اردفت بحزن مرير و قلبي يتقطع أساّ على ما آل إليه الملك فبالأمس كان صحيح العلة يُرتجَى منه الخير و يخاف من هيبته السقم و اليوم هو يحتضر ، يا لتقلبك أيها القدر.
-أنا ميكايلا، أنا ابنتك التي تخليت عنها قبل عشرين سنة ، فهل تذكرني الآن يا أبي ؟!
جمع الملك نفاسه ثم زفرها بتعب شديد و هم يعصر القلوب بينما السعلات تقطع الحروف و الكلمات : ميكايلا ؟ لا ! ميكايلا هربت منذ دهر بعيد !
ضربت يدي بقوة لصدري كقسم إلاهي صادق : لا يا أبي أنا هنا حقا، أنا ميكايلا... بشحمي و لحمي و بأعيني التي لا تشبه إلا اياك.
حاول الملك توجيه بصره الي ... ثم أجاب بعمق : لماذا يا ميكايلا ؟ لماذا عدت الآن ؟ الم تهربي بعيدا ؟ الم تفطري فؤادي برحيلك ؟ أ لم تنشري الفوضى في بلاط قلبي ؟؟ أ لم تشعلي نيران الأسى و الحرقة في حدائقه ، و ايقظت اطيافا تخنقني ليلا مرار و تكرار ؟؟ لماذا هربت يا ميكايلا ؟
علِقت الكلمات في حلقي الباح ثم إنطلقت معا في حسرة : لكن ألا يجب أن أكون من يسأل هذا السؤال؟ لماذا ؟؟ لماذا ابعدتني و حرمتني من عائلتي و سلبت مني بر الأمان ! لماذا حولت أحلام طفلة بريئة إلى كابوس مرعب ؟
تنهد الملك و حمل يده بعض الشئ : اقتربي يا ميكايلا ! اقتربي و تعالي و افهمي ما اتخذته يوما يا ابنتي ! إنما هو في الحقيقة قرار صعب جدا قد تحملناه معا الآن.
فخطوت إليه خطوات بطيئة في سكون ، اتكئ على السيف و امسك بالجدران، اكتم آهاتي من جراحي الصارخة و احبس الدموع في زنزانة الصبر ! فهذه المرة لم أكن بنظره الجندي الجاثي و لا الخادم المطيع و لا الأسير الحقير ! فلأول مرة و التي ستكون الأخيرة حتما سأكون الابنة الصغيرة . فلذة الكبد الوحيدة و الأمل الاخير ! و هذه المرة لن انظر اليه كملك موطني او كسيدي الموقر، هذه المرة الأولى و الأخيرة التي سأنظر إليه ... كأبي.
وقفت فوق رأسه اتفحصه من اشيب شعرة إلى أخمص قدميه و كان جسده يتداعى شيئا فشيئا. ثم أردف : اقتربي اكثر، تعالي ليراك والدك !
جلست جنب سريره الدافئ ثم أخذ يده يمسح بها على وجهي و ينظر الي بعينين متسعتين يملأ فراغ ذاكرته بصورتي... فشهق فزعا : ميكا الجندي.
ارد بإبتسامة خفيفة : انا كلاهما يا أبي !
تنهد و زفر : أنت فقط ميكايلا و ستبقين ميكايلا طوال حياتك !
رفعت صوتي بغضب و حزن : اليوم ! بعد عشرين سنة من الحرمان؟ عشرون سنة من الألم و الوحدة و الفراغ تعود اليوم كي تعترف بي !؟ لماذا ابعدتني اجبني ! هل شعرت بالخذلان لأنني فتاة لا تصلح لحكم ارضك؟!
أنت تقرأ
الحاكم الاسود ( جزء أول و ثان )
Ficção Históricaعشت في اعلى البرج وحيدة تماما ، عزلوني عنهم و نبذوني ... كل ما في الامر اني لم اكن ما كانوا يريدونه أنا ميكا الحاكم الاسود " توقف عن حركات الفتيات المدللة هذه و قاتل بشجاعة " كانت هذه الكلمات تتردد كل يوم على مسامعي !! هذا صحيح . لا يجب ان اكون فتا...