المستقبل ؛ ليس كل ماهو جديد و قادم من ماكنة الزمن ، بل هو كل ما لا نعرفه.
🌼🌸🌼🌸🌼
قبل سنتين اكتشفت نادية على الإنستغرام مصادفة ، كدت ساعتها أموت من شدة الفرح ، لكنة كان للأسف فرحاً أفتراضياً ، فرح يشبه صورنا الجامدة على مواقع التواصل الإجتماعي ، يشبه كلماتنا الباردة على هذه المواقع ، هذه ليست نادية ، هذه المرأة تشبهها ، نادية ليست متزوجة و ليست لديها طفلة صغيرة ، هذه امرأة من عالم آخر ، من زمن آخر .
ليست هي نفسها التي التقيتها في ملجأ محصن ضد الغارات الجوية ، ليست هي نفسها التي عشت معها أغلب سنوات حياتي ، هذا الرجل الذي معها في الصورة ليس أحمد ، تحدثنا بعد أيام في التلفون ، وكان صوتها أيضاً ليس صوت نادية ، و همومها ليست هموم نادية كما عرفتها و حفظتها في قلبي و روحي .
في العالم الإفتراضي ، في مواقع التواصل الاجتماعي ، يكون إكتشاف صديق قديم يشبة لحظة واقعية صادمة بكل تيارها العاطفي ، يذوي ضوء فتيلها مع مرور الوقت لتعود تدريجياً الى إفتراضيتها .
العالم الافتراضي ليس وسيلة للتواصل فقط ، إنه أداة لفحص الماضي و تصفية حساباتنا معه .
يوماً بعد صرت اتهرب منها ، من نادية الأفتراضية ، ابتعد بذكرياتي عنها ، أخاف من حضورها الوهمي على قصتنا الواقعية .
فتحت سجل المحلة و قلبت أوراقة ، كنت أبحث عن مساحة لأكتب فيها ان نادية لم تعد موجودة ، لكنني ترددت و أغلقت السجل .
عندما نستعد لأستئناف الذكريات القديمة ، نحتاج الى قلوب جديدة غير مستعملة ، قلوب طريج نشيد بداخلها حضارات جديدة من الصداقة ، نكتب عليها تاريخاً جديداً ، قصة غير مروية من قبل ، ندخل عالمها لأول مرة و نتعرف على أبطالها لأول مرة أيضاً .
هل أصبحت قصتنا مجرد قصة قديمة يجب ان نطويها و نكتب عن حياتنا رواية جديدة تبدأ من حيث توقفت روايتنا القديمة ؟
تلاشت علاقتنا الإفتراضية تدريجياً و بقيت الذكريات متجمدة في مكانها ، و عندما تلح على رأسي ذكرى قديمة ، كنت اتجاهل وجودها على الأنستغرام ، و أذهب الى سجل الماضي لإعرف من عوالمة لحظات عشناها سوية بكل ذلك الدفء .
عندما غادرنا بغداد ، حملت معي في حقيبتي اليدوية ( ساعة بغداد - سجل المحلة ) ، و أبقيته قريباً مني في بيتنا في الأردن ، مثل كنز سري أخفية من العيون المتطفلة ، أفتحة بين حين و آخر ، أقرأفيه بعض الصفحات التي دونتها بيداء سطراً سطراً ، و اتذكر من خلال كلماتها وجوه الجيران و بيوتهم و تفاصيل حياتهم ، اتذكر الأغاني التي أحبوها ، ألهو مع أطفالهم و أثرثر مع الجدات ، اتذوق طعم غداءهم و أشم عطر الورود في حدائقهم .
في احدى الليالي ، فتحت السجل ورحت أقرأ بنهم ، أدق في الحروف و اسمع الأصوات القادمة من البعيد ، فجأة عثرت على مجموعة من الأوراق الغريبة مثنية الى الداخل بعناية ، و مكتوب فوقها و بخط أسود عريض و غامق كلمة :
(المستقبل )
اندهشت من وجود هذه الصفحات الغريبة في سجل الماضي التي لم اكتشف وجودها من قبل ، راودتني شكوك في ان يداً خفية امتدت لتعبث بكل ذكرياتي ، غير ان كلمة «المستقبل »هذه كانت مكتوبة بخط يشبة خط بيداء الذي أعرفه ، و مكتوبة بالقلم نفسه ، الذي سهرت تدون فيه الأحداث من ذاكرتها و لكن بحبر غامق ، كما لو انها مررت عليه القلم اكثر من مرة .
- من اين جاء ( المستقبل ) اذن ؟ وما الذي يفعلة هنا في سجل الماضي ؟
ارتجفت يداي و أنا احاول لمس الصفحة الأولى ، ترددت كثيراً ، و نشف الدم في عروقي ، تصاعدت دقات قلبي و كدت أختنق من هول هذه المفاجأة المباغتة ، فأنا لا أثق كثيراً ولا ختى قليلاً بهذا ( المستقبل )
كيف تسلل هذا الغريب الى سجل الماضي ، ما الذي يفعلة هذا المجهول هنا، استمرت يداي ترتجفان بشدة و تعرق جبيني ، تيبست شفتاي و نشفت ريقي .
تركت السجل على حاله مفتوحاً ، و نزلت اتوكأ على حافة الجدار الجانبي للسلم نحو الدور الأول من البيت ، شعرت حينها بظمأ شديد و نزلت أشرب جرعة ماء ، كما لو انتي قطعت صحراء بطولها في ظهيرات قائظة متصلة ببعضها ، فتحت الثلاجة و تناولت ثلاثة أكواب متتالية من الماء البارد و أرتويت ، عدت بخطى ثقيلة الى غرفتي .
كان شبح ( المستقبل ) قد اغلق الستائر ، و أطفأ الأنوار ، وراح يتجول في المكان ، ثمة يد غريبة تدق على نافذتي من الظلام ، اختنقت و حاولت ان اقفز نحو سريري و أتدثر في فراشي و أنام ، لكن خوف حرم رأسي حتى من القدرة على ملامسة حافة الوسادة ، يا الهى ما الذي يجرى في هذا العالم؟
فتحت الضوء من جديد ، تحركت المروحية السقفية و دارت ببطء من تلقاء نفسها ، وهي ترسم بأجنحتها الثلاثة خيالات غريبة على الجدران ، استجمعت قواي و عدت أخطو على اطراف أصابعي نحو السجل ، الذي صارت صفحاته تتقلب مع هواء المروحة بهدوء ، كان شبح المستقبل يقلب أوراق الماضي أمامي و هو يبتسم لنفسه من دون ان اراه ، تراجعت على الفور الى الوراء ، و تجمدت على بعد خطوتين في مكاني .
يد خفيفة تمتد الى صفحات السجل المطوية و تفتحها مرة اخرى ، و يد اخرى تمسكني من رقبتي و تأتي برأسي قريباً من الكلمات ، اتراجع الخطوتين مرة اخرى و جسدي يرتعش و لكنها تعيدني اليها ثانية بقوة ، بأصابع ذابلة من الذعر قلبت الصفحة الأولى ، قربت عيني من الكلمات التي دونت بحروف صغيرة و مائلة ورحت أقرأ .(الكاتبة /شهد الراوي )
أنت تقرأ
ساعة بغداد
قصص عامةدخلت الي حلمها بقرة 🐄،دخلت دراجة هوائية 🚲،دخل جسر ، دخلت سيارة عسكرية 🚓، دخلت غيمة ☁️،دخل غراب 🦅، دخلت شجرة 🌳،دخل طفل 👶🏻،دخلت طائرة ✈️،دخل بيت مهجور 🏚، دخلت قطة 🐈، دخل خزان مياه 💦، دخل شارع 🛣، دخلت زرافة 🦒، دخلت صورة فو تغرافية 📸🌁،دخلت...