ارتدت القاعة وكل القلعة زينةً تبرق كجوهرٍ خام مجسدةً كل جمال، تراها في ثرياتٍ كريستاليةٍ ضخمة عُلقت في السقوف؛ وكذا السجاد الأحمر الذي احتضن أقدام الحضور في نعومةٍ تُشعل فيك فقط الرغبة في الاستلقاء عليها. ستائرٌ قانيةٌ ازدانت بذهبيٍ زخرفها؛ شبيهتها غلفت الطاولات المحيطة، التي لم تحج لزينةٍ مع أوانيها الفاخرة وما عليها من طعامَ قد يقتل منظره أيّ جائع !
فتلتُ حول المكان عيناي تثبان من زاويةٍ لأخرى، وجوهٌ مبتسمة تراها أينما توجه حدقتيك؛ جوٌ سعيدٌ عامٌ لا يشوبه أي شعورٍ آخر، سواء من النساء اللاتي تكاد تعتقدهن يتنافسن خصيصاً بهذا الحفل في مسابقةٍ للجمال؛ أو الرجال الذين ما انفكوا باحتساء أغلى أنواع الخمور والمزاح فحسبُ كان أساس حِواراتهم. أحياناً أحسُد الأغنياء على ما لَهم من راحة بالٍ لا تجدها عند الملوك أنفسهم لكثرة ضغوطاتهم، وأحياناً أخرى؛ ألوم نفسي على هذا الحسد. لو كنتُ مثلهم، فسيجرني ترفهم على التخلي عن حياةِ الترحال خاصتي التي أُحب.. أكره حين أتناقض مع نفسي.
لم يبدو مما أرى أن وقتَ عرضِ الجوهرة قريب، لذا فاخترتُ أولاً التمتع ببضعِ وجباتٍ من هذه التي لم أتذوق مرة؛ قُبيل أن أبدأ رحلة بحثي بين هؤلاء عن صاحبة الرسالة المطلوبة.
مرت ساعةٌ بين ترانيم وألحان العازفين الهادئة، كنتُ قد اكتفيت من مأدبة هذه الحفلة الراقية أخيراً، وقررتُ البدء بالبحث. مشيت ببطءٍ بمحاذاة الجدران مع بحثي بعيني في كل مكانٍ عن تلك السيدة، ذات الشعر الفاحم الطويل الدائم الانسدال بكل مناسبة كما وصف الرجل؛ وأعيُن الغول كما شبهها؛ لشدة سوادها. ولسبب، أو طريقةٍ ما، هي تعلم أنني قادمٌ لتسليمها الرسالة، فسيسهل أن تتعرف علي ما أن أجدها وبالتالي ستسهل مهمتي تماماً.
تلاقت عيناي عدة مراتٍ مع طاقم السفينة من فريق المتنكرين الأغبياء، كانوا يبتسمون لي بينما تجاهلتهم لإبعاد الشُبهات، وبأي حال؛ هم كانوا يعودون لانشغالاتهم مع الطعام أو الحديث، وتساءلت حقاً عن مدى استعدادهم لما سيحصل لاحقاً من مخاطر.
أكملت مهمة بحثي، ولم أتوصل لأي شيء. لم يكن لهذه المرأة أيُّ أثر، مطلقاً. أو أنها لا تنوي إظهار نفسها حالياً.
داهمتني فكرةٌ مفاجئة عن احتمالية تواجدها خارجاً بانتظاري في مكانٍ ما من القلعة، فكما يُبان؛ النبيل وهي لا يفضلان الظهور للعلن كثيراً، كان بإمكانه تسليم الرسالة بنفسه، غير أنه تحمل عناء تعيين أحد آخر لفعلها، وهي لم تظهر أبداً .. كأنهما يتجنبان مركز الحفلة تماماً ! علّهما على عداوة مع بعض المدعويين؟ أم هما خائفان من أحد أو أمرٍ ما هنا؟ لكن لم قد يتفقان على الاستلام هنا إذن؟
هززت رأسي، هذه أمورٌ لا تعنيني.
نظرتُ حولي، مما علمتُ عند دخولي؛ هم لم يمنعوا الراغبين بالتحديق والتجوال في البهو العظيم كما يُسمى؛ والذي يحتوي عدداً هائلاً من اللوحات القديمة لمُحبي الآثار. يمكنني الشروع ببحثي من هناك. كذلك، سيسمح لي هذا بإراحة رأسي قليلاً من هذه الأجواء، فلستُ بمحبٍ للحفلات بالمقام الأول.
![](https://img.wattpad.com/cover/124171303-288-k984684.jpg)
أنت تقرأ
كنزُ آفيروناميس
Fantasyبين البحار قُبع كنزٌ مجهول، في مسعاه ضاع كل ساعٍ أو استحال لمجنون! جُزر ريفالا السبع تنادي القراصنة: من منكم سيفكّ لغزي المحير؟ ويظفر بما لم يسبق له التخيل؟ رحالتنا البسيط آرو، والذي لا هدف له إلا التجوال في الأرض بحرية؛ لم يسبق له وأن آمن بهذه الأ...