🌎✨حسام شقيق ميادة!✨🌎

365 28 1
                                    

      كتاب ((المستقبل)): صفحة رقم (4)
بعد تنفيذه جريمة قتل شقيقة قبل سنوات و هروبه الى الأردن ، غادر حسام منها بعد سنة تقريباً الى دولة حدودية أخرى ، و أصبح فيها معارضاً سياسياً للنظام الديكتاتوري في العراق ، بدل اسمه الى ( أبو يوسف ) و بعد السقوط مباشرة ، عاد الى بغداد بلحية كثيفة و نظارات شمسية سوداء يرتديها طول الوقت .
أصبح عضواً في أول برلمان تشكل بعد الإحتلال ، ثم مسؤولاً كبيراً في جهة حكومية نافذة ، خرج في ليلة مظلمة ، و دخل المحلة بموكب طويل من السيارات السوداء المصفحة ، أمر أتباعة بأغلاق طرقاتها بالكتل الكونكريتية و سيج مداخلها بالأسلاك الشائكة ، ووضع على كل البيوت المهجورة علامة باللون الأسود ، ثم راح يبيعها بيتاً بيتاً على إنها من ممتلكات عائلته القديمة .
عندما دخل بيتهم القديم يتفقد ذكرياته ، نهضت شقيقة ميادة من نومها في الظلام ، تقدمت نحوة وهي تطبع آثار أقدامها على غبار البلاطات:
- لماذا قتلتني ؟!
تراجع خطوات الى الوراء وهو مذعور غير مصدق عينية ، بعد لحظات من الشرود و الهلع ، و لما تأكد من إن هذه الشابة التي أمامة هي أخته ميادة بدمها و لحمها و ملابسها نفسها ، التي تلطخت بالدم يوم الجريمة ، بتسريحة شعرها نفسها ، و هذا الذي يسمعه هو نفس صوتها ، جمد في مكانه برهة من الزمن لا أحد يعرف مداها ، بينما راحت عيونها تنغرس في روحة مثل سكين حادة تخترق تمثالاً من الطين ، حاول ان يفرَّ من المكانه ، و ينادي على حرسة الشخصي ، لكنه فقد صوته في الحال ، حاول ان يتحرك من مكانه ، لكن قدمية التصقتا بالبلاط كإنهما قدما تمثال ثبتتا بالحديد و الإسمنت على قاعدته الصلبة .
بقيت هي ساكنة في مكانها تنظر اليهز، و بقى هو يتهشم أمام نظراتها من الرعب، عندما وجد حراسة الشخصيين إنه تأخر أكثر مما يجب في بيت مهجور و مظلم ، شعروا بالقلق ، دخلوا عليه بمصابيحهم اليدوية ووجدوه ميتاً مثل قصبة .
حاولوا حمله لكن قدميه بقيتا عالقتين بقوة على بلاط الصالة جاؤو بالمطارق و المعاول و هشموا أقدامة و نصف ساقة على الأرض حتى سقط كما تسقط شجرة خاوية في الفراغ ، حملوه و مضوا به على ظهر سيارة حمل مكشوفة ، و دفنوه في حفرة عميقة خلفها صاروخ أمريكي سقط سهواً في العراء ، كانت هذه الحفرة أقرب الأمكنة المهجورة  التي صادفتهم في الطريق ، إنهالت على قبرة في الحال دقائق و ساعات و أيام ، هي بعدد الدقائق و الساعات و الأيام من  إرتكابه جريمة قتل ميادة حتى اللحظة التي وري فيها التراب .
بعد ان أطمأنت ميادة من إن الزمن أنصفها ، تمددت في مخدعها الأبدي ، و عادت تحلم بالزواج من الدكتور توفيق ، الذي بقى عازباً حتى الان ، تحلم حلماً القديم نفسه ، بيت صغير ، و ستائر ملونة ، و آثاث بسيطة ، و صغار يضعون حقاءبهم على ظهورهم و يتوجهون في الصباحات الى المدرسة ، تقف هي بباب البيت و تودعهم بإبتسامة و قبلة في الهواء .
باع ( أبو يوسف ) قبل ان يموت كل البيوت، باع المحلة كلها حتى مدارسها و مستوصفها و ملجأها و دكاكينها و فرنها و صيدليتها ، وبقى بيت أهلة القديم تتخاطف فيه الأشباح ، و يسمع في غرفة الفارغة صوت أغنية قديمة كانت ميادة ترقص على أيقاعها .
توفى ابو حسام و توفيت أمة في حادث أرهابي ، بعد أن تركا المحلة قبل سقوط بغداد بشهرين و قتلا و هما في طريقهما للعودة أليها من محافظة بعيدة .
(الكاتبة /شهد الراوي )

ساعة بغداد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن