قصّة قصيرة1: زيارةٌ بحثاً عن جواب.

3.8K 219 100
                                    

تأتي لحظات يمكن دعوتها بالغريبة بين الوقت والآخر. لحظات تتوقف فيها، تنظر لنفسك ولما حولك ويُطرح سؤالٌ فجأة بداخلك: هناك نقصٌ ما، ما هو؟ فتحتار، أهو نقصٌ يعنى به شيئاً مادياً غير موجود أو ضائعاً، أم هو نقصٌ نفسي ناجمٌ عن رغبةٍ بما هو غير معروف، أم هو نقصٌ مختلف؛ نقصٌ خاص، نقصٌ عميق يعبر عن فراغ ما انتبهت له لتوك بين دهاليز ذاتك، نقصٌ لن يغفن لك جفنٌ حتى تملئه بما هو مناسب.

أن تنتبه لوجود نقص داخلك هي حالة قد لا تستحبها، فهي تجعلك تؤكل الثانية بعد الأخرى بفعل الجهل؛ ذاك الشعور المزعج، ومن ناحية أخرى، مثلما لكل ما في الحياة من نقائض وقرائن، قد تستحبه لاحقاً؛ إن حصل وعثرت على ما ينقصك فإنك ستشعر بالاكتمال، وإن لم يكن أبدياً، لكنه اكتمال. البشر ميّالون للمثالية وإن كانت مستحيلة على تقبل وقائعهم واستغلال المجمل فيها.

ذاك ما يقضّ مضجعي حالياً. أشعر بالنقص، هناك ما ينقص، ولا أدري ما هو، وذلك يزعجني بنسبةٍ قليلة مقابل أخرى تتمثل في رغبتي في التعرف عليه. هكذا أنا دائماً مع الجهل، أحبه لأنه يعني المعرفة، أن هناك معرفة جديدة تنظرني، وأكرهه؛ لأنه يمثل أولى الخطوات بطريقي نحوها بين ضبابٍ لا يُوضح من معالم الطريق شيئاً.

فشرعتُ بسؤال نفسي مجدداً، عيناي تتأملان سماء الليل الخلّابة بُعيد ما قررّت الاستلقاء خارجاً مع عدم قدرتي على النوم. بضع نسمات منعشة قبّلت وجهي بروّية. لا شيء يُضاهي خروجك بليلةٍ صيفية للطبيعة، التي تُغازلك بجوها الخفيف وجمالها البديع. تساءلت، ما هذا النقص الذي أشعر به؟ ما الذي ينقصني؟ سعادة؟ أنا لا أشعر بالحزن، ربما أن قلقة من روتيني المعتاد؛ لكنني لا أكرهه حقاً، لا أشعر بأيّ اضطراب نفسي أو جسدي بالمجمل فما الناقص؟

-" ما رأيك؟ " سألته. حركته كانت ضعيفة في الهواء دلالة على تعبه، وهو عادةً لا يتعب أبداً تقريباً؛ نحن نفذنا أعمالاً كثيرةً في الأيام الأخيرة، فقد زرنا ثلاث قرى أعنّا سكانها على العلاج مما يهد أجسادهم من أمراض. " ما من الممكن أن أريد؟ " رمشت أعينه العشر مرتين، بما معناه أنه لا يدري، فتنهدت وأعدت نظري للسماء.

بأوقات كهذه، أشعر أني احتاج لأن أحاط ببشر آخرين يمكنني الأخذ والرد معهم بالأحاديث، فعلّ آرائهم قد تفيد وإن لم تفعل فإن هناك راحةً في التخلص من بعض القلق الناجم عن تجمع الأفكار وكبتها.

-" نزورهم غداً؟ " سألت رو. أظنه نائماً الآن، أجفانه مغلقة. " سنزورهم غداً. " أعدت قولي بنبرة الأمر والتقرير. ابتسمت وقد لاحت وجوههم بسماء مخيلتي، لم أرهم من مدة.

أحزرُ أنه سيكون جميلاً بالغد.

***

-" اطووا الأشرعة بسرعة ! سنغرق على هذه الوتيرة ! " صدح صوت نائب القبطانة بكل بقاع السفينة في درجةٍ نافست هزيم الرعد القويّ أعلاه. كان كما النحلة ينتقل من موقع لآخر يُعين على ترتيب الأمور مع طاقمه كما يوجههم ولا يتركهم فريسةً للتشتت بمثل هكذا وقت عصيب لهم، ويحرص على سلامتهم ولو أنه لا يظهر ذلك من حزمه عليهم.

كنزُ آفيروناميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن