بارت 22

476 43 0
                                    

تقدم خليل لطلب يد شروق من أهلها ، ووافق أهلها من دون تردد ، عزفت الموسيقى الشعبية في حديقة بيتهم الواسعة ، وإنهالت حبات الملبس و السكاكر تهطل مثل المطر على رؤوس الجميع.
كان برياد أول راقصين ، و هذة واحدة من مفاجآته التي عودنا عليها ، مع سماعه أول نغمة انطلقت من بوق كبير يحمله أحد العازفين من فرقة الموسيقى الشعبية ، رفع جسده على ساق واحدة وراح يدور حول نفسه بمرح وهو يلوي ذيله الأبيض ، إندهش الموسيقيون لهذا المنظر ، الذي لم يألفوا مثله طوال عملهم في المحلات البغدادية ، ولما وجدوا إن الحاضرين لم يعلقوا على هذا الحدث الغريب و اصلوا العزف ، وواصل هو رقصته الجميلة التي رحنا نقلدها .
تقدمت الصبايا و تبعهم الأولاد ، يرقصون ببهجة عارمة ، فقد مر وقت طويل و نحن نفتقد المناسبات السعيدة ، حتى كادت أقدامنا أن تنسى الرقص ، لما وجد برياد إن الحلبة تكتظ بالراقصين أنزل أطرافة الأمامية الى الأرض ، رفع ذيله خلف ظهره و إنسحب من المكان دون أن ينتبه له أحد ، تسلق الجدار الخارجي للحديقة وراح يرقص لوحده تراقبه القطط من فوق السطوح و هي غارقة في الضحك .
عمت ألسعادة المكان ، و إنشرحت النفوس إلتهاجاً و تواصلت الموسيقى خارج الوقت المعتاد المثل هذه المناسبات ، رقص الجميع تقريباً بإستثناء شروق التي صعدت إلى غرفتها بعد أن وضع خليل خاتم الخطوبة في إصبعها ، وراحت تسكب الدموع لوحدها ، لا تعرف لماذا في هذه الدقائق تحديداً أصبحت لا شعورياً أكثر ميلاً لتصديق نبوءة المشعوذ بخصوص مستقبل زواجها ، فهي عندما نظرت في وجه خليل و هو يضع الخاتم في إصبعها و جدت وجهه ينتمي إلى عالم آخر ، خيم الحزن على قلبها وروحها ، رغم محاولاتها إخفاء مشاعرها الحقيقية أمام الآخرين .
استغربت أم خليل و أخواتها و أقرباؤه من عدم سعادتها لهذا الحدث المهم في حياتها ، خاصة و أن الجميع يعرف قصة حب التي تجمعها مع خطيبها ، أخذتهم الظنون و قلبوا الأمر في سرهم عندما لم يسعفهم أي جواب معقول ، قالوا لأنفسهم جملة واحدة لا غير :
-أنها مصدومة من شدة الفرح .
شعرت شروق بعد ساعة من عزلتها بالخجل من نفسها ، من غيابها غير المقبول عن حفل خطوبتها الذي سيفسد فرحة أهلها و أهل خطيبها و جيرانهم ، و سيطلق الشائعات بشأن علاقتهما ، غسلت وجهها بعد أن نشفت دموعها ووضعت الكحل تحت أجفانها ، سرحت شعرها و إرتدت بدلة زرقاء جميلة مفتوحة تحت ساقها ، كانت قد فصلتها عند أشهر خياطة في المحلة و احتفظت بها لهذا اليوم .
بدل أن تنزل السلم و تلتحق بالمحتفلين في حديقة البيت ، دفعها فضولها لفتح باب شرفتها الصغيرة المطلة على الحديقة ، و ألقاء نظرة سريعة على الراقصين ، شاهدت برياد يرقص فوق سياج الحديقة و تبسمت له عندما راح يلوح لها بذيلة ، حاولت أن تنسى كل شيء و تكون سعيدة من أجل هؤلاء الجيران و الأقارب السعداء في يومها قبل أن تستدير الى الخلف و تغلق باب الشرفة ، وقعت عيناها على رجل غريب يرقص ملوحاً بعصاه في حركات بهلوانية غريبة ركزت في ملامحة و أطلقت صرخة مكتومة :
-المشعوذ !!!
نزلت درجات السلم مسرعة و خرجت للحديقة لتمسك به و تمنعه من الهروب ، حتى تعرف منه القصة كلها .
توجهت من فورها نحو مكان الإحتفال و شقت طريقها نحو حلبة الرقص ، لكنها تفاجأت بالرجل وقد أختفى من المكان برمشة عين من دون أن يترك أثراً ، وأن الحلبة في هذة اللحظة تزدحم براقصين آخرين من الصبايا و الشباب ، وبعض الصغار من ابناء المحلة .
عادت الى الوراء مندهشة ، سألت بعض النساء اللاتي يعرفنة جيداً ، و سبق لهن أن تحدثهن معه في زياراته السابقة ، لكنها لم تحصل على أي جواب ، كان سؤالها عنه يواجه بنظرات من الأستغراب و الحيرة من أمرها ، حتى ظنت بعضهن أن البنت قد أصيبت في يوم خطوبتها بلوثة عقلية من جراء سحر دس في بيتهم من غريمة لها .
عادت شروق الى غرفتها ، وراجعت مع نفسها شريط الأحداث، من أول لحظة ظهر فيها هذا الشخص الغريب الأطوار حتى لحظة إختفائه السحرية من حلبة الرقص .
أنهكها التفكير بهذا الأمر ، تمددت على سريرها و نامت الى صباح اليوم التالي ، و عندما فتحت عينيها وجدت الطبيب وهو يلملم أغراضه، و يهم بالخروج من غرفتها و سط حيرة الأهل و بعض الأقارب و حزنهم العميق .
فركت عينيها و نهضت عن سريرها ، بعد أن أزاحت الغطاء الثقيل عنها ، ثم وقفت تحدق في وجههم ، وهي تسأل عن سبب وجودهم في غرفتها ، و عن سبب إستدعاء طبيب لمعاينتها .
في هذه الأثناء خطرت في رأسها بشكل مفاجيء فكرة أن الطبيب الذي غادر للتو ، كان هو الآخر قريب الشبه بالمشعوذ ، ثم عادت و قالت مع نفسها ربما هو نفسه ، بل هو بكل تأكيد وراحت تردد بأعلى صوتها :
-هو ....هو ....هو ،
مسكتها أمها و قرأت المعوذتين في أذنها ، وجلبت إحداهن ماء بارداً و بللت به جبينها ، سقطت شروق على فراشها وهي تهتز مثل طائرة ورقية في هواء ثقيل ، لفت جسدها بالغطاء السميك و أغمضت جفنيها .
-نادوا على الطبيب ...قال أحدهم .
صرخت بأعلى صوتها من تحت غطائها :
-لا،لا،لا،لاأريد الطبيب .
لثلاثة أيام شروق على هذة الحال ، لم تنفع مع حالتها كل محاولات التي بذلتها اسرتها بإستدعاء أفضل أطباء و من بينهم جارتهم الدكتورة أم بيداء ، لكن أحداً من هؤلاء ورغم الفحوصات الكثيرة لم يشخص علة وضحة في جسدها .
حضرت عند رأسها مشعوذات معروفات بفك السحر ، و حضر مشعوذون المشهورون في أختصاص نفسه ، لكن أحداً منهم لم يقول كلمة واحده واضحة في شأنها .
بعد أن سمع عمو شوكت خبر مرضها الذي أصبح على كل السان ، قرر أن يزورها ،فهي من أحب بنات المحلة على قلبه، منذ ان عرفها طفلة صغيرة كبرت عينة شابة يخطبها الرجال ، كان مع كل درجة من درجات السلم الذي يفضي الى غرفتها ، يذرف دمعة ساخنة لا يستطيع السيطرة عليها، تترقرق بين جفنيه ثم تكبر و تسقط مثل حصى ناعمة يسمع صوت أرتطامها بالأرض ، كان برياد يتبعه في كل خطوة وهو مبتسم بسعادة غامرة ، كونه يدخل بيتاً من بيوت المحلة من دون شعور بالخجل .
وقف عمو شوكت عند سريرها و أجهش بالبكاء ، أستغل الكلب إنشغال الجميع عنه ، توجه من دون أن يلاحظة أحد ،وهو يهز ذيلة الأبيض نحو نهاية السرير من جهة قدمها ، أزاح غطاء قليلاً الى الوراء و لحس كاحل قدمها اليسرى .
تناول عمو شوكت ساعدها و طبع عليه مازحاً أثر عضة بمثابة ساعة يدوية ، كان قد طبعها لها في أيام طفولتها ، تحركت شروق على الفور ، كما لو ان دم راح يسري في عروق جسدها المتيبس من جديد ، نهضت من مكانها و إحتضنت عمو شوكت و مسحت دموعة ، قبلت جبينه و طلبت منه الكف عن البكاء ، فهاهي أمامة سليمة ولم تصب بأي مكروه ، ومن أجل ان تثبت له ذلك ، وقفت بطولها المشوق على سريرها ورقصت رقصة كان يحبها من حين كانت طفلة ترقصها أمامة و أمام باجي نادرة عندما كانا يأخذانها الى بيتهم ،يصفقان لها و يقبلانها بعد كل رقصة ثم يدسان قطعة من حلوي ، أندهش أهلها لهذه العافية التي تدب في جسدها و روحها، بعد زوال الدهشة زغردت أمها و هتف أبوها و تبعها الجميع بالتصفيق و أطلاق عبارات الفرح و التبريكات.
عادت الشروق الى سابق عهدها و نسيت كل ما يتعلق بالمشعوذ و خرافاته .
بعد أسبوعين تزوجت ( خليل) ، و عاشت معه في المشتمل الذي خططت له، وفي بطنها ترفس أقدام جنين وهي تسمع بين حين و أخر صوت صراخه ينادي عليها و ترد عليه بحنان أم :
-نعم ماما.

(الكاتبة /شهد الراوي )
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
اسفة على تأخير ماچان عندي انترنيت اليوم خلص دزيت اخي حتى يشتريلي كارت مال انترنيت حتى انشر لكم البارت
صوت + كومنت = بارت 23

ساعة بغداد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن