بارت 5

1.9K 117 15
                                    

بسم الله  الرحمان الرحيم
لا حول ولا قوة الا باالله
الله اكبر لا اله الا الله
سبحانك اني كنت من الظالمين
توكل على الله
استغفر الله

نبدأ
***********************
في ليل و قبل ان انام ، فكرت مع نفسي بساعة بغداد ، كيف تقف لوحدها في هذا الظلام من دون ان تخاف ؟ تخيلتها وهي تحني رقبتها على كتفها و تغفو ، لكن على اية جهة كانت تنام ؟ متى تستيقظ ؟ هل تشعر بالتعب مثلنا ؟ هل لديها أوقات فراغ ؟
نام أهلي و أطفأت الانوار في البيت ، نهضت من سريري ، أرتديت معطفاً طويلاً من خزانة أمي ، مشيت على اطراف أصابعي حتى باب البيت الخارجي ، سبقتني قطة بيضاء ليست عمياء وليست مبللة نطت الى الشارع .
عندما وصلت الى رأس الشارع ، سمعت صوت سيارة تقترب مني يسبقها ضوء مصابيحها الأمامية ، لصقت جسدي على الفور بجدار الدكان ، تجاوزتني السيارة و هي تنعطف في الطريق المحاذية المدرستنا ، الطريق نفسها التي وجدنا فيها أنا و نادية القطة العمياء المبللة.
بعدها بلحظات ، ساد صمت عميق في كل الإتجاهات ، تقدمت نحو جهة الشارع العالم من الجانب الثاني و مشيت بإتجاه بناية الساعة . في منتصف الطريق ترددت ، قررت أن أعود الى البيت و أنام لكني لا أدري لماذا واصلت سيري في هذا الظلام و أنا لوحدي . بعض الأحيان نفكر في شيء ما ونتصرف عكسه تماماً .
وصلت الى بناية الساعة ، في الليل تكون الساعة أجمل مما هي عليه في النهار ،وعندما ندور حولها نستطيع أن نراها من كل مكان، لانها في الحقيقة ليست ساعة واحدة ، هي أربع ساعات مربعة الشكل ، كل واحدة منها في جهة ، لا أدري لماذا لا يسمونها ( ساعات بغداد )
طالما إنهم يضعون أمام كل وحدة مصباحاً كبيراً على الأرض .
كان عقرب القصير عند الرقم (1) والعقرب الطويل عند الرقم  (9) في هذا الوقت ، كانت نادية تحلم ، هي في العادة تحلم في هذا الوقت ، كنت اتمنى أن أحمل الساعة و أدخلها في حلمها لكن الحلم كان قصيراً و الساعة طويلة .
مشيت قريباً من البناية ، التي تشكل نجمة بثمانية أضلاع ، ويقف فوقها البرج الطويل الذي نشاهده من بعيد ، تراجعت الى الوراء وجلست على الأرض ، جلست خلف المصابيح الكبيرة التي يصدر عنها الضوء.
-تك ،تك،تك،تك،تك
مافائدة الوقت ان لم يسمع احدهم صوت حركة بندول الثواني ؟
كنت أحب ان اتحدث مع هذا العقرب النحيف الذي يتراجع نصف خطوة للوراء ، ثم يتقدم خطوة نحو الأمام وهو سعيد بذلك .
قلت مع نفسي ، لماذا يعد الثواني الصغيرة التي لا يستخدمها الناس ؟ثم سألتة :
- من يهتم للثواني في هذا الوقت والناس ينامون وأنت لا تتعب ؟
-سأتعب يوماً ما وأتوقف الى الأبد .
-متى يكون ذلك ؟
-عندما لن تعد هناك سفينة ترسو في هذا المحيط الواسع من الظلام .
بقى عقرب الساعة الصغير متوقفاً عند الرقم (1) والكبير صار عند الرقم (12) ، نهضت من مكاني ، نظفت ملابسي من بقايا آثار العشب الرطب ، تلفت من حولي ، ثم ركضت مسرعة نحو الشارع العام تطاردني أضواء خافتة لسيارة بعيدة ، دارت السيارة فجأة نحو اليسار وعاد الظلام يغطي العالم . رأيت جندياً يحمل بندقية و يحرس المكان لكنة كان ينظر في الجهة الأخرى ولم يراني .
وأنا في طريق العودة ، رأيت أمامي مقدمة سفينة عملاقة يتوسطها برج المأمون مثل سارية طويت أشرعتها ، من فتحة صغيرة في جانبها ، دخلت ممراتها المظلمة و تجولت فيها بحثاً عن اقصر الطرق نحو الحافة المحاذية للمياه ، التي يصلني صوت تدافع أمواجها و يصيبني بدوار شديد يكاد يفقدني توازني و يلقيني على الأرض . أنا اسمع صوت الأمواج و يجب أن يصدقني الجميع عندما أحكي لهم عن رحلتي داخل السفينة .
انا لا اكذب ، سأقول لكم ما أراه أو ما اتخيله . عندما كنت اتجول في السفينة كنت أفكر مع نفسي ، هل علىّ أن اخبركم بماذا كنت أفكر ؟ لأن اغلب الناس يصدقون فقط الأشياء التي تدخل في عقولهم ، هم لا يعرفون  الأشياء التي لا تدخل في عقولهم .
جاء القبطان ، وكان شبه نائم في هذه الساعة و سألني :
-ماذا تفعلين هنا في مثل هذا الوقت ؟
قلت لة :
-أنا أحب أن أركب السفينة و أسافر بعيداً .
-لكنك ولدت عليها وأذا أحببت أن تسافري يجب أن تنزلي منها ، قال ذلك ثم ذهب بإتجاه غرفة القيادة لينام ، ركضت خلفة  وناديت عليه:
-من انت ؟ أنا لم ارك من قبل في محلتنا ولا أعرفك شخصياً مع انني اعرف كل الناس في هذا المكان ، اشار الى بيده ان انتظرة ودخل غرفة القيادة ثم خرج ومعة ابريق من الشاي ، ادار لي كوباً صغيراً و ادار لنفسة واحداً اخر وجلس الى مصطبة صغيرة و نظر في وجهي وهو يقول : اين نحن الان ؟
قلت لة : نحن على ظهر السفينة .
فقال لي : هل هناك سفينة بدون قبطان .
قلت لة : لا اعرف
فقال لي : هل هناك سيارة تمشي بدون سائق ؟
فقلت لة : لا
فقاللي : انا سائق ، انا من بقود هذة السفينة .
قلت لة : ولكن هذه السفينة لا تتحرك .
ضحك وقال لي : انا سائق السفينة التي لا تتحرك ، مهمتي الوحيدة هي ان اجعلها لا تتحرك .
فقلت له : ما فائدة السفينة التي لا تتحرك .
شرب شاية و أدار قدحاً جديداً لنفسة و قال : انها متوقفة هنا لكي ينزل منها المسافرون .
قلت له : واين ستذهب انت اذا نزل منها الجميع .
وقف يحمل قدح الشاي وراح يتكيء على حافة السفينة وهو ينظر نحو ظلام المحيط الذي ليس له نهاية و قال كأنة يتحدث الى شخص أخر :
-اسمعي يا عزيزتي ، السفينة فكرة في رأسك و أنا فكرة في رأس السفينة ، الأفكار الصغيرة عادة ماتكون لديها أجنحة خفيفة و عندما تفقد جدواها على الأرض تطير في الفضاء ، العالم الذي نعيش فيه هو مجرد فكرة صنعها خيال مبدع خلاق و عندما و جدها فكرة معقدة راح يشرحها من خلال أفكار أخرى ولكنها أفكار صغيرة ، وهكذا بعد ملايين السنوات إمتلأت السماء بالأفكار التي تطير بأجنحة خفيفة ، إن كل ما تقع علية أعيننا هو مجرد فكرة ، لاشيء حقيقياً في الواقع ، كلنا مسجونين في خيالنا وإن تجاربنا على أرض الواقع هي عبارة عن أفكار فقط ، الوجود كلة مجموعة من الأفكار ، هذه هي الحقيقة الوحيدة ، لا تصدقي غيرها ولا تخبري أحداً بها ، الأن الناس لا يصدقون الأشياء التب لا تدخل عقولهم وهم لا يعرفون أين تقع عقولهم ، لم يسألوا أنفسهم يوماً هل أنهم حقاً يمتلكون شيئاً اسمه العقل ؟ كيف شكلة ؟ ماهو لونة ؟ رالعقل ياصغيرتي هو الاخر فكرة فكرة معقدة تجعل من الافكار الاخرى كأنها حقائق .

لم افهم كلام قبطان ، رغم انة كان يتحدث معي بصدق ، أنا بطبيعتي أعرف الناس الذين يقولون الصدق ، احياناً هناك كلام لا نفهمة ،
لكننا نعرف المعنى ليس من خلال الكلمات وأنما الأن المعنى موجود بداخلنا قبل أن يحدثنا عنه الآخرون . «حيل حبيت هذا المقطع منهاي طوختها »..
بعض المعاني موجودة بداخلنا لكنها نائمة لاننا لم نوقظها من قبل فتأتي الكلمات التي لا نفهمها و توقظها .
من كثير من الاوقات ، عندما أكون لوحدي على سريري قبل النوم ، أقول مع نفسي : لماذا لا أحلم مثل نادية ؟ ثم أفكر قليلاً و أعود لأقول : ربما أنا احلم ايضاً و لكنني لا ادري انني احلم ، ربما انا احلم طويل في رأس أحدهم نام و لم يستيقظ ، انة يخلم حياتي كلها .
هل انا احلم ام فكرة كما يقول القبطان ؟ وما هو الفرق بين الحلم و الفكرة ، هل يجب ان افرح اذا كانت حياتي مجرد حلم في رأس احدهم ؟
تركت قبطان من دون ان اودعة لانة تجاهلني واستمر ينظر نحو ظلام المحيط الذي ليس له نهاية ويتحدث من دون يلتفت اليّ .
في نهاية الممر الطويل ، شاهدت أمامي الملجأ الذي كنا ننام بداخلة هرباً من الحرب في الكانون الثاني عام 1991 فكرت ان ادخل الية ، لكنني تراجعت عن فكرتي ، شعرت بالخوف و بدأ قلبي يخفف بقوة .
ركضت مسرعة نحو شارعنا ، دفعت بابنا و دخلت البيت بهدوء امشي على اطراف اصابعي ، قفزت القطة البيطاء امامي الثانية وتوارت بين الاشجار الكثيفة في الزاوية البعيدة من الحديقة ، تركت الباب الداخلي نصف مفتوح ، صعدت السلم الى غرفتي ، جلست على سريري اقود السفينة نحو البعيد مثل قبطان شجاع تواجهها عواصف ممطرة وتعبث بإشرعتها رياح عاتية ، عندما اشرقت الشمس من النافذة ، كانت العواصف قد هدأت ، و تراجعت الأمواج الى الوراء و توقفت السفينة في الميناء ، وكان ذلك بسبب قيادة القبطان الحكيمة .

(الكاتبة /شهد الراوي )
•••••••••••••••••••••••••••
اعتذر الان اتأخرت هواية عليكم بس ماجان عندي مجال اعتذر مرة الثانية
صوت +كومينت = بارت 6
احبكم 💋💋💋

ساعة بغداد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن