الفَصل الثانِي والعِشرون.

2K 236 32
                                    

كانَت الشَمس تنزلِق بوداعةٍ خَلف أجنِحَة الغَسق الَتي رَفرفت بنعومةٍ بطلاءِها الأحمَر والأصفَر والبُرتقالِي لتُضفِي لَمسة دفيئةٍ حَبرت بالقُلوبِ الساكِنة.

خطَى داخِل البَيت الفارِغ بكَتِفين متدلِيين وجسدٍ خامدٍ. نظرةٌ مطفئةٌ ألقاها على الرِواق المُظلم وكأن وداعيّات الغُروب قد أعرَضت عَن زِيارَته،وتنفَس بكأبةٍ.

القَى بقُبعتِه ومِعطَفه جانبًا وجلَس بأرَقٍ فوق أولِ مقعدٍ قابلَه،رامِقًا زوايا المنزِل بخَشيٍ بانّ بجفنيه المُتورِمتين.
كان يمُر بأكثَر أيامِه شقاءً،كان بالكادِ يتبادَل الحديثَ مع أحدهُم،كان وحيدًا تمامًا.

"لستُ بحاجةٍ لهُم."لطالَما أخبَر نفسَه بهذا بتكابُرٍ،ولكِنه كان يعلَم بأن هذه كَذِبة،لقد كان بحاجةٍ إلى الجَميعِ..خصيصًا بذلِك الوَقت المُظلِم مِن حياتِه.

توقَفت عينيه على الهاتِف الَذي لم يعُد يستعمِلَه ابدًا تِلك الأيامِ المُنصرِمة،وبرُقت قُزحتاه بآملٍ ميتٍ. نهَض بخمولٍ صوبَه ورفَع السَماعة بتردُدٍ،قبل أن يُدِر القُرص المِعدني بالرَقمِ المَطلوب،وتسمَر بمكانِه يكاد يسمَع خفقاتَ قلبِه اليائِسة تطرُق بأُذنيّه.

"هُنا منزِل آل توملينسون."
أُحبط وجهُه فجأةً؛وصوتٌ رجولِيٌ يخترِق مسامِعه المُنفِرة بقوةٍ. إبتلَع لُعابه بصُعوبةٍ،وأمسَك على حروفِه المُبعثرة بجُهدٍ. "مرحبًا أبِي."

"لِوي؟ يالَّها مِن مُفاجأة!"صوتُ والِده المُندهِش بسُخريةٍ ضرَب أُذنيه بمقتَلٍ،ليتحامَل بضعفٍ..هو كان بالفِعل بحالٍ بشعٍ،لم يكُن بحاجةٍ إلى وجودِ أبيه كَي يُزيد حالَه سوءً.

"ما الشَيء الطارِئ الَذي جعلَنا نحظَى بشَرفِ مُكالمةٍ منكَ؟"إستأنَف والِده باستهزاءٍ؛ليُغلِق لوي عينيه المُتهاوِيتين بتَعبٍ،وكلماتُه تخرُج بخُفوتٍ. "أُريد مُكالمة أُمي."

كان يحتاجَها،كان يُريدها.
"هِى لَيست موجودة حاليًا."كان كُل ما قالَه أباه بفُتورٍ؛فساءَت مشاعِرُه باستياءٍ،لقد كان الجَميع غير موجودٍ وهو بأمسِ الحاجَة لهُم،كَم كان هذا مؤلِمًا.

"..لقد سمِعتُ أنكَ أصبَحت مِن مُحامِيّن القَصر الحاكِم قبل أيامٍ."إبتدأ والِدُه من جَديد،ليتيبَس لِوي منصِتًا. "ما الَذي فعلتَه ليَنسوا فَضيحتكَ القديمة؟ هل جعلتَ عشيقَتك المَزعومة تُغري أحد القُضاة؟"

إبتَسم لِوي بمرارةٍ وصَمت. فلقَد فَعل هذا بالفِعل.
"أخبِر أُمي بأنّي أحتاجُها وحَسب."نبَث بصوتٍ بَحوحٍ،قبل أن يُغلِق الهاتِف مبادرًا والِدَه الذي كادَ يتابِع السُخرِية مِنه والتَقليل مِن شأنِه كالمُعتاد.

ولكِنه هذه المَرة كان يضرَب على جروحِه العَميقة ليُشعِل بها نارًا لم تنطفِئ بَعد. لقد كان أباه مُحِقًا،فلِوي بطَريقةٍ ما جَعل سانِي تتودَد لأحد القُضاة كَي يحظَى بفُرصتِه بالقَصرِ الحاكِم.

لَيـالي آوبلَڤـلِت.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن