نحن الوحيدين جدًا , لا نجتمع إلا في صفحات كاتب سودوي يعرف عن الوحدة..نحن أبناء حزن “فرانز كافكا” ، فلسفة “نيشته” ، اكتئاب “دستوفيسكي” و عبثية “البير كامو”..
نحن كل الكتابات الحزينة التي كتبها أُدباء مجهولون كانوا يعانون من الوحدة و الحزن ، نحن مقطوعة حزينة لعازف انتحر من الاكتئاب ، نحن الخطوط التي رسمها “ڤان جوخ” بيدٍ مرتعشة قبل أن ينتحر ، الكلمات الأخيرة لـ “دليدا” قبل انتحارها و الرعشة الأخيرة لـ “غاندي” قبل أن يُغتال..
نحن أصحاب الجداريات الحزينة في الأزقة و الحواري ، قاطني العشوائيات الفقيرة المزينة بالكذب والنفاق ، نحن أولئك الذين نُسلوا من كل من كان يعاني من متلازمات الخوف و اضطرابات الاكتئاب..
نحن أولئك الذين يجلسون في الصفوف الأخيرة في المحاضرات لا يلاحظ أحد وجودنا و لا يهتم أحد بغيابنا ..
نحن أصدقاء الليل و الحزن و الاكتئاب ، نحن من لا يعرف أحد حقيقتنا و مهما اقترب منا أحد لا يحظى إلا بالقليل جدًا عنا..
نحن الوحيدين جدًا الذين لا يملكون شخص يبكون معه على الأشياء التافهة قبل الهامة ، نحن أولئك الذين اعتادوا الفقد و الألم و الوجع ، الذين يتألمون لبكاء الأطفال ، للمشاهد الدموية ، وقد نبكي لمشاهدة مشهد حزين في فيلم سينمائي ، نحن من لا يملك أي أسباب لأفعالنا و لا نعرف كيف يمكن تبريرها أو حتي الدفاع عن أنفسنا..
أولئك الذين اعتادوا السهر دون سبب واضح ، من لا نملك مبررًا للتأمل في السقف ، في السماء ، في متابعة أشكال النجوم ، و قد نخلق من أشكال السحاب رفقاء لنا..
نحن أصحاب الأدمغة العتيقة التي تفشل المهدئات في سكونها ، أولئك الذين يتعكر مزاجهم بكلمة عابرة أصحاب المزاج المتغير بشكل متواصل و نوبات البكاء و الحزن المفاجئ ..
نحن الذين لا يهتم أحد بنا فلم نعد نهتم لـ أمر أحد ، نحن أصحاب الأسئلة الوجودية التي لا إجابة لها ، من اعتادوا الصمت في أشد المواقف التي تستدعي الحديث ، نحن من لا تؤخذ كلماتنا على محمل الجد أبدًا ، نحن من نخلق الحجج لنعتذر عن حضور الحفلات والتجمعات ، نحن أصدقاء الجميع و لا صديق لنا ، أولئك الذين اتخذوا الموسيقى رفيقًا لهم ..
نحن كل الأشخاص الذين يسيرون في الشوارع وقت هطول المطر ، من يبكون في غرفتهم مساءً و يستيقظون في الصباح كما لو أنهم لم يبكوا لساعات ، نحن أصحاب الرسائل التي لم ترسل ، و الوجع الذي لا ينطق ، و الأمنيات التي لم تتحقق..
نحن الوحيدين جدًا المزيفين أمام الناس ، الصادقين أمام أنفسهم ، نحن من لا نملك إلا قلوبًا مكسورة و أحلامًا محطمة و أمنياتًا أصبحت في طوق النسيان ..
نحن المنسيين لكن لا ننسى ، الموجوعين الذين لا يقدرون على إيلام أحد ، و المسالمين حد اعتداء البعض على مشاعرنا دون رد فعل منا..
نحن الوحيدين جدًا في كل شيء ، في عزلتنا ، في لحظات اكتئابنا ، و لا يعرف أحد عن أوجاعنا ، نحن من نبكِ في صمت و نتألم في صمت و نصرخ في صمت ..
نحن المزاجيين المصابين بلعنة التفاصيل و الوسواس القهري و متلازمات الخوف و القرب و الاهتمام ، نحن صراخات الألم التي لا تسمع و رعشات الحزن الخافية ، نحن الذين لا نجتمع أبدًا لكن يعرف بعضنا الآخر ، نجتمع في الحزن و الاكتئاب و السكون و الظلام الدامس ، وسط الزحام نختبئ في المقاعد الأخيرة و نختبئ عن نظرات الشفقة السخيفة ..
نحن الوحيدين جدًا كـ آخر طفل على الأرض في مدينة الموتى .
_محمد طارق