مُذْ سَكَنْتُ هذه الغرفة لم يدخل شعاعٌ إلاَّ ومَرَّرْتُ يدي عليه. كانت لكلِّ تلكَ الأشعَّةِ أجسادٌ ناعمةٌ ونحيلة، لكنَّني كنتُ أعرفُ كُلَّ شعاعٍ من ملمسِهِ. مرَّةً كانَ ضوءَ سفينةٍ في الميناء المقابل، وحينَ اختفى شعرتُ بوحدةٍ غريبة. هل لأنَّها سفينةٌ فيها مهاجرون؟ ناسٌ يرحلونَ إلى بلادٍ بعيدةٍ، يجلسونَ على المقاعدِ الخلفيَّةِ أو يصعدونَ إلى السطح ليُرْسِلوا آخرَ نظرةٍ إلى البيوت؟ ناسٌ كَنَسُوا البيتَ وسَقَوا الحوضَ، ثمَّ انتزعوا عشبةً من شقٍّ قربَ البابِ ورحلوا؟
أشعلتُ سيكارةً ولَهَوْتُ بدُخانِها، كُلُّ شيءٍ هادئٌ، حتَّى الهرَّةُ الصغيرةُ في زاويةِ الشارعِ لا تنظرُ إليّ. كُلُّ شيءٍ هادئٌ في هذه الغرفةِ منذُ سنوات، وبِتُّ أعتقدُ نفسي جِدارًا وإذا خرجتُ ستهبطُ. أحيانًا أفكِّرُ أنَّ حديدَ الغرفةِ من عظامي. لكنَّ عظامي رقيقةٌ وهشَّةٌ و لا رَيْبَ أنَّ هذا الجسدَ محمولٌ بدعائمَ أخرى. كيفَ مَشَتْ معي هذه العظامُ سنواتٍ دونَ أنْ أسمعَ أزيزَها أو أرى انهيارَها المفاجئَ على الطُّرُقات؟ غير أنِّي وحيدٌ تمامًا، ولذلك يَخِفُّ وزني.- وديع سعادة
