صديقتي العزيزة، لم أكتب إليك اي شيء منذ فترة طويلة، بالنسبة لي الكتابة شيء مزاجي جدًا، اكتب لحظة، ثم اتوقف، و انسى ما كنت على وشك كتابته، اجهز في عقلي جملة تبدو جيدة، شيء ابدأ منه، خيط رفيعًا، ربما طريق أسير فيه، و عندما اجلس لأكتب، لا أجد شيء ، يبدو الأمر مثل التائه في الصحراء يبحث عن الماء، ثم يتيخل إليه أنه يراها على بعد، و عندما يصل، لا يجد ماء ولا يجد شيء أبدًا. مضت فترة لا بأس بها منذ اخر مرة كتبت إليك شيء، عام؟ عامان؟ في هذا الوقت كنت اتجول في شوارع القاهرة، في الواقع كنت اتجول ابحث عن نفسي في عيون المارة، في المرايا التي اراها، و انظر لنفسي، اشعر و كأنني لست أنا، انني أعيش في هذا الجسد بغير إرادة مني، لم تكن فقط تلك الأفكار التي تتبادر لدي أثناء مروري في شوارع القاهرة، افكر ماذا لو اننا التقينا صدفة، ما الذي سيحدث؟ هل سارفع يدي و ألوح! هيييي إنه أنا من يراسلك؟ يا له من موقف! لأكون صادقًا، هناك الكثير من الأشخاص الذين اعرفهم اريد أن اصطدم بهم صدفة بحتة، و قد حدث بالفعل، يتغير الكثير من الناس في خلال وقت قصير، في خلال عام أو اقل، يتحول الواحد لشخص مختلف تمامًا عما اعتاد أن يكون، ربما يكون اهدأ، اعقل ، او ربما يصير مجنونًا تمامًا. لم اكن محظوظًا تمامًا لأني لم التق بك صدفة، فانا اعرف اننا نستخدم المترو يوميًا، نذهب ربما لنفس الاماكن، ربما نفعل الأشياء نفسها، ربما، لا احد يعلم. اثناء تجولي في الشوارع اتنقل في عقلي بين جميع الاغاني التي احبها، بين جميع الاغاني التي يعرفها العالم، اتعجب في بعض الاحيان، كيف يمكن أن يتسع عقلي أو تتسع أذني لكل تلك الأشياء المتناقضة التي اسمعها، هناك لويس، يقول لا احد يعرف كم المشاكل التي قد رأيتها، ثم فيروز لتقول الله كبير، و دينا لتقول عارفك مش تايهه، وحتى حسن شاكوش و هو يردد وداع يا دنيا وداع. اتنقل بين كل اغنية، و بين كل لحن موسيقى لفكرة مختلفة في عقلي. اتنقل لفترة قد عشتها، فترات اتعجب من كوني انا نفس الشخص الذي عشت تلك الفترة، كيف انقضت، و كيف قضت عليّ، كيف تحولت من انسان لمجرد كتلة من اللحم و العظام التي تسير هكذا بلا هوية أو رأي. أمر على بائع كتب و اتمنى أن أكون بائع للكتب، تمر سيارة و اتمنى تلك السيارة، تمر فتاة حلوه، شعرها ناعم، و اتمنى أن تكون صديقتي، هناك لا شيء يمر واتمنى أنت تكوني بدلا من ذلك الفراغ الهائل. انا دائم البحث عنك و عن نفسي و عن اشياء كثيرة، اكتشف في بعض الأحيان انني شخص سيء للغاية، اكتشف ذلك صدفة بينما اشاهد فيلما ما، و اقول لنفسي انني سيء للغاية، و اتمنى أن تنتهى حياتي، ذلك الفيلم سيء الصنع، الرديء. اسمع موسيقى تردد في اذني حتى عندما لا اضع السماعات، يداي و كأنها تعزف بالرغم انني لا أستطيع أن أعزف على أي آلة موسيقية. اتمنى ان تلتقط كاميرا الهاتف الاشياء كما اراها، اتمنى لو أن هناك كاميرا بدلا من عيناي والتقط بهما مشاهد كثيرة، اعيد ترتيبها في المساء. أفكر في الجهل و نعمة أن يكون الواحد جاهل، جاهل لكل شيء، وأفكر هل تكون سعادته حقيقة فعلا؟ ام أنها ناقصة، و يعرف نقصانها، وويتغاضى عن ذلك النقص، و يعيش. مشكلتي انني اريد أن اسيطر على كل شيء، و اريد ضمانات لكل شيء اقدم عليه، ضمانات بأن أنجح، بأن تصبح الأشياء كما هي فعلا في مخيلتي، ولكن الحياة لا تأتي بضمانات، تبحث عن الحب و تجد صداقة، تبحث عن شيء و ما تجده مختلفًا تماامًا عما انت بحاجة إليه، وهكذا أصاب بخيبة أمل، خيبة أمل عظيمة، أخبئها، حتى لا أراها انا، ولكني عندما اصير وحيدًا، أسمح لها بالظهور، كما اسمح لها بأن تنال مني، انا الشخص الضعيف السيء التائه. موسيقى هادئه تكفي لاستعادة الحزن، أخرى سريعه تكفي لإشعال حماستي، اغنية، كلمة تكفي لأن تجعلني أكره الاشياء ، و من ثم ابحث عن طريقة لاتقبلها مجددًا، أقسو على نفسي كثيرًا، ولكني اسمح لها أيضا أن تفعل ما تشاء. غريب كيف انني قضيت كل ذلك الوقت، بدون أن أراك صدفة. ولكنها الحياة، ما تصبو إليه، لا يريدك، ما تبحث عنه لا تجده ولا يجدك، الأشياء تجد طريقها إليك، ما تحاول الهروب منه، لن يتركك و شأنك. ما تحاول الهروب منه، بداخلك.. العزيزة، لاشيء أثمن من حياة نشعر فيها اننا على قيد الحياة فعلًا. اتمنى ان تكوني بخير، بخير تمامًا.