوجد لها مثيلٌ بكل الأرض، وما يثيرني أنا تحديداً، الماعز. "

كنزُ آفيروناميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن