بارت 11<رسائل من الغيب >

883 59 12
                                    

كثر في محلتنا في هذه الأيام ، مرور المشعوذين الذين يقولون إنهم يعرفون كل شيء ، كان برياد ينبح خلفهم بشدة وهو يحاول منعهم من المرور في الشارعنا ، وبعد ان نفد صبره من الحاحهم عض امرأة من ساقيها ، امرأة سمينة تقول انها تقرأ الطالع .بعد هذه الحادثة ، أصبح من النادر جداً مرور أحد من هؤلاء الذين يقولون إنهم يعرفون كل شيء .
فقد برياد بعضاً من معجبيه بسبب هذا السلوك الغريب ، لم يعد محبوباً كما هو الحال في السابق ، أغلب نساء شارعنا مولعات يقراءة الطالع و جلب الحظ ، وعلى الرغم من ان معظمهن من المتعلمات و يحملن شهادات في الطب و الكيمياء و القانون و التاريخ
، لكن الفضول في معرفة أحداث المستقبل و قراءة الغيب ، ليس من
السهولة مقاومتة من قبل النساء في محلتنا .
في احد النهارات ، مر في شارعنا رجل نحيف طويل القامة، بلحية مشذبة جيداً و بهندام حسن ، يرتدي بذلة رسمية من الثلاث قطع ، تتدلى من جيب سترتة سلسلة ترتبط بساعة قديمة يضعها في الجيب الصغير على جهة اليسار ، قال لنا إنة يقرأ الطالع ، لكنة إمتنع عن تقديم اي مساعدة تتعلق بجلب الحظ ، كان الرجل مريباً بعض الشيء و غريب الأطوار ، يتحدث بصوت كأنه يخرج من صدره مباشرة ، يمرر يده اليمنى نحو جبينه من وقت الآخر ثم يواصل حديثه من حيث إنتهى.
بدون ان يرتكب اي خطأ، يعرف هذا الرجل النحيف اسماء افراد أي عائلة بمجرد ان يذكر أمامة اسم فرد واحد منهم ، ثم يذكر سنة ميلادهم واحداً واحداً ووضيفة الأب و بعضاً من صفاته وعاداته وحتى يعرف على اي جهة ينام الليل .
ليس هذه الأشياء وحدها هي التي جعلت الناس يثقون به ويحترمونه ، سلوك برياد الغريب معة وعلى غير عادته مع الغرباء هو ما جعل النساء تطمئن إليه كثيراً ، فعندما شاهد برياد هذا الرجل للمرة الأولى ، إقترب مته بهدوء يتشم خطواته وهو يمشي ، نظر الى وجهه كأنه يعرفه منذ زمن طويل ثم إبتعد عنه من غير ان يبح عليه ، بعد ان رأت النساء ذلك استغربن في بداية الأمر لكنهن شكرن برياد لانه لم يطرده .
في بادىء الأمر ، تجرأت ام مناف التي كانت تقف عند باب بيتها لتراقب الناس ، تقدمت نحو الرجل الغريب وراحت تتحدث إليه وسط الطريق من دون ان تخجل ، فهذا الأمر ، وأعني الحديث مع الرجل الغرباء لا يعد سلوكاً مقبولاً في محلتنا ، لكن ام مناف كانت تريد ان تمتحنه و تكشف بنفسها حقيقة الغامضة ، لتتأكد فيها إذا كان كذاباً أم أنه يقول الحقيقة .
نظر أليها المشعوذ نظرة سخرية وقال لها :
- هذه أول مرة اسمح فيها لأحد ما ان  يختبرني ، وهي أخر مرة أيضاً .
قرب فمه من إذنها وهو يتحدث لها عن أمور شخصية جداً ، تتعلق بأسرار حياتها الزوجية ، شهقت و كادت روحها ان تخرج من فمها من دقة الأشياء التي كان يقولها و كأنه يراقب حياتها على شريط سينمائي .
بعد محاولة ام مناف الجريئة ، اصبح لدي النساء الأخريات شجاعة للتقرب من هذا المشعوذ ، فتحت لة ام نوار باب بيتها و دعتة الى الجلوس في إرجوحة حديقتها ، دخلت مطبخها لتأتي لة بقدح من العصير ، عادت بعد دقائق ، فوجدت أغلب نساء شارعنا قد دخلن حديقتها و طوقن الرجل من كل إتجاه و يتوسلنه قراءة طالعهن ،
طلبت منهن الهدوء و الجلوس على بساط و ضعته على العشب الخديقة ، و إنتظار أدوارهن واحدة بعد الأخرى ، فأمتثلت جميع النساء لطلبها.
رفع المشعوذ رأسه الى أمام و هو يمسك بباطن كف شروق التي سبقت الجميع و تقدمت نحوه و هي تتوسله أن يخبرها عن مستقبلها،
ضغط على كفها و هو يوزع في الوقت نفسه نظراته الحادة بين وجوه النساء الآخريات و يخيفهن ، وضع يده اليمنى على جبينه و بعد دقيقتين من التأمل قال مخاطباً الجميع :
-ليس لأي منكن مستقبل في هذا المكان .
بعد مدة أخرى من الصمت و الترقب ، كاد معها أن ينفد صبرهن عليه ، اصدر حشرجة من صدره وعاد يواصل كلامه :
- اجلاً ام عاجلاً ، ستغرق بكم هذه السفينة .
-يا سفينة ؟!
نزلت هذه الجملة مثل الصاعقة على رؤوسهن وهن يتساءلن عن أية سفينة يتحدث هذه المشعوذ ، و قبل ان تتجرأ إحداهن و تسأله مزيدا  من التوضيح ، قال بعد ان غير نبرة صوته:
-الأنسان يولد في هذه الحياة دون رغبة منه ويسقط رأسه على ظهر السفينة التي صادف وإن ولد عليها ... في محيط هذا العالم الكبير ترسو سفن صغيرة ، كل واحدة منها تحمل على ظهرها مجموعة من الناس ترتبط مصائرهم ببعضهم ، بعض هذه السفن كبيرة بحجم قارة ، وبعضها بحجم وطن و اخرى بحجم محلة صغيرة ، كلما كانت السفينة كبيرة كانت العلاقة بين ركابها ليست جيدة ، والعكس هو الصحيح ، محلتكم هذه سفينة صغيرة ، عندما تمر في سمائها الطيور تعرف أنها تحلق فوق سفينة صغيرة إنتم لاتعرفون ذلك ، لأنكم منذ وجودكم على ظهرها وهي ساكنة في مكانها وإن الطفل الرضيع ، عندما ينام على سرير ساكن لا يتحرك ، يشعر ان حدود هذا السرير هي حدود العالم ، انتم اطفال هذا المركب الذين تعيشون علية منذ عقود من دون ان يتحرك بكم ، الناس قبل الآق السنين كانوا يعيشون على الأرض من دون ان يشعروا أنها تدور بهم مثل سفينة في فراغ لا حدود له.
صمت قليلاً و أرخى يد شروق من يده ، ثم عاد و تمسك بها من جديد :
أريد ان اقول شيئاً مهماً فأرجوا منكن الإنتباه ، يعيش الإنسان في هذه الدنيا بقدرين ، الأول هو قدره الشخصي ، والثاني هو قدره الإجتماعي ، هل تفهمنَّ، ماذا اقصد ؟ إنتظر قليلاً ولما لم يسمع جواباً واصل حديثة و هو يرفع رأسه عالياً كأنه يخاطب محلة كلها .
من هذه اللحظة انصحكم ، من هذه اللحظة بالذات ، ان تفكروا بقدركم الشخصي فقط ، هل تفهمون ؟ فكروا بقدركم الشخصي فقط ، من استطاع منكم ان يترجل من السفينة هذه الساعة فليترجل فوراً .
المحيط الذي تمضون فوقة يبدو لكم هادئاً ، أليس كذلك ؟
ملا يا سادتي ... ولله ليس هادئاً أبداً ، ان الإعصار يلوح في الأفق ، والعواصف قادمة لا محالة ، من يريد ان يجرب الغرق فليبقى ، ومن يريد السلامة فليهرب اليوم قبل الغد ، اقفزوا الى قوارب النجاة التي تتتظركم و إذهبوا بعيداً عن هذا المكان .
الغربة ليست أمراً هيناً ، انا أعرف هذا جيداً ، لكن السماء كتبتها عليكم ، ولا مفر لكم من هذا القدر ، ستعيشون غرباء ، سواء ابقيتم هنا في هذه المحلة ام هاجرتم الى المدن البعيدة ، لقد بدأت رحلتكم مع العذاب فاستعدوا لها .
تعالي نحيب النساء و نزلت الدموع تحرق الخدود من هذه الأنباء التعيسة التي نزلت على رؤوسهن دفعة واحدة .
صمت المشعوذ لحظة ، ثم رفع رأسة يتابع طائراً صغيراً يحوم في فضاء الحديقة ، وعاد يخاطبهن بعد ان غيرّ نبرة صوته مرة أخرى و أصبح واطئاً :
اسمعوني ، لا تضيعوا وقتكم ، هذا ليس وقتاً للبكاء ، هذا وقت الإستعداد لرحلة طويلة من العذاب ، لا تفكروا ولو لحظة في البقاء هنا ، سارعوا الى الهرب لأن الإعصار يقترب بسرعة جنونية .
قال ذلك وهو يمثل دور من يتمايل كما لو انه على متن قارب تتلاعب بة الأمواج : إنظروا اليّ ، لقد بدأت الأمواج تطوحني يميناً و شمالاً ، هل ترونني ؟
إعتدل في وقفته ثم راح يتمشى في الحديقة بهدوء و يقطع بعض الأوراق الذابلة من شجرة البرتقال ثم إلتفت إليهن و قال بهمس :
- انا لا اتمنى لكم الغربة ، ولا احب ان اراكم تعانون أهوالها ، ليس لدي مصلحة شخصية في بقائكم و رحيلكم ، مررت صدفة في شارعكم و قررت ان أقول لكم الحقيقة . والحقيقة مزعجة في معظم الأحيان. بصراحة انا متحير في أمري ، لا أستطيع ان أنصحكم بالبقاء كما ينتابني الحزن عندما أدعوكم للهرب ، لانكم في لحظات عصيبة و قاسية يتساوى فيها ألم اللقاء مع الم الرحيل ستتذكرون و تقولون لقد ورطتنا . ستعيشون غرباء بدموع لا نهاية لها ، أنظر اليكم الآن ، وانتم في بلاد الثلوج والستاءات الحزينة ، تتدفأون بالذكرى ، ستغدو محلتكم هذه مجرد أناشيد و أغان تنهمر مع ذكراها الدموع ، اراكم في دروب موحشة و مظلمة تتلفتون فيها تلفت الغرباء التائهين ، يرفع أحدكم رأسة للسماء بقلب يتفطر من الألم و يقول :
-ماذا فعلنا أيتها السماء ؟ ولا يأتيه الجواب .
قال لهن ذلك ، ثم وضع يده على جبينه مرة اخرى ، وصمت بعد دقيقتين ريثما تجف الدموع .
-هل تعرفن أغنية الطيور والشمس .
-اي هاي اغنية يا طيور الطايرة مري بهلي ، اجابت ام فاروق
-صحيح ...هذه الأغنية ستكون مثل وطنكم للسنوات القادمة ، ستغنونها آلاف بل ملايين المرات ، عندما تتعبون ، ستأتي أغنية أخرى ، هل تعرفونها ؟ انا سأقول لكم :
-غريبة الروح.
هذه الأغنية هي الوطن الجديد لكل منكم ، عندما تتقدم الغربة منكم بحياء ثم ترميكم في الاأمل ، تكون (غريبة الروح ) هي نشيد الحزن الطويل ، عندما تنسون كلماتها سيكون الوطن مجرد ذكرى قديمة تشتاقون إلية و لكنكم لا تفكرون بالعودة ثانية ، تذكروا هذا أيظاً .
استدار بنظرته العميقة نحو الشروق ، التي مازال يمسك بكفها وقد أصفر وجهها :
-سيتقدم لك شخص طالباً يدك من أهلك نهاية هذا الشهر .
قبل أن تنفرج أساريرها إبتهاجاً لهذا الخبر السعيد ، عاد يحدق في وجهها ثم أضاف :
-لاتوافقي ، أرفضيه على الفور .
