اللهم ظلنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك
اختبار [الجزء الثاني لجريمة باسم الحب]
الحلقة الحادية والعشرون
ـ أحمد بانهيار وكأنه يتلقى خبر وفاتهم الأن: الله يرحمهم يا ماما، الله يرحمهم ويرحمنا، يارب رحمتك يا رب.
......................
بعد مرور عدة أشهر
يخرج أحمد مترددا من سيارته، بشعر أشعث، ولحية غير مهذبة، فمنذ وفاة والدته، اعتزل الحياة كاملة، حتى شركته العزيزة تلك، هجرها تاركا أمر إداراتها لمدير أعماله ومستشاريه، ولولا أن مدير اعماله استحلفه بكل عزيز وغال، ذاكرا له بأن حاله هذا يعذب الراحلين ويؤلمهم على حاله، لما أتى ابدا، للبت بتلك المسألة التي يزعم، أنه لن يحسمها غيره، خطا بتمهل وتردد، يود أن لم يستمع لرجاءه، وكاد أن يعود من حيث جاء تاركا تلك الحياة التي سلبته أغلى ما يملك، ولكن تسللت له تلك الكلمات مرافقة لنحيب صاحبتها.
ـ الاء بنحيب: أنا بجد مش قادرة، لو مش هيطلقني، يبقى الموت ارحم لي من اللي أنا فيه.
ـ فتاة بتعاطف: معلش يا حبيبتي، شوفي أي حد يوقفه عند حده.
ـ الاء بانكسار: ربنا ينتقم منه، هو بس اللي يقدر عليه، يارب يا تاخده وتريحني منه، يا تاخدني وتريحني.
ـ الفتاة باستنكار: أن شاء الله هو، ربنا....
لتقطع كلماتها فجأة لتلتفت الاء، لترى ما جعلها تبتلع كلماتها، واصابها بكل هذا الذعر، لتنال النصيب الأكبر منه، بمجرد أن وقع نظرها عليه بتلك الهيئة المخيفة.
ـ أحمد بهدوء: الاء، حصليني على المكتب.
ليتركهما وينصرف بهدوء، زاد من ذعرهما.
ـ الاء والفتاة باصوات منخفضة مولولة بتداخل: يادي النصيبة، اترفدنا، اترفدنا، هو شكله بقى يخوف كده ليه.
ـ الاء بقهر: كده كملت، هاروح له مرفودة، يمكن اموت في ايده المرة دي وأخلص.
ـ الفتاة بتوتر: هو بعد ما يخلص معكي هيبعت لي، صح.
ـ الاء باعتذار: متخافيش، انا هاقوله أنك ملكيش ذنب، وأن أنا اللي جيت وقفت جنبك، عن أذنك.
تحركت ببطء، وقدميها تتخاذل خوفا مما ستلاقيه بعد قليل، فوجدته قد ترك لها أذنا بالدخول، فطرقت الباب المفتوح فعليا، وهي تشعر بأن صوت ضربات قلبها تعلو فوق صوت تلك الطرقات.
ـ أحمد ببساطة: ادخلي يا الاء، واقفلي الباب.
نفذت أوامره بتوتر، فامأ لها بالجلوس، فجلست بطرف المقعد، كمن يتأهب للفرار.
ـ الاء بتوتر: أسفة يا فندم، بس الريسبشن ملهمش ذنب، أنا اللي....
ـ أحمد مشيرا لجروح وجهها: هشش، هو ليه بيضربك كده.
ـ الاء بحرج: أنا مش هاعدي من الباب الرئيسي تاني، وبعدين الحسابات بعيدة عن العملا، و...
ـ أحمد باعتذار: انسي اللي فات يا الاء، أنا عايز اساعدك، بس عايز أعرف، هو ليه بيضربك كده.
ـ الاء بانكسار: عشان مليش ضهر.
ـ أحمد بدهشة: مش فاهم.
ـ الاء بقهر: يعني مليش حد اتسند عليه، ابويا وامي ميتين، مليش غير اخت واحدة، مرة هربت عندها، راح كسر لها الشقة، وضربها هي وجوزها، ومن ساعتها محدش يستجري يفتح لي بيته.
ـ أحمد بجدية: وأنت فعلا عايزة تتطلقي.
ـ الاء بحسرة: ياريت، بس أزاي، لا أنا قد مصاريف المحامين والاعيبهم، ولاهو هيسبني في حالي، ولا حتى عندي مكان أعيش فيه.
ـ أحمد بحيرة: وليه ما تأجريش شقة، انتي مرتبك كويس، صح.
ـ الاء بتهكم: ده على أساس أن الفيزا معي، مرتبي هو اللي بيقبضه، وبيصرفه على مزاجه أول بأول.
ـ أحمد ببساطة: يعني أنت كل اللي محتاجة، محامي، ومكان وحد يحميكي منه.
ـ الاء بسخرية: بسيطة صح.
ـ أحمد بتلقائية وهو يناولها ورقة كتب بها بعض الكلمات: فعلا بسيطة، ده عنوان محامي، اتكلمي معه وملكيش دعوة بأي حاجة تانية، [ماددا يده حاملة مفتاح] واللي تحت ده عنوان شقة في برج كبير في منطقة جوزك ميقدرش يعدي فيها أصلا، ده غير سيكيورتي البرج.
ـ الاء بانفعال: اللي هو أزاي يعني.
ـ أحمد ببساطة: اللي هو عادي، هتروحي العنوان تفتحي الشقة بالمفتاح، وتعيشي.
ـ الاء ناهضة بحدة: لا معلش، أنا متعودة أعيش في الحلال.
ـ أحمد بدهشة: حلال أيه، [متفهما بصدمة] أنت تخيلتي أيه، أنا مش عايز منك أي حاجة، ولا هاقرب من الشقة، وممكن تغير الكالون براحتك، وكمان هانقلك لفرع بعيد عن هنا عشان ميدورش عليكي هنا.
ـ الاء بشك: وهتعمل كل ده ليه.
ـ أحمد بانكسار: عشان سمعتك بتقولي أنك نفسك تموتي لو مطلقتيش، وأعرف واحدة ماتت، عشان بس كانت أضعف من أنها تواجه وتطلب حقها، ولما الضغط زاد عليها وانفجرت، الموت سبقها، ياريتها كانت انفجرت من زمان وفضلت عايشة هي واللي في بطنها.
ـ الاء بتعاطف وهي تستنتج أنه يتحدث عن زوجته: الله يرحمها.
ـ أحمد بحسرة: الله يرحمهم [بصدق] الاء، متخافيش، أنا بجد مش عايز منك أي حاجة، بس اديني فرصة اساعدك، يمكن ارتاح، واكفر عن ذنبي في حقهم .
ـ الاء بتفهم وقد تأكدت ظنونها: بس حضرتك ذنبك أيه، وبعدين الناس ممكن تتخيل أيه.
ـ أحمد بانفعال: الناس مش هتنفعك، محدش منهم بيحوش عنك وأنت بتضربي، ومحدش منهم هيندفن مكانك، لو موتي في علقة منه.
ـ الاء بتردد: طيب هافكر، ولو لاقيت نفسي هاقدر هابلغ حضرتك.
ـ أحمد بصدق: اتفضلي، واتأكدي أني عمري ما هاطلب أي مقابل لمساعدتي ليكي.
ـ الاء بأسف: متأكدة، وأسفة لو كنت اتسرعت.
ـ أحمد بندم: وأنا أسف على اللي حصل مني قبل كده، وتقدري تتحركي في الشركة براحتك، اتفضلي على مكتبك.
......................
بعد عدة أشهر، بأحد فروع شركة الشربيني
ـ أحمد بابتسامة: اتفضلي يا مدام الاء.
ـ الاء بحرج: شاكرة لحضرتك جدا.
ـ أحمد بابتسامة: أخبار قضيتك أيه، وعاملة أيه في شغلك في الفرع هنا.
ـ الاء بامتنان: الشغل هنا ممتاز، وكلهم ناس محترمين، والقضية الحمد لله، ماشية كويس جدا، والمحامي مطمني.
ـ أحمد برضا: طيب كويس.
ـ الاء بحرج: أنا أسفة أني طلبت مقابلة حضرتك، بس الحقيقة في موضوع محيرني من فترة، وحسيت أن زيارة حضرتك للفرع النهاردة إشارة من ربنا.
ـ أحمد بهدوء: مفيش داعي للمقدمات دي، هو الحيوان ده اتعرضلك، ولا أنت محتاجة حاجة.
ـ الاء بامتنان: لا طبعا، حضرتك قايم بكل حاجة، وهو مبقاش يقدر يرفع عينه في، بعد العقلة اللي اكلها من البودي جارد.
ـ أحمد بحيرة: امال في أيه.
ـ الاء بتردد: هي ممكن تعتبرها وقحة مني، بس أنا أكتر حد ممكن يحس بالناس دي.
ـ أحمد بحيرة: ناس أيه؟
ـ الاء بتلعثم: الحقيقة أن وجودي المستمر في محكمة الأسرة، خلاني اتعرف على ستات كتير ظروفهم زي ظروفي أو أسوأ، [فاركة كفيها بتوتر] وأكتر من مرة حد منهم كان يقع في عرضي، أنه يقعد معي أسبوع ولا اسبوعين، وطبعا كنت برفض لانها مش شقتي، لكن الأسبوع ده تلت ستات يعتبروا نيمين في الشارع قطعوا قلبي، وبستأذنك لو ينفع....
ـ أحمد بحسم: أي حد شايفة أنه يستاهل نساعده، ساعديه من غير ما تسألي، ومش بس الشقة، اللي محتاجة شغل نشغلها، واللي محتاجة محامي ابعتيها للمتر، وأنا هفهمه ده.
ـ الاء بدهشة: بس ده كتير قوي.
ـ أحمد بصدق: مش كتير ولا حاجة، أهم حاجة تكوني متأكدة أنهم مظلومين ومضطرين للطلاق، أنا مش عايز أقوي حد على خراب بيته.
ـ الاء بحماس: لا والله كلهم مدمرين، ومش متجوزين رجالة أصلا، وممكن احكي لحضرتك، حالة كل واحدة بالتفصيل.
ـ أحمد بثقة: أنا واثق في نظرتك، وزي ما قولتي، أنت أكتر حد ممكن يحس بالناس دي، ولو احتجتم أي مساعدة، أنا موجود.
......................
بعد مرور سنة، بمكتب أحمد بالشركة
ـ أحمد بابتسامة: مبروك يا الاء، بس المهم تكوني اخترتي المرة دي صح.
ـ الاء بخجل: لا الحمد لله، هو انسان كويس جدا، احنا اتعرفنا في المحكمة، وأنا عارفة كل ظروفه، هو كمان انظلم في جوازته الأولى، ونفسه يبني بيت ويرتاح.
ـ أحمد بابتسامة: ربنا يوفقكم.
ـ الاء بامتنان: متشكرة لحضرتك جدا، أنا عمري ما هنسى فضلك علي.
ـ أحمد بحسم: من فضلك بلاش الكلام ده، ولو احتاجتي أي حاجة أنا موجود.
ـ الاء بحرج: هو الحقيقة في حاجة أخيرة، مش عارفة اتصرف فيها أزاي.
ـ أحمد باهتمام: أيه هي.
ـ الاء بحرج: المفروض طبعا أني هاسيب الشقة، بس حاليا هي فيها خمس ستات حالتهم أصعب من بعض، فهامشيهم ولا....
ـ أحمد باستنكار: لا طبعا، وهيروحوا فين.
ـ الاء بارتياح: يعني حضرتك عندك استعداد تصبر عليهم، شهر ولا شهرين عقبال ما يتصرفوا.
ـ أحمد بتفكير: لا شهر ولا شهرين، خلاص الشقة دي بقيت بتعتهم، اللي بتمشي بتيجي غيرها، وأنا لا يمكن اقفل باب الرحمة في وشهم.
ـ الاء بتوتر: بس أنا مش هاكون موجودة، وممكن تدخل ناس تعمل قلق ومشاكل، وده هيبقى مسئولية على حضرتك.
ـ أحمد بتفكير: يبقى كل حاجة تمشي رسمي، نحولها دار لضيافة المطلقات، وهاعينك أنت مسئولة عنها بمرتب أكبر من مرتبك في الشركة.
ـ الاء بسعادة: ربنا يكرمك يا فندم، ويسترك زي ما سترتنا، بجد مش عارفة أشكر حضرتك أزاي.
......................
***عودة من الفلاش باك
ـ أحمد بشرود: هي اللي بتشكرني، ومتعرفش أن أنا اللي المفروض اشكرهم، أنهم رجعوني تاني للحياة، ودمروا الداتا بتاعة الروبوت، ورجعوني انسان من تاني.
ـ نعم بانبهار: وبعدين.
ـ أحمد بألم: واحنا بنخلص أوراق الدار، لاقيت نفسي باسميها على أسم أميرة، وكأني باحاول أكفر عن ذنبي في حقها.
ـ نعم بغيرة: هو ده بس سبب التسمية.
ـ أحمد بتأكيد: أيوه، للأسف تربية بابا لي، كانت لا يمكن تخرج شخصية تعرف تحب، حتى لما حس أن أسلوب ماما هيأثر علي، سافرني المانيا، منها أدرس وكمان يترسخ جوايا الأسلوب العملي البحت.
ـ نعم بحزن وشرود وكأنها تشتكي حالها: الله يرحمه، ناس كتير زيه فاكرين أن العواطف بتتعارض مع النجاح، وبيدوسوا على قلوبهم لو هتقف قدام طموحهم.
ـ أحمد بندم: للأسف كنت زيهم، لحد ما اشتغلت بالعمل الخيري، وعرفت أنك تحافظي على انسانيتك هو ده النجاح الحقيقي [بابتسامة] خصوصا بعد ما اتعاملت مع الأطفال.
ـ نعم بفضول: اه صحيح، أنت ازاي ابتدى اهتمامك بدور الرعايا.
ـ أحمد بحزن: نزيلة في الدار اتوفت وكان معها وقتها طفلين صغيرين، ورغم أن جوزها كان بينازعها على حضانتهم، لكن مجرد ما ماتت رفض يستلمهم، وكأن تمسكه بيهم كان من باب العند معها.
ـ نعم باشمئزاز: حسبي الله ونعم الوكيل.
ـ أحمد بضيق: ربنا ينتقم منه ومن أمثاله، المهم أننا اضطرينا نودعهم في دار رعاية، وكنت بازورهم من وقت للتاني، اطمن عليهم،[بانتشاء] وقتها حسيت أني بادخل الجنة برجلي، وأن الأطفال هما اصح صحبة لكل مهموم، ومن وقتها مقدرتش ابعد عنهم.
ـ نعم بابتسامة: عندك حق، من زينة الحياة الدنيا.
ـ أحمد بحرج: طبعا سقطت من نظرك بعد اللي سمعتيه.
ـ نعم بصدق: بالعكس عليت بنظري أكتر، في ناس كتير حياتهم صح وشخصيتهم سوية، عشان اتولدوا في بيئة صحية، وتربوا تربية سليمة، لكن الأقوى بس هما اللي بيقدروا يغيروا مسارهم ويصححوه، ممكن تكون غلطت زمان، لكن مين فينا ما بيغلطش.
ـ أحمد بحب: بجد أنت انسانة جميلة قوي.
ابتسمت بحياء، استحال لحزن وهي ترى نظرات الحب بعينيه، بينما هي تعرف استحالة التقاءهما بعد ما سمعته، فهي كانت تعرف بثراءه ولكنها لم تتخيل أن يكون من سكان القصور ذو الأصل العريق، فأين هي منه، خصوصا بعد معرفتها بحقيقة أصل ابيها، ليلاحظ هو حزنها ويرتجف قلبه بين اضلعه من أن تكن تتألم بسبب حبها لغيره.
***************************
بشقة صالح
جلست سوزي بصدمة تستمع لتلك التطورات الكبيرة لتلك القضية التي أطلق عليها {فضيحة الموسم}.
ـ صالح باستياء: الصحفيين دول ما بيصدقوا أي مصيبة ويولعوا الدنيا من غير أي دليل.
ـ سوزي باستنكار: هو أيه ده اللي من غير دليل، ما بيقولوا لك طلعوا أذن باستخراج الجثة.
ـ صالح بعملية: بس لسه نتيجة التشريح ما ظهريتش.
ـ سوزي بحيرة: بجد أنا مش فاهماك، أنت طول عمرك، مش بتطيق لا هايا ولا رامي جوز بنتها، اشمعنا دلوقتي بتدافع عنه.
ـ صالح بتلقائية: مش معنى أني مش برتاح لحد أني أقبل أنه يتظلم.
ـ سوزي باستنكار: وأنت متأكد منين أنه مظلوم.
ـ صالح بصدق: افهميني، أنا مش باقول أنه مظلوم في موضوع الاغتصاب ده، لأني بصراحة مش مستبعد أنه يعمل كده، أنا رافض أنه يتظلم بحكم مسبق.
ـ سوزي بحيرة: وتفرق في أيه بدل هو فعلا زبالة.
ـ صالح بجدية: لا طبعا تفرق، لو وافقنا النهاردة عشان اللي بيتظلم يستاهل من وجهة نظرنا، بكرة المظلوم يكون ما يستاهلش، أو ممكن يكون احنا نفسنا.
ـ سوزي باستنكار: لا طبعا، هما ما اتكلموش من فراغ، وأهل البنت اللي انتحرت، معهم أدلة على علاقته بيها.
ـ صالح بحدة: أهو دي اكتر حاجة بتأكد لي، أن الموضوع مش حق وباطل.
ـ سوزي بحيرة: مش فاهمة.
ـ صالح زافرا بضيق:البنت مرات السواق دي سبق واتهمته، وبعدين طلعت كذبت اتهامها واختفت تماما، وبعدين طلع جوزها يتهم رامي أن هو السبب باصابته هو ومراته بالايدز،[بتعجب] وفي نفس التوقيت أهل البنت اللي انتحرت، طلع معهم أدلة على علاقته بيها، وكمان عندهم الجراءة يتحدوه ويستخرجوا الجثة عشان يثبتوا أن عندها الايدز هي كمان، ويأكدوا علاقتها برامي واصابته بالايدز، لما كل ده يحصل في التوقيت ده بالذات، يبقى ملوش غير تفسير واحد.
ـ سوزي باهتمام: أيه التفسير ده.
ـ صالح بيقين:أنها لعبة سياسية قذرة، أنت عارفة أن الانتخابات على الأبواب، وخصوم المستشار مش قليلين، وأكيد هما اللي مقويين أهل البنت والسواق كمان، عشان يدمروا سمعة المستشار المنصوري.
ـ سوزي بضيق: حتى لو كده، بدل هيبينوا الحقيقة يبقى برافو عليهم.
ـ صالح باستنكار: برافو عليهم، لما يكونوا قصدهم يظهروا الحق ويساندوه، مش بيستغلوه لمصلحتهم، وبعدين هما يظلموا ناس تانية عادي.
ـ سوزي بتفكير: أنت متخيل معنى، أن البنت المنتحرة فعلا عندها ايدز.
ـ صالح بحزن: معناه أن الظلم ساد، وحتى لما ظهر الحق كان بمساندة الباطل، عشان نستبدل الفساد بفساد.
***************************
مكتب صلاح بشركة الاستشارات القانونية.
فوجئ صلاح باب مكتبه يفتح بقوة، بلا استئذان، ومروة تندفع للداخل بثورة، بينما سكرتيرته تتبعها بذعر.
ـ مروة بانفعال: فهم الهانم أنا ابقى مين، وصفتي هنا أيه، دي بتقولي في ميعاد ولا لا.
ـ صلاح بضيق: خلاص يا ولاء، دي المدام.
ـ مروة بثورة: المدام دي في البيت يا دكتور، أنا باتكلم بصفتي الدكتورة مروة، شريكتك.
ـ صلاح بنفاذ صبر: حضرتها تبقى، الدكتورة مروة، مراتي وشريكتي، اتفضلي أنت دلوقتي.
ـ مروة بغيظ: أزاي محدش هنا يعرفني، والمفروض اني زي زيك بالظبط.
ـ صلاح بحدة: والمفروض يعرفوكي أزاي، وأنت عمرك ما جيتي المكتب من يوم الافتتاح.
ـ مروة بتهكم: عندك حق، بس ما تقلقش، أنا جاية أصلح غلطتي دي، ومن النهاردة مش هيعدي يوم من غير ما اجي، أصلي فكرت في كلامك وقررت أشغل نفسي، بدل ما اقعد أعد الأيام .
.
ـ صلاح منحنيا بشكل مسرحي: نورتي المكتب يا دكتورة، [موبخا] بس اعتقد الناس البروفشنال، متتهجمش على المكاتب بالطريقة دي، فياريت متتكررش.
ـ مروة بتلعثم: ما هي اللي نرفزتني، وهي بتتكلم وكأن مليش صفة هنا.
ـ صلاح بسخرية: كان الأسهل أنك توضحي لها الصفة اللي بتقولي عليها، وتدخلي مكتبك بشياكة، مش تتهجمي على مكتب شريكك بالطريقة دي.
ـ مروة بمكابرة: مش قبل ما ادخل مكتبي، المفروض نقعد وتطلعني على الحسابات، واشوف الدنيا ماشية أزاي يا دكتور.
ـ صلاح باستنكار: دلوقتي ده المكتب شغال ملوش شهور.
ـ مروة بتهكم: ورغم كده واضح أنك كملت الجزء الناقص من رأس مالك، لأني شوفت الوحدة الصوتية وأنا داخلة، ده غير الأعلانات كل يوم والتاني، [باتهام] ياترى كملت فلوسك بالسرعة دي أزاي، وزي ما بتقول، المكتب شغال ملوش شهور.
ـ صلاح بحزم: كلامك في اتهام مش مقبول يا دكتورة، وعامة أنا فعلا كملت نصيبي في رأس المال.
ـ مروة بتحدي: بالسرعة دي.
ـ صلاح بثقة: أظن اتفاقنا كان واضح، كل واحد هيمسك قضية، المكتب له ربع الأتعاب والباقي له، وفي الوقت اللي أنا كنت باوصل الليل بالنهار، حضرتك دي أول مرة تدخلي فيها المكتب، وكمان جاية عشان تحاسبيني.
ـ مروة بحنق: مش باحاسبك، بس أظن حقي أعرف.
ـ صلاح بثقة: مفيش مشكلة، المكتب له محاسبين، ممكن تقعدي معهم.
ـ مروة بضيق: أوك، عن أذنك أنا رايحة مكتبي.
لما يبالي بالرد عليها واكتفى بابتسامة باردة، زادت من اشتعالها الداخلي، فقد أتت ممنية نفسها أن تمسك عليه بعض الأخطاء تجبره على استرضاءها ومساعداتها بتحقيق حلمها دون تذمر، ولكنها فوجئت بثقته الزائدة بنفسه، وانشغاله التام، مما جعلها تشعر أنه يحلق بسماء حلمه، بينما هي تتجرع فشلها شهريا.
***************************
بأحد المطعم الخاصة بالأكلات الريفية
كان جميع أفراد أسرة محمود يتناولون غداءهم بسعادة بصحبة أحمد الذي كان يختلس النظرات لنعم، متمنيا أن يعلم سبب تجنبها له، بعد أن عرفت منه ذكريات ماضيه المخزي، حامد الله أنه لا يرى نفورا أو كره بنظراتها، ولكن تلك النظرات الغامضة وتباعدها عنه بقدر استطاعتها يؤرقه، برغم شعوره ببعض نظرات الحب التي يتمنى الا يكون متوهما لها، لذا فقد عزم على المواجهة اليوم ليعرف حقيقة مشاعرها نحوه.
بينما هي تتلاهى بطعامها غير غافلة عن مراقبته لها، تحاول تجنبه قدر استطاعتها منذ فتح لها قبله، وأخبرها بحياته السابقة، فبذلك اليوم انتابها شعوران متباينان تماما، فقد شعرت بحبها الجارف نحوه، وقلبها ينفطر حزنا وتعاطفا عما لاقاه بحياته، أما الشعور الثاني رغبة بالفرار من أمامه والإنسحاب من حياته للأبد، وقد تيقنت من استحالة التقاء طريقهما، هو بأصله الارستقراطي، وهي بما عرفته عن حقيقة نسب ابيها، لذا فقد فضلت البعد قبل أن تتعمق مشاعرها، فيزداد جرحها وقت البعد الذي لا مفر منه.
***************************
يا ترى أحمد ناوي على أيه، ونعم هتقدر تبعد فعلا
***************************
مع تحياتي
منى الفولي