اللهم لا تحكم فينا من لا يخافك ولا يرحمنا
اختبار [الجزء الثاني لجريمة باسم الحب]
الحلقة العشرون
خرجت نعم من دار الرعايا، لتفاجأ بتلك التي تقف بانتظارها، معترضة طريقها لسيارتها بلهفة.
ـ سامية برجاء: يا دكتورة، يا دكتورة نعم.
ـ نعم بدهشة: سامية.
ـ سامية بجزع وهي تتمسك بذراعيها: أعملي معروف، أنا واقعة في عرضك أوقفي جنبي.
ـ نعم بقلق: طيب اعرف بس حصل أيه، [بطمأنة] ومتخافيش أنا معكي.
ـ سامية بلهفة: الهي تنستري، وما يحكمش فيكي ظالم.
ـ نعم بهدوء: ربنا يخليكي، بس وقفتنا كده مش هتنفع، تعالي نركب العربية ونروح نقعد في أي مكان هادي.
اطاعتها سامية بخنوع، بينما اعينها زائغة وتوترها ونفاذ صبرها جلي، حتى أنها لم تصبر بمجرد استقرارهما باحدى الكافتيرات، لتبادرها قائلة.
ـ سامية بجزع: انا في مصيبة يا دكتورة.
ـ نعم بهدوء: أهدي بس وفهميني في أيه، وكل مشكلة ولها حل.
ـ سامية بخجل: كان عندك حق يا دكتورة، اللي ترخص نفسها عمر ماحد هيغليها.
ـ نعم بتوتر: كامل.
ـ سامية بقهر: هو زفت ربنا ينتقم منه.
ـ نعم بقلق: حصل أيه.
ـ سامية بحزن: عملت بنصيحة حضرتك، حسيت أن كلامك عن أني ابعد عن كامل طول ما انا على ذمة شوقي، هو ده الصح [بحرج] بس بصراحة مكنتش ناوية اسيبه بجد، كنت ناوية نبعد لحد ما اطلق وبعدين ابقى حرة، اتجوز اللي اتجوزه.
ـ نعم بهدوء كمن يعلم ببواطن الأمور: وقلتي لكامل كده.
ـ سامية ببكاء: اتجنن يادكتورة، وقل مني قوي، قعد يقولي افتكرتي دلوقتي الحرام والحلال ولا شوفتي لك شوفة تانية، وهددني أني لو فكرت ابعد هيفضحني، ويخلي سيرتي على كل لسان.
ـ نعم باهتمام: هددك بأيه.
ـ سامية بخزي: طلع شايل صور لكل كلمة كتبتها له ومسجلي كل كلمة قولتها، ده طبعا غير شوية صور كان بيتحايل علي ابعتهم له، [بسخرية] قال أيه عشان بوحشه، صحيح مش صور سافلة بس صور في بيتي وبشعري.
ـ نعم بجمود: وبعدين؟
ـ سامية بنحيب وهي تغطي وجهها بكفيها خزيا: بيقولي مش مهم تطلقي، بس المهم نفضل مع بعض، ومصمم أني أروح له البيت ياما هيبعت الصور لجوزي وأهلي.
ـ نعم بفضول: وأنت قولتي له أيه؟
ـ سامية بذل: طبعا قلت له أن مستحيل اعمل كده لو هاموت، واترجيته يرحمني، بس هو منشف دماغه، وفين وفين لما رضي أن المقابلة تبقى في مكان عام بس بشرط ابعت له صور تانية تكون [بحرج] بلبس مكشوف، وياما كده، يا ينفذ تهديده، ومديني مهلة أخرها بكرة.
ـ نعم بقلق: وأنت رأيك أيه.
ـ سامية بحيرة: مش عارفة، بافكر اقابله يمكن اقدر احنن قلبه، وكنت باقول لو جيتي معايا يمكن تقدري تقنعيه.
ـ نعم باستنكار: وأنت متخيلة أنه هيسيبك بالسهولة دي.
ـ سامية بانهيار: يعني مفيش حل.
ـ نعم بثقة: لا طبعا في.
ـ سامية برجاء: دليني عليه أبوس أيدك.
ـ نعم بهدوء: أننا نسمع كلام العقل، والعقل بيقول أن أي تنازل جديد هيكون ضدك، يعني لو هو دلوقتي بيهددك بمكالمات وصور شبه عادية، متخيلة هيعمل فيكي أيه لو صور مقابلتكم، ولا باعتي له صور فاضحة.
ـ سامية بانفعال: كل اللي بافكر فيه، أزاي اسكته دلوقتي.
ـ نعم بصدق: بس هو بيفكر أزاي يورطك معه أكتر، حتى لو هيسكت مؤقتا، ويمكن لما تقابليه يضغط عليكي ويجبرك تروحي معه.
ـ سامية بفزع: يا خرابي، يارب خدني ولا تفضحنيش وتفضح عيالي بي.
ـ نعم باستنكار: أنا مش باقولك كده عشان تخافي وتضعفي، بالعكس أنا عايزكي تجمدي قلبك، وأنا معكي متقلقيش.
ـ سامية بشك: وأنت يعني هتقدري تقفي قدامه.
ـ نعم بثقة: أكيد، اللي زي ده، مفيش اجبن منه، بس غلطك هو اللي خلاكي اضعف، وجه الوقت تصلحي غلطك.
ـ سامية بلهفة: ياريت كان ينفع، بس اللي اتكسر ما بتصلحش.
ـ نعم بهدوء: لا بيتصلح، وأول حاجة تصلحيه بيها، أنك تعرفي غلطك وتنوي التوبة وأنك لا يمكن ترجعي للغلط تاني.
ـ سامية باستنكار: واللي فات، وتهديده.
ـ نعم بصدق: زي ما قلت لك، ده مفيش اجبن منه، بس لو عملتي له قيمة، هيتفرعن عليكي، الصح بقى أننا نبعت له اللي يعرفه مقامه ويكسر شوكته.
ـ سامية بحيرة: بلطجية يعني!
ـ نعم بهدوء: الغلط ما يتصلحش بغلط يا سامية، الصح أنه مجرم، والمجرمين بنبلغ عنهم البوليس.
ـ سامية باستنكار: بوليس أيه، أنت عايزني افضح نفسي بنفسي.
ـ نعم بثقة: ما فيهاش فضايح، الجريمة اللي من النوع ده تبع مباحث الانترنت، والحقيقة أنهم بيقوموا بشغلهم على اكمل وجه، وفي منتهى السرية.
ـ سامية باستنكار: مفيش حاجة بتستخبى يا دكتورة، وده ورق ومحاضر ونيابة.
ـ نعم باقناع: اهدي بس متقلقيش، ولو ده اللي مخوفك، ليها حل، أخو واحدة صاحبتي ظابط في مباحث الانترنت، ممكن اطلب منه يحل القضية بشكل ودي، ويمكن الموضوع ينتهي من غير ما نضطر نعمل محاضر.
ـ سامية بتردد: بس أنت ملية ايدك منه.
ـ نعم بجدية: ده انسان محترم جدا، وياما ساعد زملا، وبعدين برضه لازم تبقي عاملة حاسبك، انه لو ما ارتدعش، هنضطر نمشيها رسمي.
ـ سامية بذعر: لا أبوس أيدك، بلاش حكاية الرسمي دي.
ـ نعم بصدق: أن شاء الله مش هنوصل لده، بس لازم تبقي عارفة أن حتى لو ده حصل، فالفضيحة من شوية كلام وصور مهما كانت مش زي الفضيحة اللي هتحصلك بعد ما يوصل للي هو عايزه.
ـ سامية بذعر: ربنا يسترها معي وما يفضحنيش، لا دي ولا بدي، وأنا والله هاعيش اكفر عن ذنبي، وهاشيل شوقي فوق راسي.
ـ نعم بابتسامة: ايوه كده، ادعي انت ربنا بس، واخلصي التوبة، وهو عمره ما هيردك.
ـ سامية بانكسار: اللهم لا اله الا أنت سبحانك، أني كنت من الظالمين.
***************************
بمكتب أحمد بدار الرعاية
ـ أحمد بابتسامة: لا بجد برافو عليكي، مكنتش متخيل أنك هتقدري تقنيعها تتنازل عن موضوع الطلاق ده، دي من أول ما جات الدار وهي مصممة، وأنا مرضيتش اضغط عليها، تتخيل أني رافض وجودها.
ـ نعم بهدوء وهي تنظم بعض الاوراق داخل ملف ضخم: الطلاق مش لعبة ولا حاجة سهلة، ده ابغض الحلال، والمفروض أنه يكون حل أخير زي البتر بالظبط، [ وهي تناوله ذلك الملف] وده مينطبقش على حالة هبة، هي اللي بينها وبين جوزها، مشاكل عادية، محتاجة بس مرونة من الطرفين، وأكيد لو اطلقت كانت هتندم بعد فوات الأوان.
ـ أحمد باندفاع: وأنت ندمانة يا نعم.
ـ نعم بتردد: ندمانة على أيه.
ـ أحمد بتلعثم وقد غلب فضوله ندمه على تسرعه: ندمانة على طلاقك من صلاح.
ـ نعم ببساطة، فاجأتها هي نفسها وهي تظن أنها لربما عنفته على تدخله بامر خاص: ما أنا قلت برضه أنه احيانا بيكون حل أخير ملوش بديل زي البتر بالظبط، وتقدر تعتبرني حالة من الحالات دي.
ـ أحمد بقلق: طيب والحب اللي كان بينكم.
ـ نعم بألم: الحب حاجة مهمة طبعا، بس مش أهم حاجة، الأهم هو المودة والرحمة، ودول لما بيختفوا، بيتحول الحب لجرح، والجروح بتخف مع الأيام.
ـ أحمد بارتياح: يعني بجد نستيه.
ـ نعم بلهجة مريرة لم تستطع السيطرة عليها: مش كل قصص الحب بتبقى اسطورية، وتقدر تتحدى حتى الموت، زي قصتك أنت ومدام أميرة الله يرحمها.
ـ أحمد بصدمة: حبي أنا وأميرة، مين قالك الكلام ده.
ـ نعم بتلعثم: مش محتاجة حد يقولي، يعني اهتمامك بمدام بكينام بالشكل ده، لمجرد أنها كانت صاحبتها [بغيرة] ده غير تخليدك لذكراها، وأنك تسمي دار الضيافة [دار الأميرة لضيافة المطلقات]، ده كله ممكن يكون ليه، غير حب فريد من نوعه.
ـ أحمد بمرارة: أو يكون ببساطة، أن أي مجرم بيحوم حوالين جريمته.
ـ نعم بصدمة:أيه!
ـ أحمد بقهر:هي دي الحقيقة للأسف، ورغم أنك أخر واحدة اتمنى أنها تعرف عني القصة دي، لكن الغريب أنك أكتر حد محتاج احكيها له.
ـ نعم بحيرة: تحكي لي أيه.
ـ أحمد بتهكم: قصة الأمير المغرور.
ـ نعم بحيرة: أحمد، انا مش فاهمة حاجة.
ـ أحمد بحرج: هاحكي لك كل حاجة يا نعم، واتمنى أنك ما تحكميش علي، ولا تغيري نظرتك لي.
ـ نعم بتوتر: أحمد أنا بجد قلقت.
ـ أحمد بخفوت: مش أكتر من قلقي من رد فعلك ومع ذلك، هاحكي لك كل حاجة، بس من فضلك اسمعيني للآخر.
ـ نعم باهتمام وهي تجذب مقعدها بمقابله: سمعاك يا أحمد.
ـ أحمد بحرج: عارفة في القرأن لما قارون قال، {قال إنما أوتيته على علم عندي}، هي دي كانت نظرتي للحياة.
ـ نعم بصدمة: أنت يا أحمد!
ـ أحمد بندم: لا مش أنا، البرنس أحمد الشربيني، هو اللي كان كده، الباشا اتولد وفي بوقه معلقة دهب، كل حاجة مرسومة بالمسطرة،اسم وعيلة وثروة، حتى الجواز والحب، نصيبه فيهم محجوز، أميرة الشربيني، بنت عمي الوحيدة، أجمل وأرق بنت ممكن تشوفيها، وفوق كده بتموت في، ومش شايفة راجل غيري في الدنيا.
ـ نعم بفضول: وأنت؟
ـ أحمد بحسرة: أحمد الشربيني، عمره ما حب غير نفسه، عشان كده نادرا دلوقتي لما بقول الاسم ده، بفضل استخدم اسم أحمد شريف، يمكن انسى قد أيه كنت غبي ومتكبر.
ـ نعم باستنكار: بس أنت ابعد ما تكون على اللي بتقوله ده.
ـ أحمد بتهكم: للأسف كنت أسوء من كده بمراحل، بس زي ما بيقولوا، ماطار طير وارتفع، الا كما طار وقع، وأنا وقعتي كانت جامدة قوي.
***فلاش باك
توقفت سيارة من أحدث طراز أمام ذلك المبنى المهيب، تتبعها تلك السيارة الخاصة برجال الحراسة، ليسرع أحدهم لفح باب السيارة الأولى لأحمد، الذي خرج من السيارة بتعالي وصلف، ليخطو كطاوس متفاخر حيث مملكته {الشربيني جروب}.
ـ رجل وقور مهرولا: أهلا أحمد باشا، حمد الله على السلامة.
ـ أحمد بعملية غير مبالي برد تحيته: تعالى ورايا يا ابراهيم.
ـ إبراهيم بطاعة: تحت أمر حضرتك.
مر أحمد بخطوات واثقة لداخل المبنى، متجها بثبات باتجاه المصعد، ليتوقف فجأة وهو يرى أحد الفتيات تمر من أمامه بسرعة.
ـ أحمد بحدة: أنت يا بنت أنت، أنت أزاي تعدي من الريسبشن بالمنظر ده، أيه ده يا ابراهيم.
ـ إبراهيم بتوتر: دي مدام الاء، موظفة في الحسابات.
ـ أحمد بسخرية: موظفة ولا فتوة بتاعة خناقات، اتخنقتي مع مين يا أستاذة، وخلاكي بالمنظر ده.
ـ الاء بتلعثم: لا أنا مش متخانقة، ده أنا تخبطت في الباب.
ـ أحمد بسخرية: وهو الباب ضربك في عينيك الاتنين بالبونيه، وبعدين عور لك شفايفك، [ موجها كلامه لابراهيم بحدة] مش أي حد يشتغل في شركة الشربيني ، بلغ شئون العاملين يبعتوا لي تعاقد الاستاذة، وأنت تروحي مكتبك محدش يشوفك من العملا نهائي لحد ما نحط بنود فسخ التعاقد.
القى كلماته النارية، وأكمل طريقه بنفس الثابت غير مباليا بتلك التي انهمرت دموعها، وهي تهرول لمكتبها، بينما اتبعه ابراهيم صاغرا، حتى وصلا لمكتبه الضخم.
ـ إبراهيم بتردد: أحمد باشا،أنا أسف بس فعلا البنت دي غلبانة ومحترمة، صحيح هو مفيش باب ولا حاجة، بس هو جوزها ربنا ينتقم منه، كل يوم والتاني يشوهها بالمنظر ده، فبلاش نبقى احنا والظروف عليها.
ـ أحمد بحدة: دي مؤسسة الشربيني يا ابرهيم مش مكتب شئون اجتماعية.
ـ إبراهيم بعملية: طيب بعيد عن ظروفها، الاء من أحسن المحاسبين عندنا، هي نفسها اللي كانت ماسكة ملف المناقصة اللي فاتت، وحضرتك مدحت شغلها، ومش معقول نمشيها عشان مسألة شخصية.
ـ أحمد بتفكير: أوك، بس بلغها تدخل من الباب الجانبي، وكمان ما تمرش من الريسشن نهائي.
ـ إبراهيم براحة: تحت أمرك يا فندم.
ـ أحمد بأمر: اتفضل اقعد بقى عشان نلحق نجهز الملف قبل الاجتماع.
......................