-واذا عاد وتقدم لي ثانية؟!
-أرفضيه مرة اخرى .
-لكن ..
-يا ابنتي ، اعرف أنة يحبك ، ولله أعرف ذلك ، واعرف إنك تذوبين فية حباً ، وأعرف قصتكما كلها ، وأعرف الى جانب ذلك إنه رجل مخلص ووفي و ناجح في حياته ، وسيم وقوي البنية وسيترك في
أحشائك جنيناً منذ اللية الأولى ، ولكن ليست هذه هي القصة كلها ، أرفضيه من دون تردد .
-ليش ؟!!!
قالت ذلك بحرقة وقد بح صوتها وتقطعت الحروف في فمها.
-الحقيقه مؤلمة ،وافقي و ارتاحي إذا كان كلامي لا يعجبك ،ماذا يهمني انا ،ماذا يهمني إذا كانت الحياة تعجبك كأرملة ،تهتم لامر صبي ييتيم لم ير أباه في حياتة
قال هذة الكلمات متشنجاً ونهض يغادر المكان وسط حيرة شروق وتوسلات النساء بة بالبقاء قليلاًً واخبارهن المزيد عن المجهول الذي ينتضرهن .
من دون ان يعبأ بهدة التوسلات ، توجه المشعوذ نحو الباب بخطوات ثابتة، استدار نحو جهة الشارع العام وراح يمشي بسرعة وهو يتعمد إبراز صدرة اللأمام ،تبعه برياد حتى نهايه الزقاق يودعه بإحترام ، وعاد رافعآ ذيله مهرولاً نحو بيت عمو شوكت يتسلق الجدار نحو الحديقة.
تجمدت أقدام النساء في أماكنهن ، وراحت الواحدة منهن تنظر في وجه الأخرى كإنها غير مصدقة أذنها ، طلبت منهن صاحبةالبيت الجلوس في أماكنهن وراحت تعد لهن الشاي ، وقفت ام حسام وتنحنحت ثم قالت بصوت يشبه صوت زوجها:
-هذا وجل جاسوس ،لديه أجندة خارجية ويريد أن يخفينا ،أن هدفهم هوه إفراغ البلد من الطبقة الوسطى .
-صحيح،أنا اتفق معك أنه يشبه لنكولن ،قالت لها واحدة منهن تعمل المدرسه للتاريخ .
جاءت ام نوار با لشاي وراحت تثرثر معهن ،بعد قليل،تداخلت تعليقاتهن من دون إنقطاع ،ولا يمكن لاحد أن يفهم منها شيئآً ، وعندما اعلنت ساعة بغداد الثالة ضهراً نهضن من أماكنهن وتفرقن .
كانت شروق قد غادرت قبلهن ،وجلست فى غرفتها تبكي حظها العاثر مرة وتشتم مرة أخرى هذا المشعوذ الكذاب ،الذي ربما أرسلتة إحداهن بعد أن دبرت هذة الخطة الشيطانيه لإبعادها عن حبيبها ، وذالك لغايه في نفسها لا يعلمها إلا الله .
-وإلا كيف أفسر هروبه بعد قراءة طالعي الشخصي الوحدي من دون الأخريات؟!
قالت ذلك لنفسها ثم كررت بصوت مسموع وهي تخاطب صورتها في المرآة:
-سأوافق حتى لو تزوجت (خليل)ليله واحدة فقط.
(الكاتبة /شهد الراوي )
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
فوت +كومنت =بارت 12
اتمنى تعجبكم اعذروني عن أي خطأ  أملائي
بارت 11 كانت هواية حيل تعبت ف ياريت تكتبو كومينت و تصوت لأن اذا شفت كومنت اتشجع لكتابة بارت 12
ألي يفكرون اني مراح اكمل رواية ... مستحيل ما اكمل لأن الرواية صارت جزء من حياتي راح اكتب كتاب كلة و مراح اعوفه بس هل فتره الي وقفت فيها رواية كانت عندي امتحانات مال وزاري حيل جانت صعبة .. ف لا تفكروا اني اوقف رواية تمام
و اسفة للأخطاء أملائية و احبكم جداً ..بااااي

ساعة بغداد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن