🦋🦄بيداء بعد لحظة مغادرتها.🦄🦋

348 25 4
                                    

      كتاب ((المستقبل )):صفحة رقم (8)
ولدت بيداء في اليوم الأول من شهر شباط ، و هيا لأولى لأمها و أبيها ، الذين تعرفا بعضهما في القطار القادم من البصرة الى بغداد ، كان أبوها ضابطا شاباً في الجيش ، نزل ذات يوم في إجازة من الجبهة ، و كانت أمها طبيبة تخرجت حديثاً وتم تنسيبها للعمل في مستوصف قروي قريب من ميناء أم قصر ، بعد علاقة حب تطورت بينهما تزوجا .
لبيداء شقيق واحد يعيش مع جدته لأمة ، التي تعلقت به منذ يوم ولادته ، و بقى في بيتها حتى الساعة .
كبرت بيداء في المحلة ، دخلت معك في المدرسة نفسها ، وانت تعرفين بقية القصة ولا داعي لإعادتها ، لأن مهمتي هي ليست ماضي كما تعرفين ، وانما المستقبل ، والمستقبل لا يعني ما هو قادم من الزمن ،و أنما الأشياء التي حصلت في الماضي أيضاً ، لكننا لا نعرفها .
تذكري معي دائماً ان كل شيء لا نتذكره هوة من رصيد المستقبل .
بعد ان تجاوزت السيارة التي اقلت عائلة بيداء الحدود ، انفجرت أسارير عائلتها و تنفسوا الصعداء، لأن والدها كان يسافر بأوراق مزورة، غير فيها اسمه و مهنته ، و استخرج جواز سفر يحمل صورته تحتها اسم شخص آخر .
فتحت بيداء رواية ( مائة عام من العزلة ) التي أهديتيها إياها وراحت تقرأها :
«لقد قلبوا القرية في لحظة واحدة ، ووجد أهالي ماكاندو أنفسهم فجأة ضائعين في شوارع قريتهم ، مشدوهين بذلك المهرجان الحاشد »
نزلت من عينيها دمعة ، تدحرجت سريعاً على خدها و هي تتذكر المحلة، تتذكركما انت و نادية ، و كيف تركتما و حيدتين تنهشكما الوحشة ، و يتكور حولكما المكان ليحبس الهواء القديم في الصدور .
أكملت بيداء دراستها في مدينة جديدة ، التي وصلتها بعد مغادرتها بغداد ، و تقدم إليها شاب هو ابن لطبيب زميل أمها في المستشفى ، التي صارت تعمل فيه بعد سفرها ، وهاجرت بيداء مع زوجها بعد إتمام مراسم الزواج بشهرين الى كندا ، ولدت لها هناك بنتاً جميلة اسمتها على اسمك انتِ وفاء لصداقتكما ، وولدت صبياً اسمته شوكت وفاء لذكرى عمو شوكت ، الذي تحبه و تتلمس من حين لآخر موضوع الساعة التي طبعتها أسنانه على رسغها .
هي الآن متفرغة للبيت و الأولاد، وكانت لديها رغبة كبيرة في ان يتحقق حلمها لتتمكن من ان تؤسس موقعاً الكترونياً على شبكة الإنترنيت ، يحمل كل تاريخ المحلة الموجود في هذا السجل ، حاولت الإتصال بك أو بنادية ، و لكنها لم تحصل على عنوانكما ، بعد ان يئست أرجأت فكرتها الى بعد حين ثم نستها .
في فجر أحد الأيام الكندية الشديدة البرد ، نهضت بيداء من فراشها، و قررت ان تكتب رواية طويلة عن المدينة الكندية الصغيرة ، التي تعيش فيها مع زوجها و طفليها ، من دون سابق تفكير ، أو تخطيط ، جلست عند كومبيوترها الجديد تكتب:
لا أعرف شكل هذه الأرض ،التي يكسوها الجليد، ولا لون العشب الذي كان يغطيها،لكنني أعرف إنني أولد من جديد على أرض هذه القارة البيضاء البعيدة وراء المحيط ، لا اتذكر كيف وصلت اليها ،ولا البلد الذي قدمت منه إليها ، هكذا استيقظت ذات صباح ووجدت نفسي محاصرة بالبياض الشاسع ، هذه الممحاة العظيمة التي تغطي وجه الحياة ، و تمسح كل أثر في الروح للذكريات القديمة .
أن يولد الإنسان بعد ربع قرن من حياته ، و يجد نفسة في جغرافية غريبة ، و هواء غريب ، و لغة غريبة ، فأن علية أن ينسى على الفور حبله السري ، والرحم الذي مكث فيه كل السنوات السابقة على ولادته الجديدة ، كما ينسى الرضيع الرحم الذي عاش فيه قبل ولادته ، الإنسان بطبيعته و منذ وجودة في هذا العالم ، لا يتذكر الرحم الأول الذي عاش فيه ، هو دائماً يستقبل الدنيا بلا ذاكرة ، كما لو أنه جاء من العدم ، أنا الطفلة الجديدة في هذا العالم، القادمة من العدم ، سأروي لكم حكاية يومي الأول .
أكملت بيداء روايتها ، و تركتها تنام على رف صغير في صالة شقتها ، تعود بين مدة و أخرى لقراءتها و تستمتع بها ، هي المؤلفة وهي القارئة الوحيدة في الوقت نفسه ، أن يكتب الإنسان لنفسة فقط فإنه يكتب بحرية تامة ، لا يعرف طعمها الكتاب المحترفون ، بيداء كتبت رواية لنفسها ، و تركتها على رف صغير في صالة شقتها .
هذه هي أهم أخبارها، وفي الصفحات المطوية ، التي حذرتك من قراءتها ، ثم أمور أخرى ، ليس مهماً الإطلاع عليها ، أحذرك مرة ثانية من مغامرة في فتحها ، أو حتى التفكير بذلك ، إن رؤية ما لم يحدث بعد ، ستعجل من حياتك جحيماً حقيقاً .
(الكاتبة /شهد الراوي )

💋💋💋💋💋💋💋💋💋💋💋💋💋💋

ساعة بغداد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن