بارت 16

602 42 8
                                    

مر أحمد أمامنا يحمل كتبه المدرسية من دون حقيبة ، وهو يضع بين أصابعه سيجارة مشتعلة يتصاعد دخانها فوق أنفه المدبب ليشكل دوائر تتموج فوق رأسه يبددها الهواء البارد ، هذه أول مرة نشاهده فيها و هو يدخن .
خطا باتجاهنا ولما صار قريباً،سحب من سيجارته نفساً سريعاً ثم رماها الى الأرض و داسها بحذائه:
-نادية ممكن أشوفك يم ساعة بغداد.
كانت نادية خائفة من أهلها ، وهي لا تريد أن تخلق لنفسها مشاكل جديدة في البيت و المدرسة ، ولكنها تموت في أحمد وقد مضى وقت طويل وهي لم تلتق به، سألتني عن رأيي فقلت لها من دون أن أفكر :
-أذهبي .
-هل ستأتين معي ؟؟
قلت لها :
-لا .
-لكنني خائفة .
-لا تخافي .
-لاكن المطر سينزل بعد القليل .
-نادية لا تكوني مجنونة ماعلاقة المطر بالموضوع.
ابتسمت نادية ، التي كانت تقول دائماً إنها تحب المطر ، تحب الغيوم ، وتحب سماع الأغاني تحت المطر ، عندما كنا صغيرتين....
أعتقد عندما كنا في صف الثالث الإبتدائي ، خرجت ذات المساء مع عائلتها في نزهة وصادف ان نزل عليهم المطر في الطريق ،عادت يومها تقول لي : إن ماسحات الزجاج في السيارة هما أجمل شيء رأيته في حياتي، وأن راديو في السيارة كان يبث موسيقى جميلة،هي أجمل ما سمعتة في حياتي ، وكانت قطرات الماء تتجمع على الزجاج ، فتتحرك الماسحتان بسرعة تجمعان قطرات المطر الى بعضها،فينزل الماء على حافتي السيارة مثل شلال صغير هو أجمل ما رأيت في حياتي .
كان ذلك شيئاً جميلاً ، بل أجمل شيء رأته نادية في حياتها ، بقيت أنا كلما صادف إن نزل المطر على زجاج سيارتنا،وتحركت الماسحتان أرى المشهد بعيون نادية،هناك كثيرمن الأشياء في هذا العالم نحن نحبها بعيون سوانا،نحبها بعيون الذين نحبهم،المطروالزجاج والموسيقى والماسحتان
أمثلة جيدة على تلك الأشياء .
هذا هو أول موعد بينها و بين أحمد يحدث بغيابي ، فاروق في رحلة خارج البلاد مع منتخب الشباب في الأرجنتين ،ووجودي معها عندما تلتقي أحمد لم يعد أمراً ضرورياً ، هي تغيب عن المدرسة وتلتقية ،لم تكن بحاجة إلي لأكون دليل إثبات أمام أمها،لكنها في اليوم التالي ،تستخدمني شاهداً أمام معاونة المدرسة،لتأليف قصة جديدة عن سبب غيابها :
-ست ترى نادية مخطوبة و تخجل تگول .
هذا هو العذر الأخير الذي بقي معي في ذلك اليوم ،لقد قلت أعذاراً كثيرة في السابق ، بعضها صدقتها المعاونة وبعضها لم تصدقها ولكنها كانت تبتسم في كل الأحوال .
تسرب خبر خطوبة نادية الذي لفقته أنا أمام المعاونه الى المدرسات ، ثم انتقل بطريقة سريعة لأفواه الطالبات ، وتحول بعد ذلك الى أغنية تخص نادية وحدها .
-صدك مخطوبة يفلانة.... وصدك باجر يزفونج .
تغني بيداء في الصف بصوتها الساحر،وسط إيقاعات تصنعها أنامل البنات على الرحلات ، بينما تراقب إحدانا الممرات من باب الصف شبه المغلق وهي تنقر بأصابعها عليه.
تصعد وجدان فوق الرحلة وهي ترقص منتشيه ، تتشجع البنات ويتقافزون فوق مقاعدهن في لحظة جنون صنعتها إشاعة،يرتفع صوت الإيقاعات و تهتز الخصور و تحل الفوضى ، تضرب ست أروى باب الصف بقوة وعصبية لتعيد الهدوء في الثانية واحدة ، تحدق في وجوهنا واحدة واحدة ، تقف فخورة بنفسها أمام صمتنا المفاجيء ونحن نجلس مثل تماثيل خشبية بلا أدنى حركة ، تبدأ شفاهها بالأبتسام ثم تنفجر ضاحكة وتغادر، تعود بيداء للغناء بصوت واطيء، تترك وجدان الرقصة لنادية وحدها ، عندما ترقص على الجميع ان يفسح لها المجال.
في المساء هذا اليوم ، كان منتخبنا الوطني للشاب يواجه منتخب كندا في الأرجنتين ، فرغت شوارع المحلة من الناس الذي جلسوا أمام التلفزيون ، في الدقيقة 23 من المباراة يسجل فاروق هدفاً في مرمى الفريق الكندي ، ينزع قميصة الأسود الداكن الموشح بعلم العراق أمام عدسات تلفزيون لتظهر خارطة العراق مرسومة قريباً من قلبه، خرجت المحلة كلها الى الشارع ، وتجمع الصغار يتبعهم برياد عند الباب بيت أم فاروق وهم يهتفون :
-هكذا يلعب المحاصرون .
نحن الشعب الوحيد في هذا العالم ، عندما يسجل فريقنا الوطني هدفاً في شباك الخصم نبكي.
(الكاتبة /شهد الراوي )
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
فوت + كومنت = بارت 17
احبكم جداً
بااااااي

ساعة بغداد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن