كتاب المستقبل / الفصل الأول

371 27 1
                                    

انا ( المستقبل ) أعيش الآن ولادة متواصلة من رحم الماضي ، وها انا في طريقي اليك ، أهدأي ولا تخافي ، ليس فقط كل ما حصل في الماضي قد استقر فيه ، لا تكرري ذلك أرجوكِ ، ما يحدث في الزمن القادم سيستقر هناك كذلك ، الماضي يطوي الحاضر و يبتلع الآتي و هو يتقدم نحو الأمام مثل عاصفة ترابية تتدافع طياتها نحو السماء و تسد الأفق ، لا أحد بإمكانه عرقلة عاصفة الماضي من الإندفاع نحو نهايتها ، كما ليس بوسع أحد ان يدفع المستقبل الى الأمام و يبقية بعيداً في مكانه .
انا هنا من أجلك ، من أجل إختصار حكايتك ، من أجل تنظيف السنوات و منعها من السقوط في الملل ، لا تخافي مني ، هناك نهايات مفتوحة على الاحتمالات، ساتركك تنعمين بفوضاها ، بمفاجآتها ، بأحداثها المشوقة ، (المستقبل ) هو مسرح التشويق و المصنع السري لإنتاج كل ماهو غير متوقع .
ليس في رغبتي إفساد حياتك ، لدي بعض الأخبار السارة ، الأخبار التي تعدينها سعيدة ، ولدي أيضاً و قائع مؤلمة ، انا اسف لوجودها معي ، لكنها من ناحية ثانية ضرورية جداً من اجل ان تكون الأخبار السعيدة سعيدة .
ماجدوى السعادة إذا لم تنبثق من ليل الألم الطويل ، ما اجمل المطر حين يأتي بل توقع من قلب العاصفة و ينظف الهواء من الغبار ، من اجل ان تنعمي بمستقبل جيد تجاوزي معي قراءة الصفحة رقم (2) و باشري القراءة من الصفحة ربم (3)، و عندما تبلغين الصفحة رقم (6) أتركيها مطوية على حالها هي و الصفحة رقم (7) أيضاً ، و باشري من الصفحة التي بعدها ، و أقصد الصفحة رقم (8) ، استمري بالقراءة حتى بداية الصفحات العشرين ما قبل الأخيرة و توقفي هناك فوراً ، لا تقرأي الصفحات الأخيرة ، إتركيها مطوية كما هي ، انا احذرك من الأقتراب منها ، أرجو ان تلتزمي بهذه التعليمات حرفياً ، كما أحب ان انبهك على إنني لا اشبه الماضي في صلابته و حكمة النهائي على الأشياء و الوقائع و الأحداث ، أنا ( المستقبل ) محكوم بطبيعتي بنوبات من حدة المزاج و التقلب السريع من حال الى الحال .
ما يكتب في صفحاتي لم يكتب بحبر نهائي ، صفحاتي مكتوبة بالضوء و الظلمة ، و أحدهما يمحو الآخر ، حسب الظروف و طبقاً لقدرته و رغبته و مزاجه .
هل انت مطمئنة الى الآن ؟
هل ذهب عنك الخوف و التردد و الهلع؟
انصحك بالذهاب الى السرير في هذه اللحظة ، ساتركك تنامين بسلام و هناء و طمأنينة ، تناولي فطورك و أشربي كوباً من الشاي ، افتحي السجل من جديد و باشري القراءة بشكل طبيعي من دون تشنج و إنفعال ، كما لو إنك تقرأين رواية مشوقة جديدة ، أبدعها خيال كاتب مجنون ، و ليست تتمة للماضي الذي توقف عنده كتابك القديم (ساعة بغداد- سجل المحلة ).
و لأنك لا تحلمين ، فانني لا أستطيع أن اتمنى لك أحلاماً سعيدة ، سأكتفي بالقول تصبحين على الخير أيتها الحسناء النقية .
بعد أن إنتهيت من قراءة رسالة ( المستقبل ) نهضت بهدوء و توجهت الى سريري على الفور و نمت .
في الصباح استيقظت بمزاج جديد ، اخذت حماماً مريحاً ، أدرت صوت المسجل على موسيقى كلاسيكية ، فتحت نوافذي للشمس ، تناولت فطوري و جلست أقلب الصفحات التي سمح لي بتقليبها بهدوء و إنسجام نفسي و من دون خوف .
(الكاتبة /شهد الراوي )

ساعة بغداد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن