مثلما أخبرتكم في المرة السابقة ، نحن لم ننسى باجي نادرة أبداً ، لكن المطر نزل ذات مرة و مسحها من على الجدار الذي رسمتها علية هي و عمو شوكت يجلسان على أريكة و فوقهما عصفور ، عندما مررت قرب هذا الجدار بكيت كثيراً بكيت لانني رأيت عمو شوكت يجلس لوحدة ، بينما يرفرف فوق رأسة جناح عصفور مسجون بالطباشير على الحائط ، لم اتألم من اجل باجي نفسها ، تألمت من شيء اخر ، ربما هو الوحدة .
بعد ان اختفت من حياتة لم ينسها ، أو إنة ربما لم يحاول ذلك ، أو حتى لم يفكر به ، لكنة تعلم ان يعيش وحيداً ، وهو لا يهتم كثيراً لانة يعيش وحيداً ، لانه تعود على ذلك ...
-إنة يخاف ان يموت وخيداً .
تقول أمي وهي تتحدث عنه أمام أبي ثم تواصل :
-من الصعب ان يموت الأنسان وحيداً و غريباً .
سكت أبي وراح يفكر مع نفسه من دون رغبة في مواصلة الحديث معها الأن أمي دائماً تجعل الأمور اكثر تعقيداً وكل شيء لديها مرتبط بالموت .
انا لم أفهم ذلك ، صدقوني ، لا افهم لماذا من الصعب ان يموت الإنسان وحيداً ، على عكس ، ارى من صعب ان يعيش الإنسان وحيداً ، لانة عندما يموت لا يحتاج الى أصدقاء .
في كل يوم جمعة ، يستيقظ عمو شوكت من النوم متأخراً ، احياناً يستيقظ في التاسعة صباحاً ، وأحياناً اخرى يستيقظ في الحادية عشرة صباحاً ، فمنذ ان مسحت الامطار صورة زوجتة التي رسمتها على الجدار صار وحيداً ، يتناول فطورة وحيداً، يتمدد على الأريكة ويشاهد التلفزيون وحيداً ، وبعد دقائق يعود و يغلقة وهو وحيد ، هو لا يحب ان يشاهد البرامج التي كانت تحبها باجي ، لقد تغيرت حياتة منذ رحيلها ، حتى صورتها المعلقة على الحائط الصالة وهما تحت شلال ( گلي علي بيك ) صار لا ينظر إليها حين ينظفها من الغبار ، وفي اخر مرة نظر فيها الى هذة الصورة وجد نفسة وحيداً .
لوحده صار يجلس على حافة سلم بيتة يلمع احذيته ، ثم يقوم ليجمع ملابسه من حبل الغسيل و يكويها ، يرتبها في الخزانة بعد ان يختار ملابس الدوام لليوم التالي ، بين ملابسة شال وردي يخص باجي نادرة وجده في الغسالة بعد مغادرتها ، في كل مرة يغسل فيها ملابسة يضع معها هذا الشال ، ينشرة معها على حبل الغسيل ثم يكوية ويقوم بترتيبة بعناية ويعيدة الى الغسالة .
بعد أن يفعل كل ذلك ، يخرج يتفقد حديقتة الخلفية ، يضع طعاماً للبلبل وطائري القبيج. إنتبه في الأيام الأخيرة ألى ان البلبل أصبح قليل الغناء وأن طائري القبج أصبحا نحيلين ، صار يتحدث معها وهو يطعمها ثم يتجاهلها و في قلبه غصة ، لاشيء يمكنه ان يفعله مع هذه الطيور ، هو يعرف في قرارة نفسه إنها تشتاق الى باجي نادرة .
يترك طعام الغداء على النار و يخرج الى الشارع ليتفقد واحداً من بيوت الجيران التي هاجر أهلها ، فهو منذ أن غادروها منح نفسة مسؤلية الحفاظ على هذه البيوت من دون أن يشعر بالتعب .
كان يدخل الى هذه البيوت و يتنفس هواء السنوات التي عاشها مع الجيران الذين أحبهم و أصبحوا عائلة الكبيرة . إن بيوت الجيران هي مستودع ذكرياتهم ، فعندما يهتم بها فهو يريد أن يقول لكل فرد عاش بين جدرانها : أنا أحبك و مشتاق لك ، هو يشتاق للكبار و الصغار بالدرجة نفسها .
يدفع أمامه بإحد يديه ماكنة قص العشب بقرقعتها المزعجة و بيده الثانية يحمل صندوقاً للعد اليدوية.
هذا النهار قرر أن يعتني ببيت أم علي ، اخرج من الصندوق مجموعة مفاتيح ، وإختار منها واحداً و فتح القفل الذي يربط السلسلة الحديدية و دخل الى البيت ، بعد ان قص العشب و قطع الأوراق الذابلة و اجرى الماء في الساقية ، فتح الباب الداخلي و دخل الى الصالة ثم تجول في الغرف و الممرات .
في المطبخ ، عثر بشكل غير متوقع على كلب أسود ، يتمدد منهكاً على الأرض ولا يستطيع الحركة من شدة الجوع و العطش ، قبل أن يسأل نفسه من اين دخل الكلب و كيف تسلل الى داخل البيت وكل أبوابه و نوافذه مغلقة ، حمل دلواً صغيراً من الماء ووضعه أمامه، خرج مسرعاً الى بيته ، تناول من ثلاجته بعض قطع اللحم و العطام و عاد ووضعها أمامه فراح يلتهمها بشراهة .
- كيف دخلت الى هذا المكان ؟
نظر كلب في عينية نظرة تستجدي العطف كأنه يقول لة :
-لا اعرف .
-كنت تموت وحيداً لو انني لم ادخل بالمصادفة الى هنا .
-انا لا اخاف ان اموت و حيداً .
تقدم نحوه وربت على ظهره ثم حمله برفق الى البيت ، وضعه في طست صغير وراح ينظف جسده بالصابون وهو يترنم لحناً حزيناً ، نشف جسده تحت أشعة الشمس في الحديقة وراح يداعبهُ بحنان والملب يستعد عافيته شيئاً فشيئاً وتلمع عيناه وهو يتدحرج مرحاً على العشب .
منذ ذلك اليوم اصبح عمو شوكت لا يُوشاهد في الشارع الا بصحبة هذا الكلب ، الذي احبه وتعود عليه و صار جزءاً من منضره الخارجي ، يمشي في الطريق و الكلب يتبعه ، يتوقف مع وقوفه ، ويجلس على مؤخرته عندما ينشغل هو بالحديث مع احد الجيران .
جاء احد الأطفال و مسح العصفور الذي رسمته على الجدار ، ورسم مكانه بالطباشير الملونة كلباً صغيراً يجلس تحت الأريكة التي يجلس عليها عمو شوكت ، الكلب ينظر الى عمو شوكت و عمو شوكت يضحك ( والفرق بين الأبتسامة والضحكة هي إنه في الأولى يغلق فمه وفي الثانية يفتحه).
قالت امي لأبي : لقد عثر أخيراً على رفيق له ، عنده الآن كلب صغير ولن يموت وحيداً بعد الان.
-وماذا سيفعل الكلب عندما يموت الرجل ، هل سيخرج للناس و يقول لهم لقد مات ؟
-لا... انت لا تفهميني ، الأنسان بطبعه يخاف ان يموت و حيداً ، وعندما يموت عمو شوكت سيكون الكلب موجوداً قريباً منه و سيراقب روحه عندما تصعد الى السماء.
-واذا مات الكلب قبله؟
-لن يحدث هذا.
الكلب الأسود الذي عثر عليه في بيت أم علي ، هو من النوع الذي يتحدث لغة الإشارات و يفهمها ، كما لو إنها لغته الفطرية الأولى ، استغل عمو شوكت هذه الغريزة وراح يتدرب عليها ليتفاهم مع ( برياد ) وهذا هو الاسم الذي اطلقه علية تيمناً باسم كلب أليف كان يعيش في بيت جده في قريته التركمانية في مدينة كركوك ، قبل نصف قرن من الان .
صار برياد الصغير فرداً من افراد المحلة ، يحبه الجميع و يلاطفونة عند مرورهم من أمامه ، يعرف ابناء المحلة فرداً فرداً ، ولا ينبح عليهم كما يفعل دلك مع الغرباء ، يركض وراء الأولاد يداعبهم وهم يسرعون بدراجاتهم ، يتقافز مع البنات وهن يلعبن على الرصيف و يستقبل الأباء بفرح عند عودتهم من العمل .
الملفت للنظر ، ان قطط المحلة التي ولدت على سطوح البيوت وحدائقها الخلفية ، لا تخاف من برياد ، ولا تبتعد عنه عندما يعترض طريقها دون ان يقصد ، والأغرب من هذا ، ان بعض هذه القطط أصبحت على علاقة وثيقة به ، علاقة بلغت حد التجول معه في الليل بحرية ، حتى بتنا لا نعرف على وجه الدقة ، فيما اذا اصبح برياد قطعة بجسد كلب ، أم ان القطط صار لها مزاج جراء صغيرة .
من خصائص برياد النفسية التي يعرفها الجميع ، انه يحب أن يتقاسم طعامه مع القطط البيض حصراً ، فكان على الدوام يترك لها بعض العظام حتى لو كان جائعاً ، من خصائصه الغريبة أيضاً ، التي اريد منكم ان لا تستغربوا منها ، انه يتنبأ ببعض الأحداث قبل وقوعها ، فإذا ما ترك بيت عمو شوكت صباحاً ، وتوجه ليرفع ساقه و يتبول عند باب أحد الجيران ، فان ذلك يعني لنا شيئاً واحداً : إن هؤلاء الجيران يستعدون للهجرة قريباً ، فمن خلال تبوله عند هذا الباب أو ذاك صرنا نعرف من هو الجار القادم الذي إتخذ قرار الرحيل بلا رجعة.
بالإضافة الى ذلك ، هناك إشارات عديدة يجلبها من المستقبل ،بعضها سرية بينه و بين عمو شوكت ، و بعضها يمنحها برياد لابناء المحلة وبناتها عن طيب خاطر ، فهو إذا ما هرول نحو فتاة و حاول لحس كاحلها ، فإن ذلك يعني ، إنها ستتزوج قريباً من فتى أحلامها و تعيش معه حياة سعيدة ، حدث هذا كثيراً ، تزوجت هند من حيدر بعد علاقة حب دامت لسنتين ، و تزوجت مها من حذيفة و تزوجت منال من محمد بعد أن أعطاهن برياد اشارته المعرفة .
إذا ما قام برياد بعض حقيبة أحدهم وهو يمشي الى مدرسته فإن ذلك يعني ، ان هذا الطالب متفوق في دروسه و إن النجاح ينتظره حتماً ،
وأذا ما نظر طويلاً في وجه امرأة عجوز يعني بلا إدنى شك ان أجلها المحتوم بات قريباً .(الكاتبة /شهد الراوي )
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
مرحباً واخيراً خلص امتحاني اسفة جداااااً على تأخير واخيراً خلصت لكم بارت 9 انتظرو بارت 10 راح انشرها قريباً احبكم جداً
فوت+كومينت = بارت 10
بارت 10 حاضرة اعملوا لايك و كومنت حتى انشر لكم بارت 10//not
رجاءً لا تقرئوا بدون ما تصوت
أنت تقرأ
ساعة بغداد
General Fictionدخلت الي حلمها بقرة 🐄،دخلت دراجة هوائية 🚲،دخل جسر ، دخلت سيارة عسكرية 🚓، دخلت غيمة ☁️،دخل غراب 🦅، دخلت شجرة 🌳،دخل طفل 👶🏻،دخلت طائرة ✈️،دخل بيت مهجور 🏚، دخلت قطة 🐈، دخل خزان مياه 💦، دخل شارع 🛣، دخلت زرافة 🦒، دخلت صورة فو تغرافية 📸🌁،دخلت...